* المقالات الصهيونية المدسوسة في الصحف اللبنانية والسورية أثناء الثورة الفلسطينية الكبرى 1936- 1939 (3/3)../ د.محمود محارب

-

* المقالات الصهيونية المدسوسة في الصحف اللبنانية والسورية أثناء الثورة الفلسطينية الكبرى 1936- 1939 (3/3)../ د.محمود محارب
بعد عودته إلى القدس اجتمع الياهو ساسون مع مومشيه شرتوك، الذي أبلغه أمرين هامين: أولاً، أن ميزانية الدائرة السياسية للوكالة اليهودية لا تسمح باستمرار نشر المقالات في الصحف السورية واللبنانية بوتيرة مرتفعة. ثانياً، أن نشر 28 مقالاً خلال أحد عشر يوماً هو وتيرة عالية وبالضرورة يثير الشكوك ويقود إلى كشف المقالات المدسوسة،وبناء على ذلك قرر شرتوك الموافقة على نشر مقالين فقط في الأسبوع في الصحف اللبنانية والسورية(34).

أثار قرار شرتوك امتعاض الياهو ساسون بيد أنه لم يستسلم، فقد أرسل ساسون رسالة مطولة إلى شرتوك شرح فيها الأسباب الهامة التي توجب استمرار نشر المقالات في الصحف السورية واللبنانية بوتيرة عالية، وليس مقالين في الأسبوع كما قرر شرتوك (35). وبعد أن أشار إلى التحديات الهامة التي تواجهها الصهيونية من النواحي الأمنية والسياسية، وإلى "الدعاية الفلسطينية المكثفة" في الصحف السورية واللبنانية، أكد ساسون على ضرورة الاستمرار في نشر المقالات، وحاجج ضد قرار شرتوك، وأورد العوامل والأسباب التالية لإقناع شرتوك العدول عن قراره (36):

أولاً: تعالج المقالات مواضيع مختلفة هامة ولم تحصر ذاتها في معالجة موضوع واحد فحسب.

ثانياً: لا يمكن للقارئ أن يدرك أو يشك أن هذه المقالات مشبوهة أو مدسوسة من قبل يهود، لأن قسما منها نشر على شكل تقارير وكأنها من مراسلي الصحف في فلسطين، وقسما آخر تم التوقيع عله بأسماء عربية مستعارة. علاوة على ذلك، كانت المقالات واضحة وعميقة ومطلعة على قضايا العرب الفلسطينيين وسوريا ولبنان، وكتبت وكأنها تحرص على مصالح العرب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

ثالثاً: لو كان يصدر في لبنان وسوريا ثلاث أو أربع صحف فقط، لكان بالإمكان الاكتفاء بمقالين في الأسبوع، مقال واحد في بيروت والآخر في دمشق، ولكن تصدر في بيروت ودمشق 27 صحيفة يومية باللغة العربية، 18 في بيروت و 9 في دمشق. وكل صحيفة لها قراؤها وجمهورها. وأضاف ساسون أنه إذا لم تكن جميع هذه الصحف، فإن معظمها يكتب "مقالات سامة مناهضة للصهيونية يومياً حول مؤامراتنا وتطلعاتنا الاستعمارية في فلسطين والبلاد المجاورة". وفي هذه الحالة لن يكون هناك تأثير لمقالين اثنين.

رابعاً: لو كان الهدف من نشر المقالات التصدي فقط للدعاية الأجنبية لتم الاكتفاء بمقالين. ولكن "لا ينحصر هدفنا في معالجة موضوع واحد وإنما الكثير من المواضيع وجميعها جدية وهامة ومستعجلة: "الإرهاب"، ودعم الدول العربية "للإرهاب"، والدعاية الأجنبية، وتدخل البلدان العربية في القضية الفلسطينية، التقسيم، التفاهم المتبادل إبراز قوة الييشوف في فلسطين، الحرب ضد المفتي الحاج أمين الحسيني وأنصاره، قضايا البلدان المجاورة وتأثيرها على شؤون فلسطين الخ.

خامساً: لقد تغيرت الأوضاع كثيراً في الفترة الأخيرة، الأمر الذي يقتضي تكثيف نشر المقالات، فسوريا باتت قاعدة للحركة الوطنية الفلسطينية وتقوم بدور بالغ الأهمية في القضية الفلسطينية، كذلك تكثفت الدعاية الأجنبية في سوريا ولبنان.

سادساً: لن ينجح نشر مقالين اثنين في الأسبوع، مقال في دمشق وآخر في بيروت، فلن توافق أية صحيفة سورية أو لبنانية أن تنفرد في موقفها ضد "المتطرفين" و "القوميين" بنشر مقال واحد عندها. فمن شأن نشر مقالين فقط في صحيفتين فحسب، أن يكشفهما ويثير الشكوك حولهما، وهذا ليس من مصلحة الوكالة اليهودية. وفي ختام رسالته طلب الياهو ساسون من موشيه شرتوك رئيس الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية، إعادة النظر في قراره (37).

في أعقاب رسالة ساسون إلى شرتوك، وبعد أخذ ورد بينهما، تخلى شرتوك عن موقفه السابق والقاضي بنشر مقالين اثنين فقط في الأسبوع في الصحف اللبنانية والسورية. وعلى أثر ذلك، قدم الياهو ساسون، في أواخر كانون الأول ( ديسمبر ) 1937، برنامج عمل إلى موشيه شرتوك، وضح في مقدمته أن تأثير هذه المقالات على النخب والرأي العام في سوريا ولبنان لن يظهر على الفور، وإنما سيتضح تأثيرها بعد سنة أو على الأقل بعد نصف سنة، شريطة أن تستمر عملية نشر المقالات بثبات وانتظام.

ومن أجل تحقيق ذلك اقترح الياهو ساسون، بناء على تجربته ومعرفته بأصحاب ومحرري الصحف السورية واللبنانية وعلاقاته معهم، واَخذاً بعين الاعتبار مدى انتشار الصحف؛ نشر المقالات المدسوسة في سبع صحف، ثلاث صحف منها سورية هي "فتى العرب" و"الأنشاء" و"الأيام"، وأربع صحف لبنانية هي "صوت الأحرار" و"بيروت" و"لسان الحال" و"النهار"(38).

وأشار ساسون أنه عند الحاجة أو عند عدم القدرة في نشر المقالات في أي من الصحف المذكورة فإنه سيستعمل صحف أخرى. وأضاف، أنه من الأفضل نشر مقالات أكثر في الصحف السورية من الصحف اللبنانية؛ ولكن الصحف السورية، وفق معرفة وتجربة ساسون، تدقق جداً في مضمون واتجاه المقالات، وفي بعض الأحيان ترفض نشرها حتى مقابل ثمن مرتفع. وأعاد ساسون ذلك إلى اهتمام الصحف السورية بما أطلق عليه "البرستيجا" وإلى علاقاتها مع القيادات الفلسطينية الموجودة في سوريا ولبنان، وإلى الدعم المالي الذي كانت تحصل عليه من الحكومة السورية ومن القيادة الفلسطينية ومن حكومات أجنبية. ولكنه ذكر أن الصحف اللبنانية وخاصة الصحف المذكورة أعلاه، أكثر انتشاراً في فلسطين والبلاد العربية الأخرى من الصحف السورية، وأضاف أن " بعض الصحف اللبنانية معنية، لأسباب سياسية واقتصادية، بوقف الإرهاب في فلسطين وبالحرب ضد الدعاية الأجنبية وبتطور المشروع الصهيوني" (39).

ورأي ساسون، في برنامج عمله، أن تكون وتيرة النشر مقال واحد في الأسبوع في كل صحيفة من الصحف السبعة، أي 28 مقالاً في الشهر. اعتقد ساسون أن هذه الوتيرة ليست مرتفعة، خاصة في ضوء "نشاطات المفتي الحاج أمين الحسيني والدعاية الأجنبية" في هذا المضمار. وأضاف أن هذه الوتيرة تمكن الوكالة اليهودية معالجة مواضيع مختلفة، وفي الوقت نفسه تستجيب إلى مطالب الصحف المالية وتبعد الشبهات عن صحيفة أو صحيفتين إذا ما انفردتا في نشر هذه المقالات.

وبناء على تجربته السابقة رأى ساسون ضرورة رصد 60 جنيه فلسطيني في الشهر لدفعها للصحف المذكورة مقابل نشر المقالات، وأنه ينبغي استغلال هذه المقالات وإعادة نشرها في الصحافة الإنجليزية والأوروبية والإشارة لها في "وكالة الشرق". ومن أجل نجاعة العمل وإغنائه ومناقشة مواضيع المقالات، اقترح ساسون عقد اجتماع أسبوعي بين كبار جهاز المخابرات التابع للوكالة اليهودية يشارك فيه بالإضافة له كل من الياهو ابشتاين وآهرون حاييم كوهين(40).

يتضح من تقارير الياهو ساسون أنه واصل نشر المقالات المدسوسة في الصحف السورية واللبنانية وحاول توسيع عدد الصحف التي ينشر بها هذه المقالات. ففي تقرير أرسله إلى موشيه شرتوك ذكر الياهو ساسون أنه نشر سبعة مقالات في الصحف اللبنانية والسورية وأرفقه بنسخ من أعداد هذه الصحف.

ويستدل من هذا التقرير أن الياهو ساسون نشر ثلاث مقالات في صحيفة "الرابطة" بتواريخ 14 و16 و19 من تموز (يوليو) 1938، ونشر في 20 من تموز (يوليو) 1938 مقالين واحد في "لحديث" وآخر في "الاتحاد"، وفي 21 من تموز (يوليو) 1938 نشر مقالين أحدهما في "الأتحاد" وثانيهما في "الرابطة". ونشر معظم هذه المقالات كمقالات رئيسية من قبل هيئات تحرير الصحف وعالج معظمها المؤتمر البرلماني لنواب الدول العربية والإسلامية الذي كان من المزمع عقده في القاهرة لمناصرة الشعب الفلسطيني (41).

وفي 22 تموز (يوليو) 1938 نشر الياهو ساسون مقالين مدسوسين في "الاتحاد" و "الحديث" الصادرتين في بيروت. وفي تقريره ذكر الياهو ساسون أن أحد هذين المقالين، والذي كان من نسيج خياله، يتحدث عن عزم المسلحين الفلسطينيين إلقاء قنابل على المسجد الأقصى واتهام اليهود بأنهم هم من قاموا بذلك. أما المقال الثاني فيدعو إلى عدم مشاركة أعضاء البرلمان اللبناني في المؤتمر البرلماني لنواب البلاد العربية والإسلامية المزمع عقده في القاهرة. واختتم الياهو ساسون تقريره بطلبه من المسؤول في الدائرة السياسية، بنشر ملخص هذين المقالين في صحيفة "دافار" العبرية لكي يرى العالم "مؤامرة" المسلحين الفلسطينيين ولإثبات أن لبنان يقف ضد المشاركة في المؤتمر البرلماني المزمع عقده في القاهرة (42).

في سياق نشاطه لكسب صحف جديدة يشير الياهو ساسون في أحد تقاريره أنه اجتمع في دمشق لمدة ثلاث ساعات، مع توفيق جانه صاحب صحيفة "الاستقلال العربي"، في 29 آب (أغسطس) 1938؛ في بيت عميل الوكالة اليهودية وعضو البرلمان السوري عن الطائفة اليهودية، يوسف لنيادو. ويضيف الياهو ساسون في تقريره أن توفيق جانه وافق على تلك الشروط التي كان الياهو ساسون قد اتفق حولها مع صاحب صحيفة "الحديث" الياس حرفوش، وصاحب صحيفة "الأحوال" سمعان سيف ؛ وهي نشر مقالات لصالح الصهيونية مقابل 12 جنيه فلسطيني في الشهر، وأنّه اتفق مع توفيق جانه أن يبدأ النشر في بداية أيلول(سبتمبر) 1938 (43).

وفي 5 أيلول (سبتمبر) 1938 اجتمع الياهو ساسون مع نصوح بابيل صاحب صحيفة "الأيام" وأحد رموز المعارضة في سوريا حينئذ. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يلتقي بها ساسون مع نصوح بابيل، فقد اعتاد ساسون الاجتماع بنصوح بابيل قبل هذا الاجتماع وبعده. ويمكن القول إن ما ميز هذا الاجتماع أنه عمق تعاون نصوح بابيل مع الياهو ساسون في عدة قضايا.

ووفق تقرير ساسون جاء هذا الاجتماع بمبادرة من الياهو ساسون واستمر ثلاث ساعات، وفي مستهل اللقاء تحدث ساسون عن أن هناك ضرورة ملحة أن تقوم الصحافة السورية بعمل مكثف من أجل تهدئة الأوضاع السورية الهائجة المؤيدة لنضال الشعب العربي الفلسطيني، وذلك "خدمة للمصالح السورية ومصالح اليهود في فلسطين"؛ وطلب الياهو ساسون من نصوح بابيل المساعدة في تهدئة الأوضاع في سوريا (44). شكك نصوح بابيل، وفق تقرير الياهو ساسون، في إمكانية اصغاء الصحافيين السوريين للوكالة اليهودية وذلك لأن المفتي الحاج أمين الحسيني يدفع المال لغالبيتهم. ويضيف ساسون أن نصوح بابيل أبلغه في هذا الاجتماع أنه "هو نفسه استلم من المفتي في الشهور الثلاثة الماضية بدون أن يطلب، على حد قوله، مبلغ مائة جنيه فلسطيني، لكي يدفع إلى العاملين في الجريدة، العاطلين عن العمل، خلال إغلاق الجريدة في الشهور الثلاثة الماضية".

ويضيف الياهو ساسون أن نصوح بابيل أبلغه أن لا فائدة من شراء صحيفة أو صحيفتين، وأن الفائدة لن تكتمل حتى وان اشترت الوكالة اليهودية كل الصحف السورية؛ ما دام ينشط ويعمل "مكتب الدعاية والنشر" التابع لفخري البارودي. واستطرد نصوح بابيل انه لن يكون بالإمكان إسكات "مكتب الدعاية والنشر" بواسطة المال، فالحاج أمين الحسيني يدفع له شهريا الكثير من المال؛ وفقط بواسطة الضغط في باريس ولندن يمكن معالجة هذا الوضع وإسكات "مكتب الدعاية والنشر". وفي ختام الاجتماع وافق نصوح بابيل أن تساهم صحيفة "الأيام" في تهدئة الوضع الهائج في سوريا والمؤيد لنضال الشعب العربي الفلسطيني، مقابل مبلغ مالي (45).

كثف الياهو ساسون، عشية انعقاد ألمؤتمر البرلماني لمناصرة الشعب الفلسطيني في القاهرة، نشاطه واتصالاته مع الصحافيين ومحرري وأصحاب الصحف اللبنانية والسورية ومع جهات لبنانية وسورية عديدة، بهدف عرقلة المؤتمر والعمل على مقاطعة أكبر عدد ممكن من أعضاء البرلمانين اللبناني والسوري.

في تقريره إلى موشيه شرتوك يذكر الياهو ساسون أنه خلال مكوثه أربعة أيام في بيروت، في أواخر أيلول (سبتمبر) 1938 وبداية تشرين الأول (أكتوبر) 1938، التقى ساسون مع العديد من الصحافيين ومحرري وأصحاب الصحف في بيروت ودمشق. وبرز من بين تلك اللقاءات اجتماعه مع إلياس حرفوش صاحب صحيفة "الحديث"، حيث اجتمع معه ثلاث مرّات، وكذلك اجتمع مرتين مع سمعان سيف محرر صحيفة "الأحوال"، ومع أسعد عقل محرر صحيفة "البيرق" مرة واحدة.

وأثناء ذلك سافر إلى دمشق ثلاث مرات واجتمع مع توفيق جانه صاحب صحيفة "الاستقلال العربي" ومع شخصيات سورية أخرى (46). وبحث الياهو ساسون مع جميع من التقى بهم في كيفية عرقلة مشاركة أعضاء البرلمانين اللبناني والسوري في المؤتمر البرلماني. واتفق ساسون مع العديد من أصحاب ومحرري الصحف أن تقوم صحفهم بنشر مقالات باسم هيئات التحرير تدعو إلى عدم مشاركة أعضاء البرلمانين اللبناني والسوري في مؤتمر البرلمانيين العرب.

ويضيف ساسون في تقريره أنه خلال الأربعة أيام المذكورة أعلاه ونتيجة لجهوده، نشر ثمانية مقالات في صحف بيروت: "الأحوال" و"الاتحاد" و"لسان الحال" و"صوت الأحرار"، ضد مشاركة أعضاء برلمان لبنانيين في المؤتمر البرلماني المزمع عقده في القاهرة في تشرين الأول (أكتوبر) 1938. وقد شددت المقالات أن كل من يشارك في المؤتمر البرلماني يذهب إلى المؤتمر باسمه الشخصي وأن لا حق له التحدث باسم لبنان أو الالتزام باسم لبنان بأي أمر كان. وطالبت صحيفة "صوت الأحرار"، في مقال رئيسي طويل، المؤتمر البرلماني اتخاذ قرار بضرورة وقف "أعمال الشغب" في فلسطين وإجراء مفاوضات بين الأطراف من أجل التوصل إلى حل مقبول للقضية الفلسطينية (47). ويضيف الياهو ساسون في تقريره أن "الياس حرفوش وعد أن يقوم اليوم بزيارة أميل أده رئيس الجمهورية اللبنانية وزيارة "كيبر" مدير القسم السياسي في الممثليه [ الفرنسية ] العليا لحثهما على الإشارة إلى أعضاء البرلمان الذين يعتزمون المشاركة في المؤتمر، الانسحاب وعدم الذهاب، من أجل الحفاظ على حيادية لبنان وعدم أثارة سخط الانجليز واليهود".

ويشير الياهو ساسون، في تقريره، أن الياس حرفوش التزم أن ينشر خلال اليومين القادمين مقالين شديدي اللهجة ضد المؤتمر وأهدافه بصورة عامة وضد أعضاء البرلمان اللبناني الذين يعتزمون المشاركة في المؤتمر بشكل خاص، وسيقول أنهم حصلوا على دعم مالي من نبيه العظمة للمشاركة في المؤتمر من أجل أظهار تضامن لبنان مع الثوار الفلسطينيين (48).

علاوة على ذلك، يذكر ساسون أنّه تمكن من تجنيد العديد من الشخصيات اللبنانية والسورية للتأثير مباشرة على أعضاء البرلمان بعدم المشاركة في المؤتمر البرلماني. فقد تمكن بمساعدة خير الدين الأحدب، رئيس وزراء لبنان السابق، التأثير على موسى نمور، الذي كان سيرأس الوفد البرلماني اللبناني، الامتناع عن المشاركة في المؤتمر. وكذلك تمكن بمساعدة إلياس حرفوش التأثير على عضوي البرلمان فريد الخازن وأيوب كنعان الانسحاب من المشاركة في المؤتمر (49).

لم تكن المبادرة لنشر مقالات مدسوسة مؤيدة للصهيونية في الصحافة اللبنانية والسورية تأتي دوما من جانب الوكالة اليهودية. ففي العديد من الحالات جاءت هذه المبادرة من أشخاص من هذين البلدين. ففي رسالة بعثها الياهو ساسون إلى موشيه شرتوك يتضح أن الصحافي م. ن. بادر واتصل بالوكالة اليهودية بغرض نشر مقالات مؤيدة للصهيونية في الصحف السورية واللبنانية. فقد ذكر ساسون في هذه الرسالة: "اجتمعت اليوم وفق تعليماتك مع م. ن. وتحدثت معه حول اقتراحه نشر مقالات في صحف بيروت ودمشق". وقدم م. ن. في هذا الاجتماع، بعد تلقيه توضيحات وتوجيهات من الياهو ساسون، اقتراحا إلى الدائرة السياسية للوكالة اليهودية بنشر 75 مقالا مؤيدا للصهيونية، كل ثلاثة شهور، في أربع صحف ؛ ثلاث منها في بيروت وهي "النهار" و"الأحوال" و "الحديث" وواحدة في دمشق هي "الاستقلال". وطلب م. ن. في اقتراحه أن يتقاضى جنيهين فلسطينيين مقابل كتابة ونشر كل مقال وكذلك الحصول على مبلغ 12 جنيه فلسطيني مع انقضاء كل دورة ثلاثة شهور. وتضمن اقتراحه أيضا نشر هذه المقالات باسم هيئات تحرير الصحف المذكورة أو باسم صحافيين معروفين، وان تعالج هذه المقالات مواضيع سياسية واقتصادية واجتماعية، تحددها له الدائرة السياسية للوكالة اليهودية، كل أسبوع (50).ويضيف الياهو ساسون أنه وعد م. ن. أن يعطيه جوابا من شرتوك خلال أيام قليلة، وقبل مغادرة م. ن. القدس. ويظهر من التقارير الأخرى (51) أن م. ن. باشر العمل وفق الصيغة التي اتفق حولها مع الياهو ساسون ولكن بوتيرة نشر أقل.

يكشف الياهو ساسون في تقرير له أن "القسم العربي" في الدائرة السياسية للوكالة اليهودية اشترى لفترة قصيرة صحفا عربية في العام 1938. إذ يذكر ساسون أنه "علاوة على عملية نشر مقالات في الصحف العربية، قام القسم العربي بعملية أخرى، تفوق في أهميتها نشر المقالات وهي شراء صحف عربية في سوريا ولبنان. نجحنا في صيف 1938 في شراء خمس صحف – ثلاث في بيروت واثنتين في دمشق. كان بإمكاننا شراء عدد آخر من الصحف، ولكن لم تكن لدينا الميزانية المطلوبة لذلك. ولنفس السبب اضطررنا إلى وقف العلاقة، بعد وقت قصير، مع الصحف التي كنا قد اشتريناها" (52). ويستعرض الياهو ساسون مهمة الصحف التي اشترتها الوكالة اليهودية، فيقول في تقريره "كانت وظيفة الصحب التي اشتريناها نشر مقالات وأخبار التي زودناها إياها، والامتناع عن نشر مواد الطرف الآخر المعادية للصهيونية ومواد الدعاية الأجنبية، والتقريب من وجهات النظر العربية واليهودية، وإدانة الإرهاب العربي في فلسطين، واتخاذ موقف مؤيد لليهود في كل ظاهرة سياسية.

وأيدت هذه الصحف حرب اليهود ضد الكتاب الأبيض وهاجمت بالأساس قانون الأراضي" (53). ولاحظ الياهو ساسون في تقريره أن المقالات المدسوسة والصحف التي اشترتها الوكالة اليهودية في تلك المرحلة الهامة من التاريخ الفلسطيني، لعبت دورا هاما في التأثير على الساحة الفلسطينية. إذ يقول في تقريره: "من المهم الإشارة أن المقالات ضد الإرهاب العربي وضد المؤامرات والتطلعات الفردية للمفتي ورجاله، التي نشرت في الصحف التي اشتريناها وفي الصحف الأخرى، أعطت دفعة بصورة غير مباشرة لحزب النشاشيبي، للخروج في حرب مكشوفة ضد اللجنة العربية العليا وقيادة الإرهاب" (54).

علاوة على شراء الصحف والمقالات المدسوسة، اصدر "القسم العربي" في الدائرة السياسية للوكالة اليهودية، منذ بداية العام 1938، نشرة "أخبار يهودية"، وكانت تصدر خمس مرات في الأسبوع ويطبع منها 300 عدد، ترسل إلى الصحف الهامة والوزارات والقيادات السياسية في سوريا ولبنان والبلاد العربية الأخرى ( 55). كذلك اصدر "القسم العربي" في الدائرة السياسية للوكالة اليهودية كتيبين في بيروت في صيف 1938 وبأسماء عربية مستعارة، دار موضوعهما حول "البركة الاقتصادية" التي جلبها اليهود إلى فلسطين والمقاطعة العربية للمنتوجات اليهودية في فلسطين. ونشر "القسم العربي"، عدة مرات، في هذه الفترة أيضا، باللغة العربية وتحث أسماء عربية مستعارة، آلاف المناشير، "ضد الإرهاب العربي في فلسطين" ؛ ووزعت هذه المناشير مرات عديدة في سوريا ولبنان وعواصم عربية أخرى (56).
عالجت هذه الدراسة موضوعا هاما لم يطرق من قبل واستعرضت مواضيع المقالات المدسوسة التي سعت لتحقيق الأهداف السياسية للحركة الصهيونية إبان الثورة الفلسطينية الكبرى. لم يتأت نجاح نشيطي جهاز الدائرة السياسية للوكالة اليهودية في اختراق الصحافة اللبنانية والسورية، في تلك الفترة، بهذه السهولة، وشراء خمس صحف منها، ونشر ما لا يقل عن 280 مقالا مدسوسا (57) في الصحف اللبنانية والسورية الأكثر انتشارا؛ نتيجة لتمتعهم بمهارات خارقة أو لامتلاكهم أموالا طائلة، وإنما عاد أساسا إلى ضعف المجتمع العربي والى هشاشة نخبه وفساد بعضها والى احتدام الصراعات بينها على أسس عشائرية وطائفية وجهوية. ومن اللافت للأنتباه أن أولئك الذين مكنوا الوكالة اليهودية من اختراق الصحافة اللبنانية والسورية،بهذه السهولة، هم أنفسهم كانوا يتحدثون باحتجاج عن نفوذ وسطوة اليهود والصهيونية على الصحافة في الدول الغربية.34- المصدر نفسه.
35- المصدر نفسه.
36- المصدر نفسه.
37- المصدر نفسه.
38- رسالة الياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، من القدس، بتاريخ 29 – 12 – 1937، ملف 22179/25S، الأرشيف الصهيوني المركزي.
39 - المصدر نفسه.
40- المصدر نفسه.
41- تقرير الياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، من بيروت، بتاريخ 21 – 7 – 1938، ملف 4550/25S، الأرشيف الصهيوني المركزي.
42- تقرير الياهو ساسون بتاريخ 22 – 7 – 1938، ملف 4550/25S، الأرشيف الصهيوني المركزي.
43- تقرير الياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، من بيروت، بتاريخ 30 – 8 – 1938، ملف 4550/25S، الأرشيف الصهيوني المركزي.
44- تقرير الياهو ساسون إلى موشيه شرتوك،من القدس، يتاريخ 7 – 9 – 1938، ملف 5568/25S، الأرشيف الصهيوني.المركزي.
45- المصدر نفسه.
46- تقرير الياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، من بيروت، بتاريخ 2 – 10 – 1938، ملف 22211/25S، الأرشيف الصهيوني المركزي.
47- المصدر نفسه.
48- المصدر نفسه.
49- المصدر نفسه.
50- رسالة الياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، من القدس، بتاريخ 13 – 5 – 1938، ملف 5568/25S، الأرشيف الصهيوني المركزي.
51- رسالة من دافيد لوزيه ( من قادة الطائفة اليهودية في دمشق وعميل جهاز المخابرات في الدائرة السياسية للوكالة اليهودية) إلى الياهو ساسون، من دمشق، بتاريخ 6 – 12 – 1938، ملف 22835/25S، الأرشيف الصهيوني المركزي.
52- تقرير الياهو ساسون إلى موشيه شرتوك من القدس، بتاريخ 19 – 7 – 1938، ملف 22210/25S، الأرشيف الصهيوني المركزي.
53- المصدر نفسه.
54- المصدر نفسه.
55- المصدر نفسه.
56- المصدر نفسه.
57- المصدر نفسه.

نشرت أيضا هذه المادة في مجلة الدراسات الفلسطينية العدد 78 ربيع 2009

التعليقات