عن الموءودات التي أحياها د. إلياس عطا الله../ مها سليمان

ولأوّل مرّة أجد كاتبًا لا يرى في ازدواجيّة العربيّة "معرّة ولا نقيصة"، كما فعل ويفعل الكثيرون، ويتعامل مع الفصيحة والمحكيّة بنفس المحبّة ونفس الأهمّيّة، فهو يعتبرهما "في البدء وفي المنتهى غاليتان أُرضعتا بلبان"، لذلك نجده يسعى، من خلال الكتاب، إلى البحث عن المشترك بينهما من باب التقريب وتضييق الفجوة، كما يقول في المقدّمة

عن الموءودات التي أحياها د. إلياس عطا الله../ مها سليمان

كنت قد تابعت مقالات كتاب "وإذا الموءودة سُئلت" للدكتور إلياس عطا الله، عندما نشرها  في أسبوعيّة فصل المقال، ولم أفوّت مقالة واحدة. شُغفتُ بها وانتظرتها وأدمنت على قراءتها، ولا أبالغ إذا قلتُ إنّها كانت من الدوافع التي جعلتني  أقتني الصحيفة. أذكر  أنّ هذه المقالات كانت لقائي الأوّل مع اسم إلياس عطا الله. ومنذ ذلك الوقت سعيتُ دائمًا لمتابعة ما يكتب، والتحقتُ بجميع دورات اللغة العربيّة التي درّسها في جمعيّة الثقافة العربيّة، والتي كسبتُ منها ما لم أكسبه خلال تعليميّ الجامعيّ. وعندما صدر الكتاب، سارعتُ إلى شرائه، ثمّ وضعتُه على أحد رفوف المكتبة، ونسيتُه كعادتي.

قبل أيّام أطلّت علينا، عبر الفيس بوك، صفحة الدكتور إلياس عطا الله التي التقيتُ من خلالها  مجدّدًا كتاب "وإذا الموءودة سُئلت"، الأمر الذي دفعني للبحث عنه في مكتبتي والعودة لقراءة نصوصه. وهأنذا أعود اليوم إلى اكتشاف ما يحتويه الكتاب من كنوز لغويّة وأدبيّة كادت تفوتني متعة الغوص فيها والاستفادة منها. كلّ مقالة في الكتاب هي لوحة جماليّة تعبّر عن فكر ولغة أديب وفنّان عشق العربيّة، فعشقَتْه وسلّمته  زمامها مطمئنّة إلى أنّه سيحمل الأمانة، ولن يفرّط فيها، بل إنّه سيزيد من عشّاقها والفخورين بالانتماء إليها.

تتطرّق بعض نصوص الكتاب إلى عادات وتقاليد بعضها عاشها آباؤنا، والبعض الآخر عشناها نحن  في طفولتنا، وإلى أمثال شعبيّة من تراثنا أحياها  الكاتب بلغته الموسيقيّة، وخفّة ظلّه وسرده السلس الذي ينساب بجمال ينبع من أصالة وانتماء. كما تفتح بعض نصوص الكتاب نافذة على أجمل الأغاني التي طربنا لها  وأحببناها وعشنا  كلماتها وروعة ألحانها، وباتت من الموءودات التي كدنا ننساها، فأحياها الكاتب في وجداننا، من خلال التأكيد على بساطة مضمونها ولغتها التي تحوي الكثير  من المفردات الفصيحة التي ظُلمت، فسعى الكاتب إلى إحيائها، لنكتشف جمالها من جديد.

ولأوّل مرّة أجد كاتبًا لا يرى في ازدواجيّة العربيّة "معرّة ولا نقيصة"، كما فعل ويفعل الكثيرون، ويتعامل مع الفصيحة والمحكيّة بنفس المحبّة ونفس الأهمّيّة، فهو يعتبرهما "في البدء وفي المنتهى غاليتان أُرضعتا بلبان"، لذلك نجده يسعى، من خلال الكتاب، إلى البحث عن المشترك  بينهما من باب التقريب وتضييق الفجوة، كما يقول في المقدّمة.

ليتني ما زلتُ أعمل في التدريس، كي أُدرّس تلامذتي من نصوص هذا الكتاب، والتي يمكنهم أن يتعلّموا من خلالها الكثير؛ معنى الانتماء، تعرُّف التراث والأمثال الشعبيّة، الفخر والاعتزاز  بما نملك من ذاكرة جماعيّة وذكريات، التسامح، ونبذ الطائفيّة، هذه العناوين التي يكرّسون لها في المدارس أيّامًا منفصلة، يدعون فيها الضيوف من الأهالي والمفتّشين، كي يُعلنوا أنّهم أصحاب مدارس فعّالة ونشيطة. من خلال هذه النصوص، نكسب تلاميذنا الذائقة الفنّيّة وجمال العبارة والشاعريّة. أمّا عن لغة الكتاب التي تخاطب العقل وتدغدغ الأحاسيس والمشاعر، فحدّث ولا حرج؛ إذ إنّ تزاوج الفصيحة والمحكيّة في مقالات الكتاب من شأنه أن يزيد اعتزاز طلّابنا بعربيّتهم التي سيشعرون أنّها جزءٌ منهم، وأنّهم جزء منها.

 أيقظ الدكتور إلياس عطا الله في مقالات هذا الكتاب مشاعر الحنين والذكريات الجميلة التي تجمع أبناء الشعب الفلسطينيّ بجميع أطيافه وطوائفه، وزادَنا عشقًا لعربيّتنا وعروبتنا. لا حرمَنا الله من عطائه وإبداعاته!

التعليقات