لقاء مع رئيس اتحاد الكتاب العرب الفلسطينيين ـحيفا / الاتحاد الاماراتية

وبالنسبة للتطبيع، فنحن نرفض التطبيع الثقافي مع المؤسسة الإسرائيلية، لأنها تتناقض مع انتمائنا الوطني والقومي. لكننا لا نرفض التعاون، مع قوى يسارية تقدمية من اليهود الشرفاء، الذين يناصرون قضيتنا، رغم أن هذه القوى باتت ضئيلة وهزيلة في السنوات الأخيرة، إذ إنّ الشارع الإسرائيلي بات يتجه في السنوات الأخيرة نحو التعصّب والتطرف.

لقاء مع رئيس اتحاد الكتاب العرب الفلسطينيين ـحيفا / الاتحاد الاماراتية

رئيس اتّحاد الكتّاب العرب الفلسطينيين في حيفا يحذر من أقنعة الحمام

سامي مهنّا: عرب يقاطعوننا بحجّة التّطبيع

 يوسف عبد العزيز *

 في مساء يوم الأحد الموافق للتّاسع عشر من شهر يناير لعام 2010، وفي قاعة مسرح اللاز في مدينة عكّا في فلسطين المحتلّة عام 1948، التأم الاجتماع التأسيسي لاتّحاد الكتّاب العرب الفلسطينيين ـ حيفا. وقد حضر الاجتماع حشد كبير من الأدباء الفلسطينيين الذين يعيشون في مناطق متعدّدة من الدّاخل الفلسطيني، والذين وصل عددهم نحو ستّين كاتباً، هذا بالإضافة إلى ثلاثين كاتباً تغيّبوا عن الاجتماع لظروف قاهرة، ولكنّهم أعلنوا عن مباركتهم للخطوات التي يتّخذها المجتمعون.

في هذا الاجتماع تدارس المثقّفون الفلسطينيّون واقع الثقافة العربية في فلسطين المحتلّة عام 1948، كما ناقشوا اللائحة التنظيمية التي يقوم عليها الاتّحاد، ثمّ قاموا بتوقيع بطاقات الانتساب الخاصّة. بعد ذلك قام الحاضرون بانتخاب الشاعر سامي مهنّا رئيساً للاتّحاد، والكاتبة أنوار سرحان أمينة عامّة، هذا بالإضافة إلى انتخاب أعضاء الهيئة الإدارية واللجان الداخلية المختلفة. وكان المجتمعون قد اتّفقوا على تشكيل مجلس استشاريّ للاتّحاد، مكوّن من عدد من الكتّاب الرّوّاد، ومنهم الشاعران سميح القاسم وحنّا أبو حنّا، والقاص محمد علي طه.

عن هذا الاتّحاد الجديد، عن الأهداف والخطط المستقبليّة التي يسعى لتحقيقها، على طريق بناء الثّقافة الوطنيّة، في هذا الجزء الأصيل من فلسطين، التقى “الاتحاد الثقافي” برئيس اتّحاد الكتّاب العرب الفلسطينيين فرع حيفا الشّاعر سامي مهنّا.

في البداية سألناه عن الأسباب الكامنة التي تقف وراء إنشاء الاتّحاد، فأوضح أنّه كان هناك في وقت من الأوقات اتّحاد عام برئاسة الشاعر سميح القاسم، ثمّ تمّ إنشاء اتّحاد آخر في فترة من الفترات برئاسة الكاتب محمد علي طه، بالإضافة إلى رابطة للكتّاب الفلسطينيين برئاسة الشاعر حنّا أبو حنّا. وقد انحلّت هذه الأطر تباعاً، وأصبح المثقّفون الفلسطينيون في منطقة 1948 يعانون من غياب المؤسّسة التي تضمّهم وتعتني بإبداعهم. لقد أصبحت الحاجة ماسّة لإقامة اتّحاد جديد، يقول الشاعر سامي مهنّا، ويضيف: لقد استطعنا توحيد الأطر السّابقة، وقد تشكّل لهذا الغرض مجلس استشاريّ للاتّحاد مكوّن من رؤساء تلك الأطر، بالإضافة إلى أدباء متميّزين آخرين من الرعيل الأوّل والثاني، وبعد حديث شخصي ومشاورات مع الكثيرين من الكتّاب تمّ الاتّفاق على تأسيس الاتّحاد.

حيفا مقرّاً للاتّحاد

وعن سبب اختيار مدينة حيفا لتكون مقرّاً للاتّحاد الجديد، دون غيرها من المدن الفلسطينية، يقول الشاعر سامي مهنّا: لقد كانت حيفا قبل النّكبة من أهمّ المدن الفلسطينية، كما أنّها كانت ذات أهمّيّة على المستوى العربي، وشهدت ازدهاراً ثقافيّاً عظيماً، فقد غنّى فيها كلٌّ من أم كلثوم وفريد الأطرش وأسمهان، وأقيم فيها مسرح يوسف وهبه، ومن مطابعها صدر العديد من الصّحف والمجلات والكتب. عام 1948 هُجّر معظم سكّانها العرب، وضمنهم أعداد كبيرة من النّخب الثّقافية والاقتصادية والاجتماعية، وبقي منها خاصرة عربية مكوّنة من أقلّيّة ضئيلة من ناحية العدد.

ومن هذا المنطلق قررنا تسمية الاتّحاد باسم مدينة حيفا، ومقرّه الدائم سيبقى فيها، كنوع من الموقف الرمزي، وللحفاظ على مدلولاتها ومكانتها التاريخية، وللمساهمة في تثبيت هويّتها المنتزَعَة.

في حديثنا مع رئيس الاتحاد تطرّقنا لعمل الاتّحاد، وما تمّ رصده من خطط. تطرّقنا كذلك للمعيقات التي يمكن لها أن تعطّل العمل، سواء جاءت من جانب المؤسّسة العسكرية الصهيونية، أو من جانب الجهات المموّلة، خاصّةً وأنّ صناعة الثقافة تحتاج إلى رأس مال ينفق عليها. حول هذه المسألة يقول الشاعر سامي مهنّا: أمامنا مشاريع كثيرة وأهداف معلنة، وقد بدأنا بالتّواصل العملي مع وزارة الثقافة الفلسطينية، وبيت الشّعر الفلسطيني، والاتّحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين في رام الله، بوضع برنامج عمل مشتَرَك يوحّد المشهد الثقافي الفلسطيني في مناطق ال 67 وال 48 والشتات بقدر المستطاع، وسنفتتح النشاطات، كجزء من الاحتفالات الثقافية المتمحورة في يوم الثقافة الفلسطيني الذي أصبح تقليداً سنويّاً، متمركّزاً في منتصف آذار، ويوم 13 آذار تحديدًا، وهو يوم ميلاد الشاعر الكبير محمود درويش، بفعاليات ثقافية وأدبية في أماكن عديدة في الداخل وفي مناطق ال67. ووضعنا هناك برنامجاً لسبع فعاليات ثقافية وأدبية، ستجري في سبعة أيّام. وهنالك مخطط لمؤتمر ثقافي عّام وشامل، في الصيف المقبل. بالإضافة لبرامج تكريمية لأدبائنا البارزين من الرعيل الأول والثاني في أشهر الربيع.

ونتمنى أن ننجز فعاليات على مستوى أوسع، ونحتاج دعم الاتحادات والروابط والمؤسسات الثقافية والأدبية في العالم العربي.

وبالنسبة للمعيقات من قبل المؤسسة الإسرائيلية، إذا وُجدت مستقبلاً، فنحن لا نكترث بها، ولا نلتفت إليها، فالثقافة المنتمية والملتزمة، هي فعل تحدٍّ ومواجهة.

وبالنسبة للتمويل، فقرارنا الثابت، هو أننا لن نتعامل مع المؤسسة الإسرائيلية، لذلك علينا أن نبحث عن موارد تمويل، لأن رسوم اشتراكات الأعضاء رمزية ولا تكفي بالطبع، وكما قلتَ، الثقافة تحتاج إلى رأس مال. هنالك استعداد مبدئي لدعم فعالياتنا القريبة، من قبل وزارة الثقافة الفلسطينية. وأتمنى أن نجد جهة مموِّلة، نستطيع من خلالها أن نخدم ثقافتنا وأدبنا وبالتالي أبناء شعبنا، ولا سيما في الداخل، لأن الثقافة المنتمية للمشروع الوطني والقومي، باتت حصننا الأهم.

مواجهة الأسرلة

كيف تواجهون الأسرلة، سألتُهُ، أنتم كمؤسّسة جديدة ناطقة بلسان المثقفين الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني، باعتبار فلسطين المحتلّة العام 1948 هي السّاحة الأهمّ التي يدور فيها الصّراع العربي الصهيوني؟ فأجاب الشاعر سامي مهنّا قائلاً: إنّ المؤسسة الإسرائيلية، تسعى ومنذ نكبة ال 48، إلى التذويب الثقافي وأسرلة من تبقى داخل الكيان العبري، من العرب الفلسطينيين. ومهمة كل المثقفين، والأحزاب والحركات والأطر العربية النظيفة، أن تواجه هذا المشروع الخطر، وهنا يلعب التثقيف الوطني والقومي، دورًا هامًا، وهو مهمة ليست سهلة، إذ إننا نواجه مؤسسات دولة، لها أذرعها العديدة الطويلة والقوية. فوزارة الثقافة الإسرائيلية تتدخّل في المناهج التعليمية، وحتى أسماء المدن والقرى العربية، تتعبرن بقرارات حكومية، ومحاولة محو الذاكرة الفلسطينية موضوعة على الأجندة الإسرائيلية في أعلى مستويات الدولة، لذا فالتحدي كبير والمهمة ليست سهلة، لكننا نراهن دائمًا على وعي وانتماء شعبنا الذي تحدى المؤسسة الإسرائيلية منذ النكبة ولا يزال، إذ إنّ الست عقود ونيّف من حياة الدولة العبرية، لم تكن كافية لضرب الانتماء الوطني والقومي، بل إننا نرى أن كلّ جيل يتمسك أكثر من سابقيه بانتمائه الفلسطيني والعربي، وهذا جزء من معجزة شعبنا، الذي يربك ويحيّر المشروع الصهيوني برمّته.

ثقافة المقاومة

بعد ذلك انتقل الشاعر سامي مهنّا رئيس الاتّحاد إلى الحديث عن ثقافة المقاومة باعتباره اتّجاهاً أساسيّاً في الثقافة العربية المعاصرة، كما تحدّث عن مقاومة التّطبيع من الموقع الأكثر التهاباً وهو الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، فقال: أعتقد أن ثقافة المقاومة تتسع كل يوم، فقد خرجت هذه الثقافة منذ فترة طويلة من ثقافة المقاومة بمعناها السياسي، لتصل إلى كل الأبعاد الإنسانية، فبناء المجتمع العربي الفلسطيني بمؤسساته المدنية والتطوّر الاقتصادي، والتعليم العالي، وتطوير المشهد الثقافي برمّته، تدخل في ثقافة المقاومة، فالمقاومة هي التمسّك بما تبقى من أرضنا التاريخية، والعيش بكرامة وانتماء لشعبنا وأمتنا وقيمنا الإنسانية، دون تنازلات، وفرض حقوقنا المدنية على الدولة، كوننا أصحاب الأرض الأصليين.

وبالنسبة للتطبيع، فنحن نرفض التطبيع الثقافي مع المؤسسة الإسرائيلية، لأنها تتناقض مع انتمائنا الوطني والقومي. لكننا لا نرفض التعاون، مع قوى يسارية تقدمية من اليهود الشرفاء، الذين يناصرون قضيتنا، رغم أن هذه القوى باتت ضئيلة وهزيلة في السنوات الأخيرة، إذ إنّ الشارع الإسرائيلي بات يتجه في السنوات الأخيرة نحو التعصّب والتطرف.

حول هذه النّقطة سألته عمّا يسمّى بتيّار اليسار من المثقفين الإسرائيليين، إذ إنّ هذا التّيّار لا يعدو أن يكون مجرّد فبركة إعلامية هدفها تجميل صورة الاحتلال، فأوضح رئيس الاتحاد قائلاً: كما أسلفتُ، قوى اليسار في المجتمع الإسرائيلي، باتت ضعيفة، وكأنها تتلاشى شيئًا فشيئًا، لكن واجبنا الوطني والإنساني، أن نتعاون، مع ما تبقى من شظايا اليسار الحقيقي، الذي ينتصر للحقوق الفلسطينية، رغم قلته.

وعلينا أن نحذر من اليسار الغوغائي، الذي يلبس أقنعة الحمام، لكي يموّه الرأي العام، وهو أخطر من اليمين الواضح، لأنه يمّرر أجندات الاحتلال والقمع والتمييز التي يمارسها اليمين، تحت قناع مسالم وجميل.

المحطّة الأخيرة في هذا الحوار كانت حول ضرورة التّواصل بين مثقّفي الدّاخل الفلسطيني، والمثقفين الفلسطينيين في باقي جهات الوطن الفلسطيني، وفي الشّتات، وكذلك حول أهميّة هذا التّواصل مع المحيط الثقافي العربي. عن هذه المسألة يقول الشاعر سامي مهنّا: لقد أسعدنا جدّاً هذا الاحتفاء الفلسطيني والعربي بإنشاء الاتّحاد، فقد تلقينا رسائل دعم من جهات عديدة، ومنها اتحاد الكتّاب العرب في القاهرة، واتحاد الكتاب الفلسطينيين في دمشق، وكان لرئيس الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين في رام الله الشاعر مراد السوداني وزملائه، وأخصّ بالذكر الشاعر عبد السلام العطاري، دور هام في هذا التواصل، على المستويين الفلسطيني والعربي.

قطيعة غير مبرّرة

من المفارقات المؤلمة التي تطرّق الحوار إليها هي تلك القطيعة غير المبرّرة، التي ما زالت قائمة بين مثقّفي فلسطين 1948، والمثقفين العرب، والسبب كما يقول رئيس الاتحاد هو أنّه لا تزال هناك بعض الجهات العربية التي تمتنع عن التّعامل مع كتّاب الدّاخل بحجّة التّطبيع البائسة والبائدة! نحن جزء أصيل من الثقافة العربية المقاومة، يقول الشاعر سامي مهنّا، ويكمل: أودّ هنا أن أتوجّه من خلال هذا اللقاء الكريم، للمؤسسات الثقافية واتحادات وروابط الكتّاب العربية، وجميع الأطر الثقافية الشريفة، أن تتعاون معنا، كاتحاد كتّاب عرب فلسطينيين، يمثّل الشريحة الأوسع من الكتّاب والأدباء في الداخل الفلسطيني، وذلك عبر دعوات للمشاركة في الفعاليات والمهرجانات الأدبية والثقافية في الوطن العربي، وكذلك نتوجّه لوسائل الإعلام العربية المختلفة، أن تضع على أجندتها، تسليط الأضواء، على ما يستحق من المشهد الثقافي في الداخل، لأن هذا التعاون يصّب في المصلحة الوطنية والقومية والثقافية العربية العامّة.

لا بدّ من التّنويه هنا إلى البيان التأسيسي الذي أصدره الاتّحاد، والذي أكّد كتّاب الدّاخل الفلسطيني فيه على عمق الروابط التي تجمعهم مع محيطهم العربي، وممّا جاء في البيان: “يرى الاتّحاد نفسه بتوجّهه الثقافيّ العام جزءاً لا يتجزّأ من المشهد الثقافي الفلسطيني والعربي، وبالتالي العالمي، ولا يحصر قضاياه داخل حدود جغرافيّته الضّيقة، لكنّه يعتبر أنّ لفلسطينيي 1948 واقعاً استثنائيّاً وخصوصيّة مميّزة، ينبغي أخذها بعين الاعتبار.

 ·         شاعر وكاتب فلسطيني من الأردن

 

الاتحاد الاماراتية، الخميس 31.3.11

التعليقات