يوسف إدريس.. تذكرٌ بحنينٍ صافٍ../ بسام الهلسه

لا أعرف المكانة التي يحظى بها اليوم الأديب المصري الراحل، الدكتور يوسف ادريس، ولا التأثير الذي يمارسه منجزه الأدبي على الأدباء العرب الجدد، وبخاصة كتاب القصة القصيرة. وسيكون من دواعي الأسف البالغ أن ينظر إليه، فقط، من زاوية تأريخية تتعامل مع عطائه كقيمة إبداعية، سابقة، عابرة، أدَّت دورها وانتهت مع وفاته في الأول من آب/ اغسطس من العام 1991

يوسف إدريس.. تذكرٌ بحنينٍ صافٍ../ بسام الهلسه

لا أعرف المكانة التي يحظى بها اليوم الأديب المصري الراحل، الدكتور يوسف ادريس، ولا التأثير الذي يمارسه منجزه الأدبي على الأدباء العرب الجدد، وبخاصة كتاب القصة القصيرة. وسيكون من دواعي الأسف البالغ أن ينظر إليه، فقط، من زاوية تأريخية تتعامل مع عطائه كقيمة إبداعية، سابقة، عابرة، أدَّت دورها وانتهت مع وفاته في الأول من آب/ اغسطس من العام 1991.

 

إن كان هذا حادثاً، فسيكون علامة حزينة شاهدة على غياب قوة الاستيراث والاستمرارية الضرورية للأجيال وللحياة عموماً بقدر ما للتجدد والتجاوز من طاقة خلاقة. وهذا ضروري بخاصة للأمم التي تختبر وتواجه تحديات عصيبة تتهددها بالعصف بمقوماتها الوطنية وشخصيتها الثقافية.

 

                         *     *     *

 

لا أضيف جديداً حينما أُؤكد على الدور الكبير والمتميز الذي نهض به يوسف إدريس في إنضاج فن القصة القصيرة في مصر والبلاد العربية التي تعود بداياتها الريادية الى عقود سبقت ظهور أعماله الأولى في منتصف العقد السادس من القرن الماضي. وكان له الفضل في تكريس وتوطيد انقلاب الاتجاه الواقعي النقدي في القصِّ على التقاليد الرومانسية السابقة المتداولة بحمولتها الفائضة من العواطف، وفي تحرير السرد من أثقاله الزاخرة بالانشاء والوصف، ونبذ الثرثرة المجانية والعناية بالإيجاز والاقتصاد في اللغة وتكثيفها. على أنَّ مساهمته الأكبر تمثلت في براعته اللامعة القديرة في تقديم الشخصيات المهمشة، البسيطة، من عمال وطلاب وفلاحين ونساء وموظفين بسطاء، في سياق صبواتهم ومواجهتهم  للمصاير الوجودية والحياتية التي وجدوا أنفسهم مقذوفين فيها.

 

ولا أظن أن قارئاً/ ة لأعماله: "جمهورية فرحات" و"بيت من لحم" و"لغة الآي آي" و"أليس كذلك" و"الحرام"، وغيرها، يستطيع أن يمحو بسهولة الأثر النافذ العميق لها من ذاكرته.

 

أتذكر الآن بحنينٍ صافٍ كيف كنت وزملائي- في منتصف العقد الثامن من القرن الماضي- نتداول بحفاوة خاصة كتب يوسف إدريس حينما كنا طلاباً في الجامعة.. لم يكن وحده بالطبع، إذ كنا نقرأ بنهمٍ لقاصين عرب آخرين ذوي معالم مميزة: غسان كنفاني، زكريا تامر، الطيب صالح، الطاهر وطار، محمد خضير، محمد زفزاف، يحيى الطاهر عبدالله...

 

لكن مكانته، يوسف ادريس، وزكريا تامر أيضاً، كانت الأكثر رسوخاً بيننا، في مجال القصة القصيرة، فيما لم يبدُ لنا متفوقاً في مجالي المسرح والرواية، اللذين كان لهما أساتذتهما الكبار، رغم أنه قدم مساهمات جيدة نالت بشكل خاص اهتمام أشقائنا المصريين وجرى اقتباس عدد منها للسينما.

                         *     *     *

قبل مدة احتفى الروس بذكرى أديبهم الكبير، رائد القصة القصيرة " أنطون تشيخوف". فكتبت حينها مقالة بالمناسبة أدعو فيها العرب إلى الاحتذاء بهذا التقليد المُشرِّف. والأكيد أن هناك الكثيرين من العرب، رجالاً ونساء، في مختلف العصور، وفي شتى المجالات، ممن يستحقون الحفاوة..

 

ولا شك أن يوسف إدريس واحد من بين هؤلاء.

التعليقات