أعطني العـود وغنِّ- لقاء مع الفنّانة سلام أبو آمنة

أعطني العـود وغنِّ- لقاء مع الفنّانة سلام أبو آمنة
حين بدأت خطواتها، كانَ عود والدها حاضرًا مثل قيثارةٍ تدفعها إلى عالم اللحن. كبرت، وعشق الموسيقى كبر معها، وصار جزءًا من حياتها. سلام أبو آمنة، واحدة من فريق فني مجازيّ مكوّن من ثلاث شقيقات (هي ودلال وجيهان) سطع نجمهن وأحلامهن أيضًا، إلى أن تجلى عاليًا...
بدايتها الفنية كانت تقليدية كما البدايات، قصة عادية عن طفلةٍ تربّت في بيتٍ نصراوي يعشق الفن. تأثرت بالأغاني الكلاسيكية الطربية والفيروزية. عندما بلغت الخامسة عشرة من عمرها، فرضت حضورها الخاص وصوتها المؤثِر. وفي أولى خطواتها „تحدت الروتين” وكسرته عندما بدأت العزف على العود، لتصبح واحدةً من قليلاتٍ إخترن الغناء الى جانب العزف على هذه الآلة التي اكتسبت طابعًا „ذكوريًا”. درست أسس الموسيقى الشرقية والمقامات، ومن هناك انطلقت.

„رجع الخي”

محظوظةٌ هي وسط أهلها، وسعيدة أكثر في ظل حياةٍ زوجية يتحمل فيها الزوج جزءًا كبيرًا من المسؤولية والاهتمام، فلولا وجود بيئة موسيقية في البيت، „لكان فني مكبوتًا” مشددة على أن „كثيرةٌ هي الطاقات المهدورة في المجتمع” ترى أبو آمنة في زوجها نصّار شريكٌ فعلي بحياتها. هو مستشارها في كل كبيرة وصغيرة. تقول أبو آمنة أنّها تزوجت بطريقة تقليدية، لكنّها أحبت نصّار خلال فترة الخطوبة التي امتدت ثلاث سنوات وزادت من بعدها العشرة إحترامًا.
ورثت حب الفن من والدها، وورث إبناها، نغم وابراهيم، الذوق الفني حتى حملا منذ طفولتهما هوية فنية وذوقًا في اختيار الأغاني. يحبان أمّهما أن تغني „رجع الخي”، لسميح شقير، وتحرص الأم على إبعادهما عن موجة الأغاني الشبابية، التي „لا تحمل هدفًا ولا معنىً ولا لحنًا ولا أداءً”.

نقلة نوعية!
عُرفت أبو آمنة بالغناء الوطني والكلاسيكي والطربي، وظلّ الحال على ما هو عليه إلى أن دخلت المسار التقليدي: زواج وإنجاب أطفال. الأمر الذي أبعدها عن ممارسة الغناء. حين قرَّرت العودة، تطلعت إلى الساحة الفنية المحلية، فوجدتها تفتقر للأغاني الكلاسيكية الطربية. كان عليها أن تخلق صورةً مختلفة عن الأنماط، مدفوعةً بتشجيع من حولها. منذ تلك اللحظة صارَ العود رفيقها الدائم وأساسَ فنها، متجهةً إلى الغناء الملتزم، الذي يمنحها „تميزًا وشعورًا بالرضى”، وفق ما يعتريها من إحساس.
تخلت عن الغناء لأم كلثوم حتى باتت الطربيات مسألة لا يمكن الرجوع اليها، متخدةً لونًا ونهجًا مختلفًا، فيه التزامٌ ورسالة يجب إيصالها للناس جميعًا، وتقول: „لا أعرف ما سر النضوج في شخصيتي الفنية، كل ما أعرفه أنني أرى نفسي من خلال الأغاني الوطنية الملتزمة، وأرفض أن أستغل الوطن للتجارة، كل ما أعرفه أنه من المعيب لفلسطيني يتحدث عن عروبته أن يغني تحت رعاية شركةٍ اسرائيلية، أو تحت رعاية وزير اسرائيلي „.

على خطى الموروث

تسعى من خلال البحثٍ الدقيق عن الموروث الوطني للأغاني، إلى البحث عن كل كلمةٍ فيها صدقٌ وواقعية. لهذا تبنّت إحدى أغاني الفنان أبو عرب، مطرب الثورة الفلسطينية. أغنيته تتحدث عن العيد، عندما يلبس الجميع أثوابًا جديدة، وفي الوقت ذاته تنتشل جثث أطفالٍ من تحت الردم، إنها كلماتٌ مؤثرة ومعبرة عن حجم مأساة الشعب الفلسطيني، وتصب أغنية „انا من هذه المدينة” للشاعر الراحل توفيق زياد في خانةِ الكلمات المعبرة التي تصل للجمهور دون استئذان، بينما تفشل الأغاني الشبابية- رغم الدعم الكبير، ماديًا ومعنويًا لنشرها- في استقطاب حب الجمهور الفلسطيني لهذه النوع من الفنون.

واحدةٌ من المعجبات بجوليا بطرس، إذ تعتبرها صاحبة بصمة متميزة في الغناء الملتزم، وتتبع خطوات جوليا متمنية أن تنجح في إيصال الرسالة ذاتها، التي حملتها جوليا، فهي „ ملتزمة وصادقة، دون إسفاف أو إثارة، حين يقولون جوليا يرفقونها بالكلمات التالية، الالتزام، الصدق، الفن، والمثالية”.
وترى في سميح شقير مثالاً للفنان الناجح المتواضع. في أحد المرات غنّت أبو آمنة „رجع الخي” وبعثت له الأغنية عبر الإيميل، وخلال يومين، أرسل لها ردًا قال فيه: „أعجبني صوتك وإحساسك، أنتم أهل الـ 48 تحبون أغانيّ، وأتمنى ان نلتقي في الأردن”، وتقول أبو آمنة: „كانت كلماته بسيطة ومتواضعة ومؤثرة، حمّلتني مسؤولية أكبر في الفن الصادق الجميل والمتواضع.”

الشهرة؟

قالت أبو آمنة إنّها „لا تبحث عن الشهرة ولا عن المال”، مبينة أن „كلُ همها تناول الواقع وكشف حقيقة الجرح والمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون”، وهي رسالة تنقلها للأجيال القادمة.
مواقف غريبة واجهت ابو آمنة حيث تنتقد من يحاول حصرها في خانة حزبية: „إنني انتمي لحزب الانسانية، ولا انتمي لحزبٍ سواه، رغم أنني أعتز بكل من دعمني وآمن بموهبتي وعلى رأسهم د. روضة بشارة من التجمع، وأتفاجأ عندما أحصر في زاوية السياسة، وأنا لستُ سياسية، انا ضد الظلم والمعاناة واغتصاب الوطن، كنتُ اتمنى ان نتوحد في حزبٍ واحد”.
بينما نجحت في استقطاب جزء كبير من الجمهور الذي سمع اغنيتها „انا من هذه المدينة” للشاعر الراحل توفيق زيّاد، بغض النظر عن انتمائه السياسي. وحين غنّـت أناديكم، علّق بعضهم، أنها سرقت الأغنية، „فكيف تكون أشعار توفيق زياد لحزبٍ دون آخر، او لشخصٍ دون سواه؟! توفيق زياد إضافة إلى كونه قائدًا سياسياً ومناضلاً وشاعر لا يمكن أن نضعه في خانة حزبية واحدة”.

هوية

سلام ابو آمنة متزوجة من نصار نصار وام لطفلين هما: نغم وابراهيم، حاصلة على اللقب الأول في التربية، تمارس مهنة التعليم منذ 10 سنين، في موضوع التربية لجيل الطفولة في الرينة.

عروض

عرضٌ قدمته سلام أبو آمنة للجالية الفلسطينية في المانيا، فكان التجاوب فوق المتوقع، فلكل مغتربٍ قصة وحكاية، امٌ لم ترَ ابناءها، وأحفادٌ يبحثون عن أجدادهم، وفي المشاركة 400 فلسطيني هللوا للفرقة على مدار ساعتين.
غنّت في رام الله وبيت لحم وفي قرية بيت عنان في ضاحية القدس، وصلت فرقتها الموسيقية بعد ساعة ونصف بسبب الحواجز العسكرية. وصل المدعوون مع أبو آمنة والفرقة الى ملعب القرية، حارةٌ فقيرة، أزقة ضيّقة، غبار المكان يسدّ مجرى التنفس للبشر، ومع ذلك، التفّ حول المكان 4 الاف شخص، جاءوا للاستماع والاستمتاع بصوتها العذب.


"فصل المقال"

التعليقات