70 شمعة لفيروز/موسى حوامدة

-

 70 شمعة لفيروز/موسى حوامدة
أمس كان عيد ميلاد فيروز ،بلغت السبعين من عمرها وعمرنا ،سنوات فيروز ليست عمرا شخصيا ،فهي عمر جيل عربي بالكامل ،ولدنا مع أغنياتها وعشنا بها وتلذذنا بجمال صوتها المصحوب بزخات ناعمة من الندى الصباحي، فحينما يكون الصيف تطلع فيروز بصوتها الحنون لتغني له ولأيامنا ،وصباحاتنا ،وحين يكون الشتاء تصدح (رجعت الشتوية) ،ولما يجيئ الربيع والخريف والأشهر تشدو فيروز بما يناسب اللحظة والزمن وما بعدهما.

لكن شدوها وغناءها لا يتحنط في وقت من الاوقات ،فحينما ينهمر شلال صوتها مداعبا قمر مشغرة تتأرجح ذكريات الطفولة ويستذكركل منا قمر بلدته ،ولا تضيق المسافة لتكون إقليميا وأنت تسمعها ،فهي تغني للبنان وجباله ،بل تشعر كأنك تطير فوق تلك الجيال التي لم ترها والسهول التي لم تمش عليها،وحين تغني لدمشق تشعر بالفرح والغبطة،ولا تقل فرحتك وبهجتك وهي تغني لبغداد ،وتكاد تقبض صوتها بيديك وهي ترفع عمان إلى مصاف المدائن العذبة والخالدة.

وحين تشدو فيروز لطفل المغارة وشوارع القدس العتيقة، لا تشعر بفلسطينيتك وعروبتك فحسب، بل تحس بإنسانيتك الطاغية الطافية على العالم،ولا تفكر بتحرير تلك المدينة من دموعها وأسرها بل بتحرير العالم من دمويته وقمعه وفقدانه للاتزان والحب الذي كان الدافع الاول لتناسل البشر ،وتعميرهم على وجه الارض.

وكما منحتنا فيروز والرحابنة عموما ،كل هذا الجمال والإنسانية والرقة ،أزعم انها روضت الكثير من الوحوش الهائجة داخلي،وأزعم انها كانت تأخذني بعيدا عن اليومي والعادي والروتيني كما تفعل اليوم ،وتفتح صدري للمزيد من الاوكسجين والبحث عن المدارات الأبعد ،والفضاءات الاوسع .

ترى ماذا نفعل لتكريم هذه السيدة العظيمة ؟

قبل أسابيع لبيت دعوة بعض المثقفين العرب والتي انطلقت من اليمن ، بالتوقيع على بيان يطالب الحكومة اللبنانية بإعلان يوم ميلاد فيروز ،عيدا وطنيا في لبنان ،وكان الأجدى أن يكون يوما عربيا بامتياز وليس لبنانيا فقط،فرغم ان فيروز لبنانية ،واستعملت اللهجة اللبنانية في أغانيها لكنها منحت كل العرب مسحة حضارية ،ولم تكن اللهجة عائقا أمام الفهم، بل كان صوتها يشدو بحب الناس وحب العرب وحب الطبيعة والموسيقى وصبايا الحارة الجميلات ،لذلك فهي حاضرة في الثقافة العربية والتي يجب ان تكرمها وليس لبنان فقط ، وإن كان تكريمها يأتي من الناس أنفسهم وذلك أفضل .

ألف مبروك عيدك السبعيني يا سيدتي وإن كنت أتمنى عليك ألا تتوقفي عن تقديم الجديد ،لأن الزمان يهرم والكون يشيخ ويكبر بينما يظل صوتك فتيا طازجا ،وما زلت تلك الصبية التي تلوح لحبيبها الأسمر بالمنديل ،فلوِّحي به مجددا ،فما زالت الدنيا بحاجة لتلويحة الملائكة .
----------
* ايلاف

التعليقات