خوسي ساراماغو في حوار لمناسبة صدور روايته الجديدة انقطاعات الموت

-

خوسي ساراماغو في حوار لمناسبة صدور روايته الجديدة انقطاعات الموت
صدرت مؤخرا للروائي البرتغالي خوسي ساراماغو (نوبل 1998) رواية بعنوان انقطاعات الموت وقد نزلت في وقت واحد باللغات البرتغالية، والإسبانية، والايطالية، والكطلانية، والرواية تستثمر الهزل والفكاهة والسخرية للتساؤل حول ما يمكن أن يحصل في حال اختفي الموت عن مجتمع ما وتخلي عن أخذ أرواح البشر. كان تقديم الكتاب صباحا أمام وسائل الإعلام مباشرة من معهد سرفانتيس في العاصمة البرتغالية لشبونة، وفي مساء نفس اليوم من المسرح الوطني سان كارلوس حيث كان الاحتفال بهيجا تلقي خلاله ساراماغو تحيات عشاقه ومحبيه، وبعد أن عُـزفت موسيقي باخ تناوبت نساء علي قراءة فقرات من الرواية وكانت من بينهم زوجته مترجمة رواياته إلي الإسبانية. في هذا الحفل تحدث ساراماغو عن روايته قائلا: ربما تكون هذه أفضل رواية لي من بعد حصولي علي نوبل ثم أضاف: لقد طرحت علي نفسي سؤالا: ماذا لو تخلي الموت عن قبض الأرواح؟ وانطلاقا من هذا التساؤل يحلل الكاتب وظيفة المجتمع وعلاقته بالموت موظفا في ذلك طاقته التخييلية الهائلة، ويضيف الكاتب في نفس الاحتفال إنني لم أستخدم تجربتي الشخصية لكي أكتب عملي هذا، لأنني أمتلك ـ وهذا من حسن حظي ـ قدرة معتبرة علي التخييل، كما أن حياة الآخرين تبدو لي أكثر أهمية من حياتي. إن غياب الموت في الرواية خلف لدي السياسيين ورجال الدين قلقا كبيرا. ويؤكد ساراماغو أنه يجب علينا أن نموت لكي نترك للأجيال القادمة مجالا للعيش. وهو في سنواته الـ 83 ممتن لصحته التي تمكنه من الاستمرار في الكتابة، ويحس حسب ما صرح به بأن سنوات عمره أقل من ذلك لأنه لايجعل من الموت مسألة تسيطر علي تفكيره.
لقد مر الكاتب بفترة علاقة صعبة مع بلده البرتغال، إذ غادره بشكل رمزي بعد سنة 1993 بسبب منع روايته الانجيل حسب عيسي المسيح من أن تمثل البرتغال في جائزة أدبية أوروبية، وذلك من قبل نائب سكرتير الشؤون الثقافية في حكومة كافاكو سيلفا، ومع عودة هذا الأخير للظهور من جديد في الحملة الانتخابية الرئاسية كانت مناسبة لساراماغو ليضاعف من هجوماته وانتقاداته لـه. وبمناسبة هذا الإصدار الجديد أجرت معه جريدة إل بيس الإسبانية الحوار الآتي: (المترجم).
سؤال: تبدأ الرواية بهذه الجملة في اليوم التالي لم يمت أحد ثم تظهر من حين لآخر نغمة الهجاء، مع أن القليل فقط هم الذين يصنفونك ضمن هذا النوع؟
جواب: ليس هجاء بالضبط، ولو أنه في جزء منه هجائي أو بالأحري انتقادي للعادات والمؤسسات ولرد فعل الناس أمام الموت ولدي غيابه. فالسؤال هو: ماذا سيحدث لو كنا أبديين؟
سؤال: ولذلك كان الجواب الأول في الرواية هو: بدون موت فإن كثيراً من الناس سيتدمرون؟
جواب: الموت هو أكبر تجارة، وهي ليست دائما نظيفة. رغم أن هذا ليس هو الموضوع الرئيس للرواية. فإذا اختفي الموت فجأة وتخلي عن قبض أرواح البشر فإن العديد من الناس سيتملكهم الذعر: مجهزوا الجنائز، شركات التأمين، دور العجزة ،ناهيك عن الدولة التي لن تعرف كيف تؤدي أجور متقاعديها.
سؤال: يظهر هذا مثل نكتة، رغم أن المسألة فيها نوع من الجدية لأن الشيخوخة أضحت في كل مرة أطول مما كانت عليه؟
جواب: نعم، المسألة جدية، إنهم يستطيعون فقط تأدية المعاشات إلي غاية سنة 2015 هذا فقط جزء من فكرة الرواية.
سؤال: فضلا عن السخرية، فإن الاستهزاء يبدو شيئا جديدا بالنسبة لك؟
جواب: السخرية ليست جديدة عن كتاباتي، وأعتقد انها بطريقة أو بأخري أكانت تهجمية، أو حيوية، أو مباشرة، أو غيرها، موجودة في كل ما كتبت، الجديد فقط هو الهزل، هناك رؤية للسارد جد هزلية في هذه الرواية أكثر من أي رواية أخري، هذا ما قاله لي علي الأقل أشخاص قهقهوا مع الكتاب.
سؤال: هل الهزل شكل مناسب للحديث عن أشياء مهيبة مثل الموت؟
جواب: في الحقيقة، لم أفعل ذلك بشكل تدبري، فالفكرة خرجت هكذا بكل عفوية، وأعترف أنه يسليني أن أكتب حول موضوع جدي مثل الموت، وأعرف أنه مع الموت لايمكن للإنسان أن يضحك كثيرا، لأنه هو الذي يضحك علينا في النهاية. ولهذا فمن الأفضل الاقتناع بأن الموت ليس كياناً ولا امرأة تنتظرنا في الخارج، وإنما هو شيء يوجد بداخلنا ويحمله كل واحد منا في أعماقه، وحينما يحصل تآلف بينه وبين الجسد إذ ذاك ينتهي كل شيء.
سؤال: تناقش الرواية أيضا مسألة استحالة الخلود؟
جواب: نعم، لأن الخلود مرعب، ورغم أن الإنسان يعيش سنوات الطفولة والمراهقة والنضج فإن الشيخوخة تأتي لامحالة، ومن هنا تبدأ المأساة. وهل هناك أحد يتخيل شيخوخة أبدية؟ من الأفضل أن لايتخيل المرء أمرا مثل هذا، وأن يفكر فقط في الموت باعتباره مسألة عادية جدا وليس عملا بطوليا.
سؤال: ألهذا ظهر ساراماغو المتشائم؟
جواب: في هذه الحالة، ليس هناك تشاؤم، فقط استسلمت لليقين.
سؤال: وماذا عن عازف الكمان الذي أغرم بجسد امرأة ميتة دون أن يعرف من هي، وهل أحس هو بشيء أحسست به أنت؟
جواب: إذا نظرت إلي الخلف، فإن البطل في جميع رواياتي هو شخص وحيد ـ وهذا العازف أيضا ـ وخجول وبدون أسرة، أما أنا فلم يسبق لي أن عشت وحيدا، ولم يرقني أبدا أن أضع تجاربي الشخصية في رواياتي.
سؤال: لكن كيف ظهرت تلك الفكرة؟
جواب: كنت في مدريد أعيد قراءة كتاب دفاتر مالطي لوريدز بريج لريلكي، ولست أدري هل حضرتني الفكرة بإيحاء مباشرة من الكتاب أم لا، لأنني حينما انتهيت من قراءته برزت هكذا. ودائما يحدث الأمر علي هذا الشكل، لذلك قلت ربما تكون هذه آخر رواية أكتبها، لأنني لا أكتب أي شيء بل أحتاج إلي مثل هذه الفكرة تأتيني. ماذا لو تخلي الموت عن قبض أرواح البشر؟ إنها الفكرة الجنينية.
سؤال: للتذكير من بين أشياء أخري في الرواية، فإن فكرة الموت تساهم في إطالة ودعم سلطة الكنيسة؟
جواب: بل الأمر أسوأ من هذا، والمشكلة هي أن الكنيسة تحتاج إلي الموت لكي تعيش، وبدونه لن تكون هناك كنيسة لأنه لن يكون هناك بعث، إن المعتقدات المسيحية تتغذي من الموت. وهو حجر الزاوية الذي يستند إليه الصرح الإداري واللاهوتي والايديولوجي. ولذلك فإن الأساقفة في الرواية دعوا إلي حملة للصلاة لكي يعود للموت وجود. يبدو هذا قاسيا، ولكن بدون موت وبعث لن يستطيع الدين الادعاء بتحسين سلوكنا لنعيش الحياة الأبدية في العالم الآخر.
سؤال: حاليا ظهر كافاكو سيلفا كمرشح للرئاسة؟
جواب: إن ظهوره هذا حتم علي النبش في جثة تلك الرقابة التي صادفت وجوده علي رأس الوزارة الأولي. إن حكومته قامت بعمل ديكتاتوري وفاشستي ولهذا سأدعم ماريو سواريش إذا وصل كافاكو إلي الدور الثاني رغم أن مرشحي هو خيرو نيمودي سوسا الذي ينتمي إلي حزبي وهو كتلة اليسار. ما يقلقني أكثر هو لامبالاة الناس، واللاحيوية، وأزمة عدم الاكتراث التي يعيشها البلد. قد لا نصدق أن هذا هو الشعب الذي كان قبل ثلاثين سنة من أكثر شعوب أوروبا كفاحا.

(عن "القدس العربي")

التعليقات