قرن على ميلاد مُفجِّر شعر المقاومة إبراهيم طوقان

-

قرن على ميلاد مُفجِّر شعر المقاومة  إبراهيم طوقان

تصادف هذه الأيام أو قريب منها الذكرى المئوية الأولى لميلاد الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان, رائد شعر المقاومة ومفجره، الذي ترك إرثاً نارياً ووردياً في ثنايا الشعر الفلسطيني المعاصر.

ولد طوقان في مدينة نابلس في الضفة الغربية عام 1905, وجاء من أسرة لها حضورها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي, وتوفي عام 1941 إثر مرض ألم به وهو في أوج عطائه الشعري, وعاش سنين عمره القصير نسبياً حياة حافلة, تنقل خلالها من التدريس إلى العمل الإذاعي, الذي نبغ فيه وحوله إلى منبر للمقامة, وهو ما أثار حفيظة المحتل (الانتداب البريطاني) آنذاك.

وتاريخ ميلاد إبراهيم طوقان غير واضح على وجه التحديد, غير أن الشاعر جميل دويكات يقول، سمعت من أخته الشاعرة فدوى ذات يوم، أن إبراهيم ولد في موسم العكوب, وموسم العكوب ما بين شهري نيسان وأيار.

وطوقان هو مكتشف موهبة شقيقته فدوى وملهمها وراعيها, وهي التي امتلكت ناصية اللغة, وقالت أشعاراً لا أرق منها ولا أحلى ولا أصدق, وتركت وراءها إرثاً مشهوداً له في كافة أصقاع المعمورة, وتوفيت عام 2003, في مدينة نابلس مسقط رأسها بعد حياة حافلة برحل جبلية شاقة وصعبة ووعرة وقيل فيها أنها ثالث جبال نابلس (عيبال وجرزيم).

يقول الشاعر لطفي زغول، ابن مدينة نابلس:"اعتبر الشاعر إبراهيم طوقان, هو شاعر فلسطين وشاعر القضية, وهو أكثر من تكلم عن القضية الفلسطينية في بداياتها, وتناول في أشعاره الأرض والنضالات الفلسطينية, وتبدو تلك النزعة الوطنية مجسدة في قصيدته "الثلاثاء الحمراء".

"إبراهيم كان سياسياً وشاعراً ووطنياً ", قال زغلول, واستدرك: يجب أن لا ننسى أن إبراهيم هو الذي أوجد فدوى وجعل منها شاعرة عظيمة.

وأضاف يقول: رغم عمره القصير عندما توفي كان إبراهيم طوقان شاعر القضية, له في النضالات الفلسطينية صولات وجولات, كما كان له أيضا في الغراميات" فتوحات" وقصائد كثيرة. وقال: علاقة إبراهيم بالوطن كبيرة, وتتجسد في قصيدة "موطني" وهي من أجمل الأناشيد التي تركها وما زالت خالدة حتى الآن, كما كان أيضا له علاقة بالنساء, وعلاقة ببلدان مثل سوريا والعراق.

ولمناسبة المئوية الأولى لبزوغ فجر هذا الشاعر الفلسطيني, يقول الشاعر النابلسي جميل دويكات في تقديمه لدراسة أعدها لهذه المناسبة: وفي المئوية الأولى, إليك أزفّ فاتحة البيان. . رحيق السوسن البري. . زهر اللوز والنارنج والجُنَّار, أزفّ إليك ريحَ المسك والكافور. .عيونَ شقائقِ النعمان, وخضرة مرجنا المسلوب. . . توشوشه دموع الطل في الأبكار.

وقال عنه: إبراهيم طوقان" طائر الشِّعرِ المغردِّ بالنور. . والنار" واستذكر جميل دويكات في دراسته بعض ما كان في حياة طوقان قائلاً:" بوادر الذكاء ظهرت على الطفل النحيل, حتى قالت عنه نساء العائلة "مش ابن معيشة" لاعتقادهم بأن الأذكياء يموتون. . وهي مقولة تكشف عن جانبٍ من نفسية الفلسطيني التي ترى أن كلّ شيء يجري لغير صالحها، "كما يقول الشاعر دويكات.

وأضاف يقول: "أما العمة "كريمة" فكانت لفرط حبها له تقول "إبراهيم كل شيء بطلعلو"، أما سخريته الطفوليه مع "الجدة التركية" بتقليده الذكي لـ "رطانتها" بالعربية.
تلاحقه حتى يتسلق شجرة "النارنج". . وتساءل دويكات: فهل كان يدرك أنه مع تسلق النارنج. . تسلق شجرة الشعر؟! أم أن شجرة الشعر هي التي تسلقتهُز. . . إنها شجرة أصحاب الأرواح الشفافة. . والنفوس العظيمة والأخيلة المحُلِّقَة",قال دويكات.

وفي وصف إبراهيم الطفل قال: هو ابن العائلة الأرستقراطية, فقد كان مدللاً لمرضه أولاً, ولذكائه ثانياً, ولذكوريته أخيراً, فكان في طفولته المبكرة متعلقاً بأذيال أمه, ولأن "الحِّمام العام" كان محاذياً لبيتهم, فكان يصر على مرافقهّ الأم إليه, وهناك تعرّف على المرأة كجسد ومن ثم كأنثى. . لقد طبع جسد المرأة وأنوثتها في مخيلةٍ متميزة, وعقليةٍ بيضاء حادة فاختزن هذه الصور, حيث استخدم هذا المخزون الطفولي في شعره عن المرأة كبيراً, وهذا ما يفسر صوره الشعرية الحسيّه في المرأة.
وقال الشاعر مازن دويكات من ملتقى بلاطة الثقافي: طوقان شاعر فلسطيني مهم, وهو المؤسس الأول للحركة الشعرية الفلسطينية, أو( شعر المقاومة). . .وانطلاقة شعر المقاومة كانت على يد إبراهيم طوقان, وعبد الرحيم محمود, وعبد الكريم الكرمي (أبو سلمى),. . . وسميح القاسم, ومحمود درويش وتوفيق زياد هم امتداد لهذه الحركة, وطوروا شعر المقاومة. "لا يجب أن ننسى تأثيره على أخته فدوى طوقان الشاعرة الأولى على صعيد العالم العربي."قال مازن دويكات لـ"وفا".

وأضاف: هذه الأيام وبعد مئة عام على ميلاد طوقان نقول إن "نبوءة الشاعر قد تحققت", والتي تؤكد على خطه الشعري, فالحدث الذي كتب عنه لازال مستمراً، وهو ما يحصل في فلسطين الآن, وهذا هو تميز إبراهيم طوقان.

ويقول الشاعر جميل دويكات معد الدراسة: كسرت الموهبة قشرة الإبداع لدى إبراهيم في مرحلة مبكرة, على شكل لغةٍ مسجوعة, ونغمةٍ من الأغاني الشعبية قارضها جده, قبل أن يبلغ سن العاشرة, كما أن إدمانه على سماع القرآن من ذويه مرتلاً, قد فرش أرضية الطفل كي يكون شاعراً.

ويضيف:. . .وأنتجت النشأة الأرستقراطية نمطين متضادين في سلوك إبراهيم, الأول: ترفعاً واستعلاءً والثاني: تربيةً وحسن خلق, لكن إبراهيم بفطرته الملهمة تخلص من الأولى, (الاستعلائي), وكأنه أدرك مبكراً زيف هذه النظرة, وحاجة الشاعر الدائمة إلى امتلاك نبض البسطاء, ومشاركة الناس لأحوالهم الإنسانية بعيداً عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.

لكن إبراهيم الذي أدواه المرض. . سكنته روح عظيمة فزادته إجهاداً ثم تفتقت الموهبة الشعرية بتناقضاتها وتأملاتها وحيرتها. . فكانت "ثالثة الأثافي" فصبت الزيت فوق لهيب الروح, وامتلك إبراهيم حساً مرهفاً وخيالاً محلقاً وبصيرة نفّاذة وكانت إفرازاً لموهبةٍ أصيلة ألحت عليه، نّمتها بيئته الخاصة الأدبية.
وتناول جميل دويكات في دراسته جانبين مهمين من حياة الشاعر إبراهيم طوقان, الجانب الأول: وجدانياته, وقال, اختزن خيال إبراهيم "الطفل" جسد المرأة وأنوثتها. . منذ الطفولة فكان لتلك الصور المخزونة في الذاكرة الأثر الأكبر في صوره الحسية للمرأة وتساءل, هل احتذى شاعرنا حذوَ ابن أبي ربيعة؟ .

والجانب الثاني: وطنياته, وقال جميل في دراسته, إبراهيم شاعر وطني غنى للشهداء ومجّد الدفاع عن الوطن, وحذّر من غدٍ سيئ آت, استبق أحداث عصره بعين بصيرته وحدس إحساسه، فكان بحق زرقاءُ بكت أمجاد الأمة وتاريخها, لم يعرف التحزب ولم ينصر فريقاً على فريق, وكان انتصاره للوطن.

ويرى جميل دويكات، أن طوقان استلهم وطنيته من مصدرين, الأول: من عائلته التي لم تَبِعْ قطُ أرضاً للغرباء, فكان بمثابة عزِّ له وشموخ, والمصدر الثاني من روحه القومية العروبيه التي أخذها من أساتذته في نابلس إبراهيم الخماش، الشيخ فهمي هاشم، ثم على يد نخلة زريق وقسطنطين زريق في القدس.
من جهته، يقول الشاعر الفلسطيني المقيم في السعودية زياد مشهور مبسلط إن المثقف الفلسطيني يحار عندما يكتب عن شاعر فلسطيني عربي كبير مثل إبراهيم طوقان.

ويضيف: ولا تتمثل الحيرة في هذا الموقف من حيث تقديم الآراء والوثائق والتحليلات والدراسات النقدية والتاريخية فيما يتعلق بهذا الشاعر المعلم, بل تتجسد مثل هذه الحيرة في انتقاء واختيار ما لم يسبقه إليه أحد, ليجد نفسه في نهاية المطاف عاجراً كل العجز عن إيفاء هذا المعلم الثائر قبل المبدع الشاعر حقة.

وقال: كان طوقان شاعراً ثائراً, أعطى لثورة الشاعر وشعر الثورة حقهما من الحبر والدم والعطاء والوفاء, فرأى في الشاعر فيلسوفاً ثورياً, يطبق على أرض الواقع ما يؤمن به من مبادئ, وهو الذي استلهم من جبال جرزيم وعيبال شموخ كلماته, ومن جمال نابلس روح الجمالية الشعرية.

من قصائد ابراهيم طوقان


الفدائي


لاتَسَـــل عَـن سَلامَته رُوحُـهُ فَــوقَ راحَتـِـــه

بَــدَّلتـــــــهُ هُمُـــومُـــه کَفنَــــاً مِــن وِسادَتِــه

يَرقُــبُ السَّــــاعَةَ التی بَعــدَها هَـولُ ساعَتـِه

شاغِلٌ فِکرُ مَن يَرا..... ه بإطــراقِ هــامَتـِــــه

بَيــنَ جَنبـــــــهِ خافِـقٌ يَتَـلَظَّـــی بِـغــايتِــــــه

مَن رَأی فَحمَةَ الدُّجی أُضـرمَت مِن شَرارتِــه

حَمَّـــلَتـهُ جَهَــنَّــــــــمٌ طَــرَفا مِـــن رِسالَتـــه



هُـوَ بِالبــابِ واقِـــــفٌ وَ الــرَّدی مِنـهُ خــائِف

فَاهدَأی يا عَواصِـــفُ خَجَـــلاً مِن جَراءَتِـــــه

******

صــامِتٌ لَو تَکَلَّــــــما لَفَــظَ النَّــارَ وَ الـــدَّمــا

قُـل لِمَن عابَ صَمتَه خُـلِقَ الحَـــزمُ أبکَـــما



وَ أخُــو الحَزمِ لَم تَزل يـَده تَسبـِــقُ الفَــــما

لاتَلــــوموه، قـَـد رَأی مَنــهَجَ الحَــقِّ مُظلــما

وَ بـِـــلادَاً أحَبـَّــــــــها رُکنـُــها قَــد تَهَــدَّمَـــــا

وَ خُصُـــوماً بِبَغيــهِم ضَجَّتِ الارضُ وَ السَّـما

مَرَّ حينٌ، فَکــادَ يقتــ له اليـــأسُ، إنَّمــــا ...


هُــوَ بِالبــابِ واقِــــفٌ وَ الرَّدی مِنــــهُ خـــائف

فَاهــدَأی يا عَواصِـفُ خَجـــلاً مِـن جَـراءَتِــــه


*****

مَــوطِــنــي


مَــوطِــنــي مَــوطِــنِــي
الجـلالُ والجـمالُ والسَّــنَاءُ والبَهَاءُ
فـــي رُبَــاكْ فــي رُبَـــاكْ

والحـياةُ والنـجاةُ والهـناءُ والرجـاءُ
فــي هـــواكْ فــي هـــواكْ

هـــــلْ أراكْ هـــــلْ أراكْ
سـالِماً مُـنَـعَّـماً وَ غانِـمَاً مُـكَرَّمَاً

هـــــلْ أراكْ فـي عُـــلاكْ
تبـلُـغُ السِّـمَـاكْ تبـلـغُ السِّـمَاك
مَــوطِــنِــي مَــوطِــنِــي

مَــوطِــنِــي مَــوطِــنِــي
الشبابُ لنْ يكِلَّ هَمُّهُ أنْ تستَقِـلَّ أو يَبيدْ
نَستقي منَ الـرَّدَى ولنْ نكونَ للعِــدَى
كالعَـبـيـــــدْ كالعَـبـيـــــدْ

لا نُريــــــدْ لا نُريــــــدْ
ذُلَّـنَـا المُـؤَبَّـدا وعَيشَـنَا المُنَكَّـدا
لا نُريــــــدْ بـلْ نُعيــــدْ
مَـجـدَنا التّـليـدْ مَـجـدَنا التّليـدْ
مَــوطِــنــي مَــوطِــنِــي

مَــوطِــنِــي مَــوطِــنِــي
الحُسَامُ و اليَـرَاعُ لا الكـلامُ والنزاعُ
رَمْــــــزُنا رَمْــــــزُنا
مَـجدُنا و عـهدُنا وواجـبٌ منَ الوَفا
يهُــــــزُّنا يهُــــــزُّنا

عِـــــــزُّنا عِـــــــزُّنا
غايةٌ تُـشَــرِّفُ و رايـةٌ ترَفـرِفُ
يا هَـــنَــاكْ فـي عُـــلاكْ
قاهِراً عِـــداكْ قاهِـراً عِــداكْ
مَــوطِــنِــي مَــوطِــنِــي


****


 

الى بائعي البلاد

باعوا التراب الى اعدائهم طمعا
بالمال لكنما اوطانهم باعوا


قد يعذرون لو ان الجوع ارغمهم
والله ما عطشوا يوما ولا جاعوا


وبُلغَة العار عند الجوع تلفظُها
نفسٌ لها عن قبول العار ردّاعُ


تلك البلاد اذا قلتَ: اسمها وطن
لا يفهمون ودون الفهم اطماعُ
*****

أعداؤنا منذ ان كانوا ( صيارفة)
ونحن منذ هبطنا الارض ( زراعُ)


لم تعكسوا آية الخلاق بل رجعت
الى اليهود بكم قربى واطباعُ


يا بائع الارض لم تحفل بعاقبة
ولا تعلمت ان الخصم خداعُ


لقد جنيت على الاحفاد والهفي
وهم عبيدٌ وخدامٌ واتباعُ!


وغرّك الذهب اللماع تحرزه
ان السراب كما تدريه لماعُ


فكر بموتك في ارضٍ نشات بها
واترك لقبرك ارضا طولها باعُ


التعليقات