في نقد النوسطالجيا (4): في الفكر(3): العقل السجالي../ د. عبد الله البياري*

-

في نقد النوسطالجيا (4): في الفكر(3): العقل السجالي../ د. عبد الله البياري*

تغرق الساحة الفكرية والثقافية العربية في جدلية قاربت حدود "الجدلية الصنمية" وأزليتها، إن لم تصبح كذلك بعد، تلك هي جدلية العلاقة بين الحداثة والأصالة، والتي انتهت إلى نتيجتين ظاهريتين تتبديان على سطح –وفقط السطح- المشهد العام:

1.شق المجتمع الثقافي والفكري وتباعا الجمهوري إلى فريقين إثنين، تجمعها علاقة وجودية / صراعية لا غير، وتلك هي الصورة غير المحبذة من ثنائية العلاقة: الأنا والآخر، وذلك لأنها تختصر الآخر والعلاقة به في صورة صراع بقاء، وبما تستدعيه كلمة "بقاء" يتضح لنا أن فاعلية أي طرف تتبدى من تضاده مع الآخر، فلا حداثة –بالأصل اللغوي – إلا بتحديث القديم، ولا أصالة إلا بانفصالها عن الحديث أو المعاصر، لذا فالعلاقة الصراعية بين الطرفين هي علاقة وجودية متى غاب طرف فقد الآخر حيزه الوجودي، كل ذلك أسس للعقل السجالي كمنهج فكري، وهو من الإستاتيكية أنه لا ينتج ولا بيدع لغياب الملافحة والتلاقي، ويكتفي بالإجترار البيولوجي للتاريخ و الواقع – بالتوازي- سلاحا للبقاء.

2. اختصار مجمل المشهد الثقافي العربي في حالة الانشقاق تلك، والحكم المختزل بغياب أي فرصة للتلاقي ومن ثم الإنتاج، وإن كان ذلك الإختزال ليس بخاف عن أي طرف كان (الحداثة بحكم أصل العلوم الفلسفية والحضارة الشرقية، والأصالة بحكم منبت أدوات التواصل والحضارة الإنسانية التقنية والمادية)، ولكن الإنجراف نحو معالجة ذلك الإختصار المجحف  ينسف الأسس الوجودية للفرق المتصارعة باسم كلتي الظاهرتين الإنسانيتين وتياراتهما المختلفة.

 

من المقولات التي تؤسس لحالة الصراع تلك و التي تؤجج لها والتي ينكرها أصحابها تارة و أحيانا ينادون بها، كان القول بحتمية الصراع بين الحداثة والإسلام وإطلاقه صراعا وجوديا، مما يؤسس للقول بأن العلاقة بينهم لا ولن تقبل أي نوع من المهادنات أو التلاقي والتلافح، كما أنها تلغي وتنكر أي مصداقية لأي محاولة لمد الجسور باعتبارها تمردا أو انهزاما بعيدا عن موضوعيتها.

وفي هذه المواجهة تنحو الدعوة للأصالة إلى توحيد نفسها مع الدين، وفي المقابل تميل الحداثة لمطابقة ذاتها مع العلم، وطبعا تنتج لنا تلك الثنائية الاتحادية المتقابلة التالي:

 

1. تطابق الهوية مع ذاتية الأنا الوجودية الأكثر قداسة وهي الدين (منبع القيمة الروحانية)، وبذلك ينخفض التراث إلى جانبه الديني.

2. تتطابق الحداثة مع الحضارة المادية وتمظهراتها، فتنخفض المدنية إلى طابعها التقني الصلب.

وما يؤدي إليه ذلك من شيطنة الدولة المدنية الحديثة ورفضها جهويا وأيديولوجيا بدعوى اعتبارها بناءا ماديا تقنيا لا يؤخذ إلا بالكلية ولا يرفض إلا بالكلية قافزين فوق ديناميكية التخليق بتاعا لإختلاف الخصوصيات الحضارية، والفكر الشمولي الرفضوي هو نتيجة جدب عقلية التفكيك و إعادة التركيب والتخليق.

ويتبدى لنا ذلك واضحا خلال العديد من حوارات الفكر العربي:

(رسالة التوحيد والإسلام والنصرانية مع العلم و المدنية ) لمحمد عبده، و (لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم) لشكيب أرسلان، وغيرهم.

 

إن ذلك الاستقطاب المزدوج: رفض الحداثة –كمنتج غربي- بالجملة لتأكيد الذات، وبالمقابل رفض الذات لتأكيد الحضارة و القابلية للانصهار فيها، جعل من "كل التركيبات النظرية العربية منذ النهضة إلى اليوم من إصلاحية دينية إلى قومية عربية، لم تكن إلا محاولات للتقريب بينهما وتجاوزهما وإعادة عرضهما بشكل جديد على ضوء المعطيات الخاصة بكل حقبة، وليس الاختلاف القائم داخل هذه الأيديولوجيات السياسية التوفيقية إلا نتيجة تغليب أحد العناصر على الأخرى" 1*.

وإن كانت الحداثة الغربية كمنتج جهوي يستلزم الرفض الأيديولوجي لإثبات الوجود، هي نتاج بلورة منظومة فكرية سياسية تقوم على مفاهيم: الحرية ]فولتيير / كانط[ و التسامح ] لوك[ و المساواة ]روسو[، فكيف يمكن أن تخفى عملية الأدلجة الزائفة لتلك الأسس  - الحداثية للبعض والإنسانية في الأصل – وربطها الزائف بالنسق الغربي وكأنها وليدة تلك الحضارة فقط؟؟ ولا تتأتى في أي صورة أخرى غير تلك؟ ذلك من ناحية، وأما من الأخرى فيخطئ من يعتقد بوجود إمكانية لخلق ثقافة اجتماعية – سياسية ذات أساس علمي –مادي محض، منزوع عنها كل المطالب الروحية و التأملية و الأيديولوجية، لتنتهي بها تطورا فيزيولوجيا، أو كما قدمها كانط في نقده للعقل:

هل يوجد معرفة من النوع المستقل عن التجربة أو حتى الانطباعات الحسية *2

لذا فكما أنه من الخطأ نقد المعرفة الطبيعية و الفيزيائية بمنطق ديني / ثيولوجي / فقهي / لاهوتي، فمن الخطأ كذلك نقد الفكر الديني من منطق البحث الطبيعي / المادي.

 

* العقل السجالي:

إن للرفض الجهوي كإثبات وجودي، ولحالة الصدام المبني عليها و التي تؤسس لها علاقة " الإسلام لا يقبل الحداثة"، تأثيرا على الثقافة العربية – التي يمثل الإسلام روحها- وكذلك الوعي العربي، إذ تتبدى الكثير من آثاره الإنفصامية، على خطابات النوسطالجيا وواقعهم، وبالتالي تأثيرهم، جاعلا من الكشف عن أحقية الإدعاء النوسطالجي بأن إنكار الحداثة هو شرط لتأكيد الذات – المختصرة في الدين- يتماهى في الأهمية مع الكشف – المقابل- عن تهافت القول بأن رفض الذات وإنكارها هو شرط قبول الحداثة و توطينها و الإندماج في الركب الحضاري الإنساني.

إلا أن قولا كالسابق، لا يخفى ما يؤسس له من صورة القول والقول المقابل، وليس حتى الفعل ورد الفعل، لما يمثلانه من ظواهر صوتية إستاتيكية كما الكهرباء الساكنة، وهو أساس العقل السجالي، وهو العقل الذي انفصل عن الواقع ليصبح الحوار فيه بين الفكر والفكر، وليس الفكر والواقع، بكل ما تقتضيه تلك المواجهة من استحواذات طوباوية تصادر على غيرها، وتقفز عن الخصوصيات الحضارية والظرفية الزمانية والمكانية للواقع المعاش، والتي تمثل خط الفصل بين الفكرة والواقع.

إن للعلاقة الرفضوية للنوسطالجيا مع أي قيمة حداثية على أساس جهوي إيديولوجي – وليس موضوعي-، تجعل من التيارات الفكرية وما يقابلها، أسيرة حالة الاستقطاب، المنفصل عن الواقع، مما يضعف تأثيراتها في المشهد الحياتي أو يؤدي لراديكاليته المفرطة، لأن الجهد الأساسي حينها لذلك العقل السجالي، ليس لخلق مساحات اللقاء والتلافح والحوار والإختلاف، إنما في مواجهة /الصراع مع التيار المختلف أيا كان، تقاطعا أم لم يتقاطعا *3، وليس في مواجهة الواقع انطلاقا من نقاط التلاقي والاتفاق بهدف التغيير، لذا تتبدى لهجة الاستنفار الأيديولوجي في الخطاب، والتي تزداد في حال الأزمات، ولكن أوليس الصدام والرفض المطلق هو أزمة؟؟ أزمة احتواء وحوار؟؟ وبالذات عندما تفرضها موازيين القوى؟ أوليست الحداثة – في كل تجلياتها- تهاجم أول ما تهاجم "الأصل التوحيدي" أو هكذا قيل؟

"لكن ما الغريب في الأمر؟ أليس هذا هو حال الثقافة الشعبية في أي مكان عندما ترسم صورة عن الآخر في فترات الحروب ]صراع بقاء[ مثلا؟ ما الغريب في التعميم السريع، أو إسقاط المخاوف الدفينة والنقائض التي يخشاها المجموع على صورة الآخر؟ ]كالدياثة والعمالة وانعدام الخلق والجهل والأدلجة المقابلة والمادية وغيرها من التوصيفات[ لا جديد. نعرف هذه الظاهرة العميقة الجذور في ثقافات كافة الشعوب ونراها تزداد قوة في مراحل الأزمات "*4  كما " تقيم هذه العقلية إدعاءاتها على اعتبار أن الجهل والغرائز والمعلومات الخاطئة والرغبة في التعميم السريع، والخوف من المجهول، معطيات ثقافية جماهيرية قائمة وصلبة، يتم التعامل معها ببساطة وتقبل من دون نقد، خصوصا عند تشكيل صورة الآخر أو صورة المختلف عنا أو الغريب ]فما بالك ذاك المتصادم الوجودي مع الدين و أصله التوحيدي؟[ أما إذا كان الآخر هو في الوقت ذاته هو العدو فعندها عمم ولا حرج وحدث ولا حرج"*5.

لذا سرعان ما ينصب خطابيو النوسطالجيا حينها أنفسهم متحدثين رسميين عن المجموع أو الأغلبية الصامتة مقدمين أنفسهم بإسم (نحن) لا للتعظيم بقدر ما هو حضورا لقوة المجموع أو الأغلبية وبسطوة الأسئلة الإستنكارية.

 ومن مشاهد ذلك الاستنفار الأيديولوجي بإسم ال(نحن):

1.تشريع "العنف" دفاعا عن الأيديولوجيا/الثيولوجيا وليس الفكر:

 بداية من التكفير بكل صوره للتنميط والأحكام المسبقة حتى التهكم والإستهزاء والشخصنة  والاتهام بالجهالة والتفتيش في القلوب أو حتى التصنيف الرأسي للبشر، كل ذلك ابتعادا عن الواقع و انفصالا عنه و اتحادا بشخوص ليس لهم من الديمومة ما للأفكار.

2. إزدواجية التعامي و التصيد: إحدى صور الإنفصام:

التعامي عن جرائم ال(نحن) في حق ال(أنتم) أيا كان، و التصيد لأخطاء ال(أنتم) وتجريمها وتغليظها، وليست مشاهد إدعاء النوسطالجيا في بلادنا القهر والظلم الطائفي إلا مشاهد كوميدية سوداء، تصل حد التقمص السينيمائي المزمن، منتهية بالواقع لحالة من التشكك الدائم ما بين الصواب و الخطأ من ناحية، وما بين الإبتزاز العاطفي (داخليا وخارجيا)، والذي أنتج في النهاية ردا لفعل، للأسف إن لم يصبح مساويا بعد في المقدار، فإنه على الأقل من نفس الجنس، لتسقط في النهاية حينها أغلب الحدود الفاصلة – أو تتماهى مع السقوط- بين الفاعل و المفعول به، لتنتهي بالجميع شياطين بلا ملائكة.

3. منهجة الرفض الجهوي والتأسيس العلمي له:

ويتم ذلك بالاعتماد على الاجترار للتاريخ لأغراض فيزيولوجية بحتة لضمان البقاء الجمعي  في صورته الحيوية، لا أكثر لا أقل منعا للتذرر والفردانية، وحفاظا على الرابط الأيديولوجي غير المنتج في الكثير من الأحيان، بإسباغ شرعية علمية عليه، بتوظيف عبارات من الميوعة الفكرية بظرفية الزمان و المكان الآنيين للواقع وبراغماتيته، تأسس جميعها لحالات انفصال الواقع عن المطلوب –وهو المفصول أصلا -،  لدرجة أبعد من أن يتم تداركها، بتحويل الأيديولوجيا إلى ثيولوجيا وقتل أي لقاء، وذلك لأن "نقض الأساس المنهجي و الفكري و الفلسفي –لا نقده- مقدمة أساسية في مراجعة معظم الدراسات حول الإسلام" *6.

4.الأدلجة الجزئية انتقائيا *7:

للكثير من المنتجات الثقافية والتي يتم في الأغلب الأعم اقتطاعها عن سياقها الكلي لتعليبها ترسا أيديولوجيا، ويتم تتريسها كميا لا نوعيا ضمن ديباجة خطابية ذرائعية.

 

إن أحد أهم المنهجيات التي تقوم عليها عقلية النوسطالجيا – ورد فعلها-، هي "الخلط المنهجي"، أي أنه يخلط بين الأيديولوجيا والثقافة، أو يخفض الثقافة إلى جملة الأفكار والأعراف، ولا يميز بينها كنسق إجتماعي، وبين المذاهب والأيديولوجيات والأفكار المتناقضة التي تعيش فيها وتتغذى منها، ومنهم من يرفع الأيديولوجيا، أو إحدى الأيديولوجيات إلى رتبة الثقافة، فيستنتج من تناقضها تناقض ثقافة العرب وتهافتها" *8.

ومن هنا كان رفضنا لصيغة "العقل الإسلامي"*9 عقلا تاريخيا، وطرح بديل له: "العقل السائد إسلاميا"، والإعتراف – كذلك – بـ"الفن الإسلامي" فنا "إسلاميا" ولكنه ليس فنا "دينيا" *10،  حيث أن الارتقاء ب"العقل الأيديولوجي" فيتحول  "ثيولوجيا"، يحول "العقل" حينها "نقلا"، وأسوأ  ما يصيب التفكير الفلسفي هو إرجاع "المفهوم" إلى صورة ثابتة وراسخة  وتكاد تكون راسخة أيديولوجيا –بكل ما تحمله الأيديولوجيا من مصداقية فكرية ونسبية النسبية -، يجترها القياس التاريخي الانتقائي، فينحط حينها "العقل" إلى مفهوم "الدماغ" بالمنطق الفيزيولوجي الحيوي البحت والذي لا يمكنه القياس خارج الجسد البشري مصدر الحياة.

 

العلاقة مع الواقع:

يتصل العقل السجالي مع الواقع من خلال نقطتين إثنتين:

1.الرفض الجهوي الشمولي، الذي يرى في الواقع كتلة واحدة صلبة ومغلقة، لا يمكن التعامل معها إلا بالرفض – المسوغ منهجيا مسبقا – بكل ألفاظه: النقض – التكفير – المادية – المزايدة – العمالة وغيرها  ومن ثم إستدعى التبديل، إن وجد "البديل" وعادة لا يوجد لغياب القدرة على التفكيك و إعادة التركيب، البديل القادر ليس فقط على الحوار مع الآخر بل على التفاعل مع واقع (الآن – هنا).

2.القياس الإختزالي للواقع، و الذي غالبا ما يكون اجترارا ماضويا، لا يعدو إلا أن يكون قياسا مبتورا للماضي – التقليد- ومماهاته المشلولة بالواقع، جاعلا العقل السجالي دائرا في فلكه الخاص و تاريخه الخاص، مشتطا في الأحكام والإستنتاجات بلا رقيب موضوعي واقعي.

وأسباب انفصال الفكر عن الواقع حينها:

1.يمكن لقضية ما أن تكون منطقية وصائبة كمتن عضوي واحد تتناسب مقدماتها مع نتائجها، إلا أن ذلك لا يعني تطابقها مع واقع (الآن – هنا)، لذا ومن الإدعاء الصحيح بصحة القضية، يدعي البعض شرعية توجهه وملاءمته، لا لأمانة الطرح الموضوعي الواقعي، بقدر إسباغ الشرعية على الفكر الأيديولوجي، فيتحول حينها الفكر إلى الأصل، والواقع إلى الفرع، الفرع الذي يتوجب عليه التكيف مع مقولات الفكر والتطابق معها، وعلى الساحة الفكرية تتبدى لدى الكثير من شواهد هذا الفكر المنفصل عن الواقع:

- شعار (الإسلام هو الحل)*11: وهو على وزن أقدم أحد أقدم الحيل الأيديولوجية وهي (رفع المصاحف على أسنة الرماح)، طارحة حلا ثيولوجيا لا يمكن لأحد مساءلته، من دون أن يفتح بابا للمزايدات والشخصنة والعنف المقدس. وذلك الشعار يأخذ شرعيته من إحدى نقطتين الثيولوجيا و/أو التاريخ، التاريخ الذي لم يكن ليصبح تاريخا ما لم ينفصل عن واقع (الآن – هنا).

إلا أن ذلك البديل لا يختلف إلا في الاتجاه عن البديل المقابل له وهو طرح: التنازل عن جميع الخصوصيات الحضارية والتاريخية للالتحاق بركب الحضارة والحداثة.

2.تأثير الثقافة الغربية الحاضر بمنتهى السطوة و القوة و الوضوح في العالم الثالث، يخلق في ذهن الناس صورا عن الحياة والذات والمعنى مختلفة تمام الاختلاف عن الواقع المعاش، وبالنظر للصورة المتواترة عن الحياة متحضرة والشروط الواقعية للوصول إلى ذلك، يتضح لنا حينها مدى عمق حالة التناقض بينهما، لتصبح حينها النظرة للمجتمع على إنه متخلف ومتأخر بكل تاريخه وقيمه وثقافته التي يتغنون بها وإغتنى بها تاريخه، وهي العناصر التي وبعد كل هذا الإجترار الأيديولوجي لم تستطع أن توفر احترام الإنسان وحقه في الاختلاف و التمييز بالاختيار.

لذا فالمثالية المفرطة، وكل تجلياتها الأيديولوجية / الثيولوجية، وإستحواذاتها وإنعكاساتها، لا تتعارض مع الواقعية من ناحية ولا تجريبية من الناحية الأخرى أو حتى الذرائعية، بل تستدعيهما، لأنه إذا بقيت النظريات و الأفكار حبيسة العنتريات الخطابية، والفكر المنفصل عن الواقع، بعيدة عن الواقعية ومن ثم البرغماتية، جاعلة المسافة بين الآن –هنا والمجتمع الأفضل للأنا والآخر، أكبر من أيديولوجيا الخطاب.

في النهاية:

الرؤية التفكيكية الواقعية، هي التي تنقض العقل السجالي، وهو مختلف تمام الإختلاف عن التعميم الأيديولوجي القائم على إيجاد وحدة وهمية منطلقة من سحب مفهوم الجزء على الكل بدعوى (بناء المفاهيم)، ومصدر ذلك التعميم هو النظرة السلبية/النرجسية لجانب أحادي من التاريخ.

لذا فالرفض الجهوي و"إلقاء المسؤولية على الإمبريالية أو الغرب بصفة عامة، وبشكل مجرد ]تعليبي[ دون إظهار ترابط هذا الغرب ]ومنتجاته[ مع قوى و أفكار و أنماط وسلوك وعمل وممارسة محلية لا يقصد إلا إلى تعميم نزعة سديمية قومية مهمتها الأساسية التغطية على المسؤوليات الفكرية و السياسية التي تكمن في قصور المناهج و الوسائل التي اتبعت لمحاربة الغرب و التخلص من سيطرته"*12.

فالتهرب من المسئولية الحضارية والتاريخية له العديد من الصيغ كتعليب الاتهامات والأحكام المبدئية و الرفض الجهوي، والتي تعفي – أو هكذا يراد لها- من واجب التأمل والتفكر والتمحيص والتفكيك والتركيب، لينحصر حينها التاريخ - تاريخنا أما عورة كاملة - عورتنا، أو حسنة بهية – حسنتنا، أو العكس.

 

الهامش:

1.       اغتيال العقل – برهان غليون – المركز الثقافي العربي – المغرب – ص22

2.       Critique of Pure Reason، Emmanuel  kant، Penguins Classics ، p 214

3.       وهذا من أسباب غياب تقنيات ال

Thinking tanks

في الأقطار العربية اللهم إلا تجربة مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت

4.       طروحات عن النهضة المعاقة – د.عزمي بشارة – رياض الريس – بيروت – ص 109

5.       طروحات عن النهضة المعاقة – د.عزمي بشارة – رياض الريس – بيروت – ص108

6.       بناء المفاهيم – مجموعة من الباحثين – دار السلام- القاهرة ص61

7.       تمت الإشارة مسبقا لهذه النقطة بالتفصيل في جزء سابق من السلسلة.

8.       اغتيال العقل – برهان غليون – المركز الثقافي العربي – المغرب – ص48

9.       سيرد تفصيل هذه النقطة في جزء لاحق من السلسلة.

10.   مجلة "وجهات نظر" الشهرية – محمد المهدي - عدد 139 – ص34

11.   الإشارة هاهنا بالعموم و ليست لفريق بعينه ممن يتبنون ذلك الشعار الأيديولوجي وقصره على نموذجهم.

12.   اغتيال العقل – برهان غليون – المركز الثقافي العربي – ص57.

التعليقات