موطني V.S فدائي/ سليم البيك

-

موطني V.S فدائي/ سليم البيك
صار الفلسطينيون في أبوظبي، وفي غيرها حتما، يعتمدون نشيد فدائي بنسخته الجديدة المنقّحة في جميع أمسياتهم وأنشطتهم. أعني نشيد فدائي لوحده بعد أن كانوا- وكذا معظم الفلسطينيين- يعتمدونه بنسخته القديمة و"موطني" كنشيدين وطنيين فلسطينيين.

هذا النشيد الذي تعودنا عليه بنسخة سبعينية في أحسن الأحوال. تسجيل كاسيت قديم ومشوّش نكاد نحن الفلسطينيين نفهم كلماته، يبدو وكأنه سُجّل في رحى احدى المعارك، والأهم أنه يبدأ بصرخاتٍ- كثيرا ما نقزتُ منها- لفدائي شرس صنديد في أوج حماسته وتدريباته القتالية في أحد معسكرات فتح ربما.

في النسخة الجديدة- الـ "Neo-Feda’i"- لم يعد هذا الفدائي ذو الصرخات العرمرية موجودا، تلاشى بعد أن تماهى مع النسخة الجديدة من فتح نفسها- فعليا لم تعد جديدة- النسخة التي بدأت عملية التقشّر منذ أوسلو، أو للدقة أقول أكملت عملية التقشّر عند أوسلو، وأعقبتها بعدة عمليات أخرى إلى يومنا هذا، ويبدو بأنها ستمضي قدما على خطى القائد الرمز.

بغض النظر عن هذا الفدائي الشرس وصرخاته التي لا أدري أي عقل مبدع هذا الذي أتى بها لتستهلّ نشيدا وطنيا، فالنسخة القديمة لم تكن مناسبة أبدا لتكون نشيدا وطنيا- وهل تكون النسخة الجديدة؟- كان أنصف لها وللوطن لو كانت نشيدا حزبيا تعبويا لرفع همم الشبيبة الفتحاوية مثلا. وهي ليست بعيدة عن ذلك على أي حال. "فدائي"، النشيد الذي حملته فتح منها إلى منظمة التحرير ومن الأخيرة إلى الدولة.. لحظة، أي دولة؟

سنغض النظر عن حالة الحكومتين والبرلمانين والحزبين الحاكمين والنشيدين واللادولة وسنفترض أننا حقا لنا دولة فلسطينية- وأنا طبعا حامل وثيقة السفر لست من مواطني تلك الدولة، لست من مواطني أي دولة فعليا- سنفترض أن لنا، أقصد أن لفلسطين دولة، وأن لها نشيدا، هذا النشيد الذي- مرة أخرى- حملته فتح وعمّمته ليصير نشيد المنظمة ومنه انتقل أوتوماتيكيا ليصير نشيد فلسطين أو دولة فلسطين، وسنفترض أن هذا النشيد هو "فدائي"، ولكن لحظة.. أي فلسطين، الضفة وغزة أم الضفة أم غزة أم فلسطين كل فلسطين؟
لكن..
ماذا عن نشيد موطني الذي كتبه الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان؟ النشيد الذي كان نشيد فلسطين وثوراتها، النشيد الوطني غير الرسمي، لم تكن هناك دولة قبل وبعد النكبة، ولكن "موطني" كان النشيد الفلسطيني آنذاك. تماما كما كانت فلسطين موجودة، فقد كان لها نشيدها، والسؤال: هل النشيد بحاجة إلى دولة كحاجة الدولة إلى نشيد؟

في القسم الأعمق في فلسطين، في أراضي الـ 48 حيث لا وجود سلطوي أو حركي أو علني، أو مهما يكن، لفتح. يعتمد الفلسطينيون هناك نشيد موطني كنشيد فلسطيني توارثوه عن أجدادهم، قبل تأسيس فتح طبعا. في المخيمات خارج الوطن يعتمدون النشيدين، نشيد فتح (القديم أبو الصرخات) الذي نجحتْ في جعله نشيدا وطنيا فلسطينيا رسميا، ونشيد موطني الذي مهما حاولت فتح في فرض فئويتها على فكرة النشيد الوطني الفلسطيني، والذي مهما حاول رعايا "العراق" الجديد سلبه إعلاميا ورسميا، سيبقى النشيد الفلسطيني في وجدان فلسطينيين كثر بمن فيهم أهلٌ من فتح، أو لعلّي أقول في وجدان كل الفلسطينيين.

في حفل لأحمد قعبور في ذكرى النكبة مؤخرا في أبوظبي، بدأ الحفل بالنشيد الفلسطيني، وكان "فدائي" بنسخته المشذّبة المناسبة لحقبة أوسلو وملحقاتها، كان لابد أن يقف الجميع بمن فيهم أنا لهذا النشيد، وكان وقوفا متململا كثير الحركة والوشوشات والالتفاتات، عندي وعند معظم من وقع نظري عليهم حينها.
أنهى قعبور حفلته بنشيد موطني. قبل أن يبدأ بالغناء، ومع موسيقى "موطني" بحركة واحدة نهض الجميع.

وقفنا كما لم نقف في "فدائي".
وأنشدنا كما لم ننشد في "فدائي".


التعليقات