كلمة عن اللاسامية وأخرى عن الأغيار (الچوييم)../ بروفيسور حسيب شحادة*

-

كلمة عن اللاسامية وأخرى عن الأغيار (الچوييم)../ بروفيسور حسيب شحادة*
هناك مصطلحات متداولة تحمل مدلولا خاطئا مثل "اللاسامية" (anti-Semitism) بمعنى "معاداة اليهود" وليس معاداة "الشعوب السامية" (نسبة إلى الابن البكر لنوح، سام، أنظر سفر التكوين ٥: ٣٢؛ ٦: ١٠؛ ١٠: ٢١) ومنها بالطبع العرب، أكثر الشعوب السامية عددا اليوم. وتتحدر الشعوب السامية من جنوب غرب آسيا وتضم الأكاديين بفرعيهما الأشوريين والبابليين والكنعانيين والفينيقيين والعبرانيين والآراميين والعرب وساميي بلاد الحبشة. ويُذكر أن المصطلح "السامية" في أصله يدلّ على اللغات القريبة من العبرية كما ظهر في استخدامه الأول لدى المؤرخ لودڤيچ شلوتزر عام ١٧٨١ (Ludwig Schlözer, 1735-1805, Eichhorn's Repertorium, vol. VIII (Leipzig, 1781), p. 161).
 
ويبدو أن لفظة anti-Semitism قد اشتقت عام ١٨٧٩ من السابقة اليونانية αντι/anti أي "ضد" والصفة اليونانية Σημίτης/Semite بمعنى المتحدّر من نسل سام بن نوح. وكان المفكر والداعية الألماني ولهلم مار (Wilhelm Marr, 1819-1904) أول من استخدم Antisemitismus عام ١٨٧٩ لوصف الحملات التي شنّت ضد اليهود في أوروبا في أيامه بدلا من الكلمة السابقة Judenhass أي كراهية اليهود. وهكذا أخذت لفظة "اللا سامية" تستعمل في المائة العام الماضية للتعبير عن أي لون من ألوان العداء يمارس ضد اليهود خلال التاريخ الإنساني برمّته. ويُشار إلى أنه ابتداء من أواخر القرن الثامن عشر فصاعدا عمد اليهود والحركات المناصرة لهم بالترويج لهذا الاستخدام غير الدقيق، أي إسقاط المعنى العام، كل الشعوب السامية، على الحق قل الدلالي الخاص، الشعب اليهودي. وورد في الموسوعة اليهودية ما معناه "الممثلون الرئيسيون الباقون لقائمة الساميين هم اليهود والعرب" (القدس ١٩٧٢، مج. ١٤، عامود ١١٤٨)
 
تتكرر كلمة גוי (غوي) أي "أناس، شعب، قوم" وتصريفاتها مئات المرات في أسفار العهد القديم، גוי ٥٢ مرة، הגוי ٢٦ مرة، הגוים ١٧٤ مرة، לגוים ١٦ مرة، וגוים مرة واحدة (زكريا ٨: ٢٢)، בגוים ٧٥ مرة الخ. وهناك معنيان لهذه اللفظة بصيغ غها الم تعددة في العهد القديم وهما:
 
١) شعب، أمّة، وهو المعنى الغالب مثل سفر التكوين ١٠: ٥، ٢٠، ٣١، ٣٢؛ إشعياء ٢:٢، صموئيل الثاني ٢٣؛ ذرية إبراهيم الخليل، التكوين ١٢: ٢؛ شعب إسرائيل الخروج ١٩: ٦ الخ.
٢) سرب جراد، أيوب ١: ٦ أو كافة أصناف الحيوانات، (صفانيا ٢: ١٤. ٣) أي بمعنى الحشرات والهوام وقارن גוי גוי با الغوغاء/الدهماء العربية.
 
ما زال تأثيل هذه اللفظة العبرية גוי غامضا. هناك من يرى صلة بينها وبين גו أي "جسم، مجموعة بشرية". في الفترة اللاحقة للعهد القديم أي حقبة التوراة الشفوية، المشناة، نرى أن الكلمة قيد البحث قد اكتسبت تخصيصا دلاليا، "أجنبي، غير يهودي" وقارن ذلك بكلمة "أعجمي" بمعنى غير العربي. وبهذا المعنى "أجنبي" تستعمل العبرية الحديثة لفظة גוי، أضف إلى ذلك معنى حديثا في العبرية المعاصرة وهو "كناية تحقير في قاموس المتدينين المتشددين عن اليهودي العلماني أو الجاهل في الديانة اليهودية". وفي هذا السياق لا مندوحة من التنويه بـ ـ גוי–של–שבת، שָאבֶּס גוי في العبرية المعاصرة والذي يعني: غير اليهودي الذي يقوم بعمل ما يحرّم شرعاً على اليهودي القيام به يوم السبت مثل إشعال النور وإطفائه في الكنيس أو في منازل المتزمتين.
 
وموضوع الجوي/غير اليهودي في الشريعة اليهودية واسع ومتعدد الجوانب ولا وجود لموقف موحّد إزاء "الأغيار"، ففي كتاب "المائدة المعدّة" (שולחן ערוך) بقلم الرابي يوسيف قارو ١٤٨٨-١٥٧٥ نجد أمثلة كثيرة تندرج تحت ما يمكن تسميته بـ אנטי גוים/אנטי גויזם منها: حظر توليد غير اليهودية؛ حظر مدح غير اليهودي، حظر تعليمه أية مهنة؛ حظر إرضاع غير اليهودي من أم يهودية الخ.
 
وهناك سلسلة طويلة من التحريمات مثل تحريم الزواج من غير اليهود، تحريم جماع الأم وزوجة الأب والأخت والبنت وبنت البنت والعمة والخالة وزوجة العم وزوجة الابن الخ. ومن المعروف أن كل ابن أو ابنة لمرأة يهودية فهو/فهي يهودي/يهودية بغض النظر عن طبيعة علاقة المولود بالديانة اليهودية وبإسرائيل لاحقا دينيا وسياسيا.
 
أما غير اليهودي فيبقى "جوي"، من الأغيار حتى ولو تصهين وتعبرن حتى النخاع. غير اليهودي قد يصبح يهوديا إذا ما مرّ بعملية اعتناق حقيقي للديانة اليهودية (גיור) وهذا ليس أمرا سهلا بالمرة في العصر الحديث.
 
من المتهودين القدامى المشهورين نذكر، على سبيل المثال فقط، الأميرة راعوت الموآبية التي عاشت في القرن الثاني عشر ق.م. وأونكولوس الذي عاش في القرن الثاني للميلاد وترجم التوراة إلى اللغة الآرامية. ومن المعروف أن راعوت تزوجت من بوعز القاضي وأنجبا عوڤيد ويشاي وداؤود الملك وسليمان الملك.
 
 قد يكون البعض من القراء على علم بالصلاة اليهودية الصباحية التي تعني "مبارك أنت أيها الله إنك لم تجعلني من الأغيار". وهناك اسم خاص للشخص غير اليهودي الذي يعيش تحت الحكم اليهودي ألا وهو הַגֵּר المشتتق من السنخ גור الذي يعني في لغة التوراة العيش خارج الوطن (قارن مصطلح "أهل الذمة" في الإسلام وانظر سفر اللاويين ١٦: ٣٣، ٣٤) ومن المعروف أن الچوي/الغوي أو الچير الذي يقوم بسبعة الفروض النوحية يستحق مكانا في الجنة. وفروض نوح هذه هي: أولا لا بد من وجود نظام عادل لتطبيق ما يلي: منع الوثنية؛ تحريم السرقة؛ تحريم القتل؛ لا انحلال جنسي؛ تحريم التجديف؛ تحريم أكل لحم حيوان حي.
 
ويذكر أن كلمة גוי تقابل في الكثير من الحالات كلمات الخزي والعار مثل יהודון, ז‘יד في أفواه وكتابات المعادين لليهودية واليهود ولا نقول اللاساميين.
 
ويلاحظ أن اللغة العبرية الحديثة أخذت في التمييز بين اليهودي وغير اليهودي لغويا. يستعمل، على سبيل المثال، الفعل العبري נפטר أي توفي بالنسبة لليهودي والفعل מת أي مات بالنسبة لغير اليهود، الأغيار. ولفظة "الأغيار" مستحدثة في العربية ولا ندري تحديدا متى اشتقت وهي، في الواقع، لا تعبّر بالضبط عما في مقابلته العبرية من ظلال دلالية. 
 
ويجد الباحث محاولات لتأويل هذا الاختلاف في الاستعمال. يقولون إن الفعل الأول لصيق بأبناء الشعب اليهودي الواجب عليهم القيام بالفروض الدينية وعندما يأتي أجله ينقطع هذا الواجب الديني، يصبح الميت معفيا من إعمل هذا ولا تعمل هذا، فريضة. يقال هذا وكأن لبني البشر الآخرين من مؤمنين كالمسيحيين والمسلمين والبوذيين وغير الدينيين لا وجود لمثل هذه الفرائض الدينية أو تلك. إزاء هذا التأويل غير المنطقي لا بد من التذكير بأن الفعل נפטר لا ذكر له في الأربعة وعشرين سفرا، أسفار العهد القديم، البتة.
 
الجذر المستعمل للدلالة على الموت هو מות ومشتقاته في مئات الاستعمالات، منها في سفر يهوشوع ١: ٢ "משה עבדי! מת" أي "موسى عبدي مات" والأمر ذاته يرد في مختصر المائدة المعدة علامة ١٩٧. باختصار أمامنا مثل لمحاولة "عنصرة" (גזְעוּן) العبرية الحديثة. الفعل נפטר يرد في لغة التوراة الشفوية ومعناه "انفصل عن، غادر" الخ.

التعليقات