محمد مرسي هو المَلِك / دعاء حوش

قد لا يُذكرني محمد مرسي في القصر الجمهوري بالرئيس السابق حسني مبارك، لكنه لم يستطع إلا أن يعبث بذاكرتي ليذكرني بمسرحية السوري سعد الله ونّوس "الملك هو الملك"!

محمد مرسي هو المَلِك / دعاء حوش

 

قد لا يُذكرني محمد مرسي في القصر الجمهوري بالرئيس السابق حسني مبارك، لكنه لم يستطع إلا أن يعبث بذاكرتي ليذكرني بمسرحية السوري سعد الله ونّوس "الملك هو الملك"!

تظهر لنا في سياق المسرحية شخصية واهية ضعيفة تدعى "أبو عزّة"، حَلُمَ وهمًا أن يصير ملكًا لينتقم من الحاشية التي سلبته أمواله وكرامته؛ ذات ليلة، وحين أراد الملك الحقيقي أن يلهو مستهترًا بردائه ومنصبه وأن يتنكر بزي شيخ بسيط ويمنح أبو عزة الرداء الملكي، فيستيقظ في اليوم التالي ملكًا على الرعية نفسها ليضعنا أمام مفارقة غير متوقعة.. "أبو عزة" ملكٌ عَرَف كيف يقبض على بلطته ليمنع اللعب والوهم والحلم في المملكة!

وإن اختلفت المسميّات والإحداثيات، بقيت حالة تلاشي النوايا والمصالح وانقلابها، بطلة الأدوار كلها على هذا المسرح السياسي العظيم، المَلك هو المَلك و"أبو عزّة" الذي أجهده الفقر والصراع الطبقي مع الملك وحاشيته.. تبددت ملامحه مع الريح حين أثقل الرداء الملكي كتفيه، وصلّبت شرايين كفه ضغطة واحدة على الصولجان، ليعيدانني ونوّس ومرسي معًا إلى حقيقةٍ تعجّ بالخيبات، إلى كون الهمّ مقترن بالحالة والظّرف، وإن كان الفارق بين الأول والجديد ليلة وضحاها!

الملك هو الملك والإنسان هو الإنسان، ذلك الذي حمل في صدره عداوات شتى للقهر، والذل، والفقر، وسيطرة الخاصة على العامة، وحقد العامل على البرجوازية العسكرية المعاصرة، ووسائل الأمن المتفشية بين الأحياء والبيوت، تُرسَّخ كلها بلا استثناء حين يرتقي الفرد ملكًا لحماية العَرش، فلا يُصبح الإمام طه عدوًّا منافقًا متملقًا ما دام يخطب في الناس اتقّاء الملك وطاعةً له، ويدعو له حُكمًا لا يُقهر، وعرشًا لا يزول، وأمّةً بلا نهاية تردد وراءه آمين، ولا يكون شهبندر التجّار مخادعًا أو ماكرًا ما دام يُنافس بين الناس منافسة "نظيفة"، بمعنى أنها لا تمس تجارة الملك وأمواله وإن احتال على الناس أجمعين بعدها..

وما أشبه الإمام طه والشهبندر بالقوى الإمبريالية العالمية التي تعرف كيف تحمي العرش وتبرع في سحق الشعوب..

الملك -في هذه الحالة- هو الملك.. والدستور أرستقراطية حديثة مرسّخة أيضًا لحمايته، والديمقراطية تضحي مادة تجميلية لفرض الاختلاف بين القديم والحديث، والوَسَط المُنتخب منه الرئيس يمسي جوهرة الانبهار بالجدلية ما بين العقل والعاطفة، متماشيًا مع مسميات البساطة في الحكم أو حُكم البسيط!

تمامًا كما جعلنا ونّوس نعتقد للوهلة الأولى أن وجود "أبو عزّة" في الحكم سيشكل انقلابًا على سير الحياة في منطقته، وأنه سينصر أمثاله من عامة الشعب، أو من كانوا أمثاله في الأمس، لكننا وجدناه يتنكر لكل هذه الأوجاع حتى عندما مثلت زوجته وابنته أمامه شاكيتان له ظلمًا ألمّ بهما، كان هو بذاته أول من تجرّع كأس مرارته حتى مساء البارحة!

رحم الله سعد الله ونّوس ولا أدام المَلِك!

التعليقات