أبو خالد البطراوي الموت الهادئ في الزمن الصاخب / جهاد أحمد صالح

عاري الرأس، مكشوف الصدر، حافي القدمين، خالي الجيوب، ويد بيضاء بغير سوء.. رحل أبو خالد بهدوء.

أبو خالد البطراوي الموت الهادئ في الزمن الصاخب / جهاد أحمد صالح

عاري الرأس، مكشوف الصدر، حافي القدمين، خالي الجيوب، ويد بيضاء بغير سوء..

رحل أبو خالد بهدوء.

رحلت تلك الروح النقية التي لم تلتبس بظلم، ولم تهزمها كل الظلمات المكاتفة

 عبثاً حاول الضباب أن يلتصق بجلد أبي خالد، وبهذا القلب الواضح كالبرق، يتحدى من خلف متراس ثقافته الوطنية، تلك الرطانة والغموض في خطاب الإرتهان، الذي ما انفك يلاحق كل أنفاس الحرية والإبداع.

بهدوء مذهل، وبدفء إيمانه العظيم بقضيته التي تستبطن شرايينه، ونخاع عظمه، وخلايا دمه،

آثر أن يسلك خطاً مستقيماً يوصله إلى نقطة واضحة المعالم، إلى هدف لا لبس فيه.

صافياً، وديعاً كساقيه، في سهوب ربيعية حافظت على ألوانها.

وبصمت، يراكم تجربة فوق تجربة، حتى أصبحت عالماً فسيحاً عنوانه فلسطين،

وأداته ثقافة لا تساوم، ولا تهادن.

موقفاً ثقافياً نقدياً، ينفذ عميقاً كمبضع جرّاح، صاغه من فتات من الصبر،

عصياً على كل أنواع التخدير، والتحذير الذي يراه، ونراه،

موغلاً في الثبات.

موغلاً في حب الأرض والشعب،

موغلاً في الإصرار، أن المستقبل لنا ما دمنا مدمنين الحلم.

اختار ليلة حزن وسافر فيها دون سابق انذار، فصدمنا جميعاً

صدمنا، لأننا كنا نعتقد، ويهمس أحدنا في أذن الآخر.

"حين يرحل أبو خالد، سيموت كثير من الطهارة،

ومن العفوية، ومن الحب،

ومن النكتة الجميلة".

وحين اكتب الآن عن أبي خالد، أحاول أن لا يتملكني وهم الافتخار بمعرفته، والزهو بزمالته...

فمن يعرفه، يعرف ذلك الصامت، الذي يوحي للبعض أنه نسي الكلام،

أو أنه زاهد يعبّر عما يعتمل في داخله بالرحيل إلى الآفاق،

يختزل الكلام، يحّوله إلى جمل مفيدة، تختلج في ضمير شعب كامل

وديعاً كساقية... سافر أبو خالد في ليلة حزن.

تارك لنا بوصلة، واتجاهاتً،

وتجربة فوق تجربة،

أن أية بقعة من بقاع الله يمكن أن تكون ساحة لكفاحنا،

وأن نقطة الحبر الواضحة التي هي زادنا كمثقفين وأدباء، يمكن أن تكفينا ذخيرة لسلاحنا،

نجعل منها بحراً لا ينضب، ومحيطاً لا حدود له ولا شطآن..

هكذا تركنا أبو خالد البطراوي...

عاري الرأس، مكشوف الصدر، حافي القدمين، خالي الجيوب، أبيض اليدين... وكان:

برقاً من وضوح مذهل،

محيطاً من الكلام المضيء وخطب التعنيف الصامت،

وأناشيد الغضب المهموس،

ودعوات الرفض المزلزل.

وأخيراً... أيتها الروح النقية التي لم تلتبس بظلم.

ستجدين من بيننا، من يحفظ الوصية، ويدافع عن طهارة الذات والقضية.

 

 

التعليقات