الشوفينيون: سيكولوجيّة المجتمع الأبوي / جاد جمال قعدان*

ربّما يتساءل قارئ عن أسباب حرقتي "كذَكَر" في حديثي عن القضايا والشؤون التي تخص المرأة، وقد يزعم أحدهم يزعم أنني أحاول أن أكون مُخلّصًا أو بطلا... لا، لا.. العيب هو ألّا أعترف بأولويّة أكثر القضايا الانسانية حرجا في عالمنا اليوم.. هو التعاطف الانساني البسيط قد يكون دافعًا كافيًّا لنستيقظ من سباتنا العميق، لقد ظلم مجتمعنا نصفه قرابة انتثي عشرة ألف سنة. لا شكّ بأن الكَيل قد طفح.

الشوفينيون: سيكولوجيّة المجتمع الأبوي  / جاد جمال قعدان*

تعريف بمصطلحات الدراسة:

* نيكولاس شوفان، جندي فرنسي وُلدَ في القرن الثامن عشر، عاصر الثورة الفرنسية وشارك بالعديد من حروب نابليون، خُلّد اسمه بعدما جُرح خلال الحروب عدّة مرّات، ولكنه أصر على القتال لنصرة فرنسا ونابليون، وأظهر تعصّبا كبيرا لوطنه ولقائده؛ بعد موته أصبح مثلاً للتعصّب القومي أو الإثني، فـ "أكرم من حاتم الطائي"، و"أكثر تعصّبا من نيكولاس شوفان".

في وقتنا الحاضر، الشوفينية مصطلح يستخدم عامةً لوصف عنجهيّة الرجُل واستعلائيّته، فالشوفيني هو الرجُل الذي يعتقد أن الذكور يتفوقون على الإناث.

* الامتثال أو الإمَّعيّة: هو تصرف معرّف في علوم النفس الاجتماعية كتصرّف الفرد محاكاة لتصرّف الأغلبية في بيئته، أي التقليد، حتّى ولو كان متيقّنًا من أضرار وسلبيّات هذا التصرف؛ والدافع الرئيسي للإمّعيّة هو خشية الفرد من الشذوذ والاختلاف عن الأغلبية، وحاجته للقبول الاجتماعي (راجع تجربة أش-Asch  عن الإمعيّة).

* سلوك القطيع: هي ظاهرة مُعرّفة في علوم سلوك الأحياء كتصرّف عديم التفكير، أو التخطيط، أو العقلانية للأفراد حين يكونون في جماعة (قطيع). إحدى التجارب رائعة التجسيد لهذه الظاهرة هي تجربة ستيفينسون (1967)، التي أجريَت على قردة من نوع "ريسوس":

وضع الباحثون خمسة قردة في قفص واحد، وفي وسط القفص وُجِد سلّم، في أعلاه وُضعت بعض قرون الموز، وعندما حاول أحد القردة الصعود على السلّم لأكل الموز، قام الباحثون برش القرود المتبقية بالماء البارد. بعد فترة وجيزة تكرّر هذا السيناريو، وأصبح الرد الفوري على أي قرد من الخمسة يحاول تسلق السلم لوصول الموز هو الضرب من البقيّة ومنعه من التسلق، حتى لا يُرشّون بالماء البارد.

بعد عدّة رشّات من الماء البارد، لم يجرؤ أي قرد على صعود السلم لأخذ الموز على الرغم من كل الاغراءات، خوفا من ضرب القرود الأخرى له.

بدء الباحثون بعد ذلك باستبدال أحد القرود الخمسة بقرد جديد كل مرة، فأول ما يقوم به القرد الجديد هو صعود السلم لأخذ الموز، فيُفاجأ بانهيال الأربعة الباقين بضربه وإجباره على النزول، فيتغلب خوفه من الضرب على رغبته بأكل الموز.

هكذا حتى تم استبدال القرود الخمسة الأوائل كلها، بقرود جديدة، وصار في القفص خمسة قرود لم يرش عليهم ماء بارد أبدا، ومع ذلك يضربون أي قرد تسول له نفسه صعود السلم.

سلوك القردة الخمسة الجديدة ملائم لوصف ظاهرة سلوك القطيع، ويطرح تفسيرًا لخوفنا من تغيير الروتين.

* النظام الاجتماعي الأبوي: هو نظام اجتماعي يرتكز على العادات والتقاليد، حيث يشكل أكبر الذكور، أو الأب، أو الأهل، سلطة (مطلقة أو جزئية) على الزوجة، أو الأولاد، وبالأخص الفتيات، ويشكل الأخ كذلك سلطة على أخته.

تشير الأبوية كمصطلح سياسي إلى حكومة مشكلة بأكملها من الذكور، كذلك تشير إلى هيمنة الذكور على الأنظمة الثقافية والاجتماعية، كما يمكن أن يشمل كذلك الألقاب الاسمية التي تُحمل عبر تسلسل الذكور.

* النِّسويّة: هي مجموعة من النظريات الاجتماعية، والحركات السياسية، والفلسفات الأخلاقية، التي تحركها دوافع متعلقة بقضايا المرأة. يتفق النسويون على أن الهدف النهائي هو القضاء على أشكال القهر المتصلة بالنوع الجنسي، ليسمح المجتمع للجميع نساءً ورجالًا بالنمو والمشاركة فيه بأمان وحرية، ومعظم النسويين مهتمون بشكل خاص بقضايا عدم المساوة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، بين النساء والرجال، ويجادل بعضهم بأن مفاهيم النوع الاجتماعي والهوية بحسب الجنس تحددها البنية الاجتماعية.

-------------------------------------------------

ليست فقط أبويّة مجتمعنا العربي هي التي تدفعني للكتابة، فالقشة التي قصمت ظهر البعير كان العنوان بإحدى الجرائد العبرية "הדרת נשים"- "قمع النساء"، على يد المتديّنين اليهود.

لا شكّ في أن طريق الأنثى الطموحة والمتّجهة إلى بناء مسار تعليم وعمل ناجح هو طريق صعب مليئ بالعثرات، فليست فقط العنصرية المتصاعدة المُوجّهة إلينا أقلية عربية في دولة إسرائيل تشكّل صعوبات نفسية واجتماعية على الفرد العربي كفرد، بل أيضًا تعلو رايات العنصرية الجنسية الموجّهة للأنثى، الشوفينيّة الذكوريّة، التي تنادي بتذويت فوقيّة الذكر على الأنثى، والتي بدورها تشكل صعوبات نفسية واجتماعية إضافية على المرأة والفتاة.. لذا فإن الإناث العربيّات يواجهن مصاعب مُزدوجَة، كعربيّات، وكإناث.

أنا أقول "لا تبك كالنساء" إذاً أنا موجود – إمّعات الذكوريّة:

نتساءل عن مصدر مصطلحات وتشبيهات تحقيرية للأنثى مثل "لا تكن ضعيفًا كالنساء"، أو "عارٌ فإنّ الرجال تأنّثت"، أو جُمَل تدُل على تبعية الأنثى للرجُل مثل "بتسمح لأختك تعمل هيك؟"، والكثير غيرها. ما هي الأسباب التي تدفع الفرد البسيط، من كافة المستويات الثقافية، بالتفوّه بجُمَل تخبئ فرضيات ضمنية تدعي بأنّ الإناث رمز الضعف، السطحيّة، الكَيد أو غيرها من الصفات السلبية؟

رغم أن هنالك عوامل عديدة تؤدي إلى تشكيل تفكير جمعي تحقيري للنساء، إلا أن المحرّك لأغلبية هذه العوامل هي ظاهرة الامتثال،
إذ أن رغبة الفرد للقبول الاجتماعي قد تكون دافعا قويا جدا للتصرّف
، فبحسب عالم النفس ماسلو، يمثل القبول الاجتماعي الحاجة الأهمّ بعد الطعام والأمن، ووبهذا المفهوم، فإن الحاجة تدفعنا لإسعاف أنفسنا بتصرفات عفوية، وتقليدية، وغير أخلاقية أحيانًا، من أجل إثبات ولائنا للجماعة التي ننتمي إليها، أي أن نتّخذ الإمّعية نهج حياة.

حين يكون المجتمع أبويًّا، نتوقّع، وبحسب تأثير الإمّعيّة، أن يكون التصرّف الداعم والمثبّت الشائع لهذا النظام، طريقة سهلة وناجحة للقبول الاجتماعي، لذا فإن الشوفينية الذكورية هي إحدى الوسائل الفعّالة لغاية رفع مكانة الفرد في المجتمع الأبوي، وهذا تفسير لانزلاق الجمع في منحدر تحقير النساء.

الامتثال والرغبة في القبول الاجتماعي وحده لا يفسّر نشأة الشوفينية الذكورية، بل هو يفسّر انتشارها أكثر فأكثر، وتعميقها في المجتمع المنظّم أبويًّا مسبقًا.

الإمّعيّة هي ظاهرة شائعة في جميع المُجتمعات غير الناقدة وغير المفكّرة، أكان أبويّا أم غير أبويّ، فلو كان التفكير الجَمعي نِسويا لكان تأثير الإمعيّة  لصالح الأفكار النِسويّة أيضًا.

سلوك القطيع قد يفسر وصول هذه العادات والتقاليد القمعية إلينا اليوم.

ممارسو سلوك القطيع لا يدركون أسباب تصرّفهم هذا، تمامًا كالقردة في تجربة ستيفينسون، فحين نسأل عن التفسير العقلاني لتحقيرهم المبطن للإناث، فسنحصل على الإجابة المُعتادة والمُكرّرة على أفواه غالبيتهم الساحقة، وهي الادعاء بأن الفوارق البيولوجية بين الأنثى والرّجُل تُحتّم فرض أدوار مختلفة لهم في المُجتمع، فالأنثى ضعيفة وحساسة، ولذلك فإنها ستبقى في البيت لتعتني بالنسل، والذكَر القوي والقائد سيذهب ويجلب الأموال والطعام.. هذا الادعاء بعيد عن العقلانية لا، بل إنه ليس أكثر من ترديد ببغاواتي مُكرَّر غير نابع من تفكير ودراسة، بل من التقليد وسلوك القطيع.

لقد كانت النساء في الماضي مكلّفة بجمع الغذاء وبالأعمال الشاقّة، تمامًا مثل الرجال، وأكثر أحيانًا، وحتى لو افترضنا صحة الادعاء القائل إن الرجال أقوى بنيويا من النساء (وهو ليس كذالك، فهنالك بعض القبائل التي تقوم فيها النساء بأدوار المقاتلين أو الصيادين، وهذا دليل على وجود جدل ما في الموضوع)، حتى لو صح ذلك، فمن غير الأخلاقي أن نستعمله مبررًا لفرض قوانين اجتماعية تسحق الأنثى، وتقهرها، وتحدد حرياتها وإمكانيات تقدمها كإنسان قبل أن تكون أنثى.  

مثال توضيحي لفارق بيولوجي بين مجموعتين رُفض أن يكون مبرّرًا للاضطهاد وللقهر: لقد وُجد فارق ملحوظ في مستوى الذكاء (بحسب معدّل نتائج امتحان الـ IQ) بين الأمريكيين البيض والأمريكيين من أصل إفريقي، لصالح البيض، ولو أردنا أن نحتذي بمبدأ التفرقة على أساس فروق بيولوجية، لكان شرعيا بالنسبة للبعض مثلًا، فصل المؤسسات التعليمية فصلًا عرقيًّا، ولطرحنا قوانين خاصّة تقول إن هنالك وظائف خاصة لا يمكن أن يشغلها إفريقيو الأصل، لأنهم أقل ذكاءً من البيض. ولو اقتُرح هذا فعلًا في الولايات المتحدة اليوم، لنشبت عاصفة اعلامية وسياسية عنيفة، ولاتُّهم دعاة ذلك بالعنصرية القبيحة.

مثال تاريخي آخر حول الأخذ بالفروق البيولوجية مبرّرًا لسن قوانين اجتماعية وأخلاقية، هو نشأة النازية في ألمانيا في سنوات العشرين.

تقول عالمة الأحياء والمناضلة النسوية، إستيل رامي: "من قيَّد وسحق الأنثى على مرّ العصور هو ليس المبنى الفيسيولوجي، بل إنّهم الذُكور"، وتقول المحامية الناشطة من أجل حقوق الإنسان والمرأة، فلورنس كينيدي: "هي وظائف قليلة حقًا التي تتطلّب عضوًا تناسليًّا ذكريًّا أو أنثويًّا، بقيّة الوظائف يجب أن تكون مُتاحة للجميع".

بما أن الإمعية وسلوك القطيع ليست إلا نتائج لفشل التربية في إنتاج مجتمع ناقد ومفكر، ولأنها ظواهر تثبّت وتقوي ما هو موجود مسبقًا، فسنضطر إلى البحث عن جذور ونشأة المجتمع الأبوي في تاريخ الشعوب، كون الإمعية تقوّيه وتثبّته.

الجذور التاريخية للنظام الأبوي

12,000 سنة قبل الميلاد، هي النقطة الزمنية التي بدأ فيها البشر بالانتظام في مجموعات صغيرة، وهذا أدى إلى خلق قوانين اجتماعية جديدة: قُسّمَت هذه المجموعات إلى صيادين وقاطفين (جامعين)، مجموعة الصيادين كانت بالأساس مكونة من الذكور الذين يخرجون للصيد، ومجموعة الجامعين كُوّنت من الإناث اللاتي يجمعن الثمار؛ وفي المبنى الاجتماعي هذا، شغل الجنسان كلاهما أدوارا هامّة في بقاء المجتمع، وساهم كلاهما كذلك في نجاحه وتقدمه.

10,000 سنة قبل الميلاد، ظهرت الزراعة في المجتمعات البشرية، وبدأت بذلك نقطة التحول من عهد مجتمع الصيادين-الجامعين، إلى عهد المجتمع الزراعي؛ ولاحقًا، في فترة 4000 سنة قبل الميلاد، ظهرت في المجتمع البشري الزراعي اكتشافات واختراعات هامة، منها تعرُّف البشر على استعمالات المعادن، واختراع العَجَل، الخ.

الانتقال إلى المجتمع الزراعي أدّى إلى وفرة أكبر في الطعام وتسهيل المعيشة، مما كان دافعًا لارتفاع معدل النسل في العائلة بشكل ملحوظ، وهو ارتفاع جعل المرأة تضطر إلى البقا في البيت وقتا أكبر لكي تعتني بالأطفال، كما أدى إلى مضاعفة المجهود المبذول منها في أعمال البيت.. ذلك يعني أن الدور الأساسي الذي شغلته المرأة في المجتمع الزراعي هو الاعتناء بالنسل، تماما كما شغلت دورا أساسيا في المجتمع السابق (مجتمع الصيادين والجامعين)، ألا وهو دور الحفاظ على البقاء.

نقطة الانتقال هذه ما بين مجتمع الصيادين – الجامعين والمجتمع الزراعي، تشكل بداية نشأة المجتمعات الأبوية المظهدة للمرأة، وقد تطور ليصبح أسوء بعد ذلك فيما يتعلق بأدوار المرأة وبالتالي حقوقها في المجتمعات، إذ أن العديد من هذه المجتمعات منعت المرأة من التملّك، وسمحت للرجُل الزواج من أكثر من امرأة واحدة، حتّى أن سنّ الملك البابلي حمورابي (1750 قبل الميلاد)، قانونا برمي الزوجة في النهر إذا لم تطع زوجها.

نفيد مما تقدم أن النقلة النوعية في التعامل مع المرأة مع نشوء المجتمع الزراعي، تعتبر استحداثا أو اختراعا ثقافيا واجتماعيا، ولا تعبر عن ضرورة بيولوجية حقيقية متجذّرة في الجنس البشري.

حين تخطّى الرجُل حاجز الجوع، تفرّغ لغريزة أخرى، ألا وهي التكاثر؛ فبحسب نظرية التطوّر وعلم النفس التطوّري، فإن الذكر يحتاج دوما إلى نثر خلاياه المنوية وضمان استمرارية نسله، لذالك فقد كان اعتقال المرأة في البيت حلاً ناجعًا لمسألة بقاء النسل والحفاظ عليه، كما  أنّ تحديد حرية المرأة في التنقل هي طريقة جيّدة للتيقّن من هويّة النسل أيضًا.. وبمساعدة عوامل أخرى كالتشريعات والديانات وغيرها، نجح الرجُل في إخماد محاولات تمرّد النساء على هذا النظام.

 مع مرور الوقت، ازداد وضع النساء سوءًا، فنجد أن اليهودية قد عاقبت المرأة بشدّة على "إغرائها" للرجل وحرفه عن "السراط المستقيم"، كما فُرضَ الغطاء على النساء بأماكن عديدة في العالم، وذلك في إشارة إلى تبعيتها للزوج أو الأب، وظهرت أفكار مثل أن المرأة لا تدخُل الجنّة في بعض الديانات القديمة، كما أنها أصبحت رمزًا للعار كذلك، فظهرت ظاهرة وأد البنات مقابل الاحتفاء بالمواليد الذكور، كما اعتُبرت المرأة رمزا للخطايا والجنس، وذلك لقدرتها على إغراء الرجُل وتضليله.

في معظم المجتمعات ظل النظام أبويا حتى نهاية عصر التنوّر بأوروبا في القرنين الثامن والتاسع عشر وبعد الثورة الصناعية، حين ظهرت الحركات النسويّة المناضلة من أجل حقوق المرأة المدنية، وكرامتها، ومكانتها الاجتماعية.

يقول الكاتب لويس واين: "علّم المجتمع الرجال أن يعتذروا لضعفهم، والنساء أن تعتذرن لقوّتهنّ."

أكثر أهل النار من النساء – الديانات والمرأة

"لم كلّ هذا الكره تجاه النّساء؟ كلّ شيء يحدث لدى المتزمّتين كما لو أنّ الاختلاف الجنسيّ مرض مخجل، كما لو أنّ الأنوثة تخفي خطرا غامضا، يكون الموت أفضل منه ألف مرّة. لا يخاف الأصوليون الطّاهرون المتصلّبون من الموت: إنّهم يخافون من المرأة." – فرانسوا بيرو.

تُجمع الديانات السماوية الثلاث، على أن المرأة (والتي خُلقت المرأة بحسبها جميعا من ضلع الرجُل) هي السبب في إبعاده عن فردوسه الأصلي، وتمثّل المرأة في بعض الروايات الدينية الخطيّة، الإغراء والكيد.

لا شكّ أن هنالك فضائل تُذكر لبعض الديانات في تطرّقها للمرأة في مراحل ظهورها التاريخية، ولكن لا شكّ أيضا أنّها حين تُقاس بمعايير العصر تفشل فشلاً ذريعًا عند الحديث عن تصوراتها حول قضيّة المرأة.

تنُص الديانات السماوية على منح القوامة، أي الكلمة الأخيرة، للرجل، وبحسبها فإن شروط تطليق الرجُل للمرأة أسهل من شروط تطليق المرأة للرجل، كما أتيح أيضًا تعدّد الزوجات ولم يُتح تعدّد الأزواج، إضافة إلى أن رجال الدين أوصوا على منع النساء من شغل وظائف قيادية مؤثّرة كالقضاء، والولاية، والحكم، وسُمح للرجال استخدام الضرب لتهذيب الزوجة.

في الديانات التي سمحت للمرأة أن تشهد أمام القضاة، كانت شهادتها تساوي نصف شهادة الرجُل، وفي الديانات التي اعترفت بحق الأنثى بالتملّك، كان حظ الرجُل في الوراثة "مثل حظ الانثيين".

ظهرت هذه الديانات كلها في المجتمعات الزراعية، التي كان النظام فيها أبويًّا، لذالك فقد لاءمت نفسها لهذه المجتمعات، أما اليوم، فإنّ معدّل الولادة في الكثير من المجتمعات، ومن بينها مجتمعاتنا العربيّة، قد قلّ، وقد أصبحت المرأة تشغل وظائف أكثر تنوّعًا من الماضي.

طرأت تغييرات كبيرة وجذريّة على حياة البشر الاجتماعية في القرن الأخير، هذه التغييرات كالعولمة وتقدّم التكنولوجيا، قد تحتّم تغيير أو تبديل قوانين اجتماعية قديمة لتتلاءم مع متطلّبات العصر.

 تذويت القهر – نساء ذكوريّات

بحسب دراسة احصائية اجريت على المجتمع الفلسطيني، فإن 27.9% من النساء توافق على ضرورة ضرب الزوجة من زوجها إذا ما خرجت من البيت بدون موافقته؛ و10.5% توافق على ضربها إذا لم تُحضّر الأكل في الوقت الملائم!

نرى العديد من النساء أو الفتيات مطأطآت الرؤوس في الشارع، أو أخريات يخجلن أو يخشين من تقلد المناصب الإدارية أو المؤثرة، أو من تدافع عن عدم عرضها صور وجهها على الشبكات الاجتماعية الالكترونية، فقط لأنها تخشى تشويه سمعتها، وأخرى تهاجم، وبشراسة، إناثا غيرهن "تجرأن" على القيادة، والشموخ، والبروز، وهناك أمثلة عديدة ومتنوعة في مجتمعنا تدلل على درجات متفاوتة من الشوفينية والذكورية لى النساء أنفسهن.

إنها ظاهرة معروفة اجتماعيا ونفسيا، أن يقوم أفراد المجموعة المقهورة أو المضطهدة، بتطبيق طرق اضطهاد المجموعة القاهرة على نفسها، وبتذويت الأفكار السلبية التي تروّج لها المجموعة الخارجية عن المجموعة الداخلية؛ فحين تذوّت المرأة هذا القهر، وتتبنّى السلبيى التي تروّج عنها، فإنها تصبح أحيانًا أكثر ذكوريّة من الذكور أنفسهم.

إفشال النساء لأنفسهنّ ولنساء أخريات، هي فعلاً ظاهرة غريبة، ولكنها منتشرة جدًّا في المجتمعات الأبوية.

وفقا لدراسات أجريت، فإنّ الخطّة الأنجع لإبطال تأثير تذويت القهر في المجموعة، هو العمل على تقوية وتثبيت هوية هذه المجموعة المقهورة.

وفي حالتنا هذه، التي تقوم النساء فيها بتذويت الشوفينية الذكورية، فإن الطريقة المُثلى للتعامل مع هذا الوضع، تكون في نشر شعارات تدعو المرأة أن تفتخر بنفسها وبأنثويّتها، وأن لا تخجل بهويّتها الجنسيّة.

تقول مادلين أولبرايت، أول وزيرة خارجية أمريكيّة: "ثمّة مكان مخصّص في جهنّم للنساء اللاتي لا تساعدن نساء أخريات."

رجُل نِسوي أم رجُل إنساني؟

العنف العائلي ظاهرة شائعة جدا، وبحسب الاحصائيات، فإن 61.7% من النساء المتزوجات في منطقة فلسطين تعرّضن للعنف أو المضايقة النفسية، و23.3% تعرّضن للعنف الجسدي، وهنالك بعض المؤشرات التي تدل على أنّ العلاقة الزوجيّة مُتّجهة نحو العنف مستقبلاً، منها:

- استعمال التهديدات بكافة أنواعها وأشكالها.

- المضايقة والتنكيل النفسي.

- تحقير الأنثى والعمل على إشعارها بالفشل.

- السيطرة على اهتماماتها، عملها، طريقة لباسها، الخ.

- استخدام الغيرة كتبرير لفرض السيطرة.

- ستغلال الأولاد لتمرير الرسائل أو لفرض قوانين غير متفق عليها.

- التهديد بإبعادها عن الأولاد.

- الاستبداد في صنع القرارات.

- منعها من العمل أو تصعيب ذالك عليها.

- سلب معاشها والتصرف به.

- التضييق عليها لكي تطلب المال.

- عدم إشراكها بمعلومات عن دخل العائلة والوضع المادي.

مؤشرات تدل على صحية العلاقة بين الزوجين:

- إتاحة التعبير عن الرأي وعن المشاعر براحة وأمان.

- الاستماع إليها بدون إنتقادات.

- تقوية هويتها ودعمها عاطفيا.

- دفعها لتحقيق ذاتها ولتحقيق أهدافها في الحياة.

- احترام حريتها في اختيار الأصدقاء والأطر الاجتماعية.

- الاعتراف بالأخطاء.

- الاشتراك في التربية ومهمّات البيت.

- صنع القرارات المصيرية معًا.

- قبول فكرة التغيير والتنازل.

- البحث عن الرضا المشترك.


وأخيرا: ربّما يتساءل قارئ عن أسباب حرقتي "كذَكَر" في حديثي عن القضايا والشؤون التي تخص المرأة، وقد يزعم أحدهم يزعم أنني أحاول أن أكون مُخلّصًا أو بطلا... لا، لا.. العيب هو ألّا أعترف بأولويّة أكثر القضايا الانسانية حرجا في عالمنا اليوم.. هو التعاطف الانساني البسيط قد يكون دافعًا كافيًّا لنستيقظ من سباتنا العميق، لقد ظلم مجتمعنا نصفه قرابة انتثي عشرة ألف سنة.

لا شكّ بأن الكَيل قد طفح.

 

مصادر رئيسيّة:

Palestenian National Society – Domstic Violence Servey (2006).

Family Violence and Religion, Volcano Press, 1995.

Gender in World History, N. Stearns (2000), London, England.

 

 

* جامعة تل - أبيب.

التعليقات