إسرائيل تختار نموذج الدولة الصليبية../ رشيد حسن

-

إسرائيل تختار نموذج الدولة الصليبية../ رشيد حسن
نعود ثانية إلى المفكر العربي، الدكتور عزمي بشارة، في كتابه "أن تكون عربيا في أيامنا" الصادر عن مركز الدراسات العربية، بيروت - أيار 2009 لنستعين به على تشخيص الواقع العربي، وسبل مواجهة الخلل، وخاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، حيث أفاض في استقصائه، واستطاع وبعمق، أن يضع يده على مواطن الداء، ويصف العلاج.

الدكتور بشارة، وفي استعراضه لأسباب فشل حل هذا الصراع، والذي مضى عليه أكثر من ستة عقود ونيف، يجد أن أسباب ذلك كثيرة، ولكن أهمها في رأيه، أن العدو الصهيوني اختار أن يحتذي بنموذج الدولة الصليبية، التي أسست في المشرق العربي بعد الغزوات الصليبية.

"فقد رفضت إسرائيل السلام العادل مع الشعوب العربية، والشعب الفلسطيني، ونقصد ذلك الممكن، والمتمثل بالعيش المشترك في "دولة واحدة" ديمقراطية، لجميع مواطنيها العرب واليهود، بحيث تشكل جزءا من المنطقة العربية، أو ذاك الحل الممكن، الذي تلاه تاريخيا، والمتمثل بتسوية في حل الدولتين، مع ضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين" صفحة 171.

ويضيف "قد اختارت إسرائيل نموذجا ثالثا، حتى بعد أن تبنى العرب حلولا ومبادرات سلمية، طرحت رسميا على إسرائيل، هي اختارت نموذج الدولة الصليبية" صفحة171، مؤكدا، أن التسويات والمعاهدات مع أنظمة عربية، لا تتناقض مع هذا النموذج، فالدول الصليبية الأربع، لم تعش بفضل إتقان الفروسية، وبناء الحصون وحدها، وما كان ذلك ممكن أصلا، لقد نجحت طيلة 190 عاما، بواسطة الجمع بين الحصون والقلاع والتسويات والمعاهدات، مع أمراء وسلاطين ومماليك، وفي الرهان على خلافاتهم، في تحالفات مع بعضهم، ضد بعضهم الآخر.

ويضيء المفكر القومي بعض الحقائق، حينما يستعرض أسباب فشل حل الدولتين، لأن إسرائيل أفرغته من مضمونه، برفضها حق العودة للاجئين، ورفض الانسحاب من القدس المحتلة، ورفض الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران 1967، والإصرار على الاحتفاظ بكتل استيطانية في الضفة الغربية المحتلة، ما أدى إلى طرح البعض إلى حل الدولة الواحدة، نتيجة قناعتهم بفشل حل الدولتين، كسبيل وحيد لوضع نهاية لهذا الصراع وارتهان المنطقة كلها للتطرف، والإرهاب الإسرائيلي.

ويؤكد الدكتور بشارة بأن أية تسويات لا تتضمن حلولا عادلة تعيد الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني في وطنه وأرضه محكوم عليها بالفشل ومذكرا بمصير الدول الصليبية، حيث فشلت في تحويل التسويات إلى سلام حقيقي، ولم تقبل شعوب المنطقة هذه الدولة، فاستمرت نبتة غريبة، ثقافيا وحضاريا وسياسيا، حتى تم اقتلاعها من جذورها، وأصبحت أثرا بعد عين.

باختصار...الدكتور عزمي بشارة لا يستحضر التاريخ فحسب، لعقد المقارنات، بل يجمع الشواهد ليؤكد في تسلسل منطقي لا يقبل الشك، أن التاريخ سيعيد نفسه، وأن مصير الغزوة الصهيونية، لن يكون أفضل من الغزوات الصليبية، وكافة الغزوات التي تعرضت لها فلسطين عبر تاريخها.. وجميعها ينطبق عليها قول شاعر فلسطين الخالد: عابرون في كلام عابر.

التعليقات