أمل مرقص والعدمية القومية في دولة اليهود../ رامي منصور

الأممية ليست غناء أشعار توفيق زياد في تل أبيب، ولا إلغاء الخصوصية، وإنما أن تحمل قيما إنسانية أو حتى تتحمل النقاش والرأي الآخر في برنامج تلفزيوني، وإلا أصبحت أممية شوفينية

أمل مرقص والعدمية القومية في دولة اليهود../ رامي منصور


استضاف برنامج "نظرة من الداخل" في تلفزيون فلسطين الفنانة أمل مرقص (حزب شيوعي) والمربي الفاضل تميم منصور (تجمع سابقاً)، والمحامي والناشط السياسي سامح عراقي (حزب شيوعي) لمناقشة "أي مجتمع نريد". الحلقة كانت مملة بعض الشيء لأن الجميع كانوا متفقين على أننا نريد مجتمعاً متنوراً إلخ...

لكن القنبلة انفجرت عندما دعا تميم منصور إلى بناء مؤسسات قومية للمجتمع العربي في إسرائيل، تحافظ على هويته القومية والثقافية. وهي فكرة ليست جديدة. لكن هذه الدعوة لم ترق للفنانة الملتزمة، ورفضت هذه الفكرة بالقول إن للدولة مؤسسات ولسنا بحاجة لمؤسسات أخرى! المحامي يترافع في محاكم إسرائيلية (نسيت المحاكم الشرعية). أفتت بهذه السهولة والسطحية بأننا لسنا بحاجة لهذه الفكرة، وحذرت من أن هذا يقود إلى دولة داخل دولة. مرقص كادت أن تنفلت على المربي الذي دخل عقده السابع لمجرد مطالبته بمؤسسات قومية، وهو سلوك استصالي ستاليني.

مرقص ليست غبية. مرقص تمثل تيارا قديما داخل الحزب الشيوعي رفض في الستينيات والسبيعنيات بناء مؤسسات قومية بدعوى أنها انفصالية، والدافع كان مبدئياً أممياً. لكن، منذ ذلك الحين تبدلت الدنيا وتغيرت، إلا مرقص.

الحزب الشيوعي حذر دوماً من العدمية القومية وتباهى بصونه للغة العربية والهوية الثقافية للعرب هنا، وهذا صحيح، لكن العداء لفكرة المؤسسات القومية لدى مرقص هو من بقايا ذاك التيار (عصام مخول ما زال متمسكاً به حتى اليوم) والذي يقود حتماً إلى العدمية القومية. ميرا عوض أكبر مثال على ذلك، وهي ابنة شيوعي عريق. رسوب طلابنا في امتحانات اللغة العربية وخلطهم العربية بالعبرية دليل آخر. عدم وجود صحافة وإعلام بمستوى فوق المتوسط دليل ثالث لأن الغالبية درست الصحافة في كليات عبرية. الأمثال كثيرة.

فكرة الحكم الذاتي الثقافي هي فكرة شرعية لبناء مجتمع متنور يحدد مناهجه التربوية أبناؤه وليس رجال مخابرات، بناء جامعة عربية تكون دفيئة لتمنية قيادات سياسية واجتماعية وحركة طلابية وطنية هي ليست تطرفاً قومياً كما ترى مرقص.

أمل مرقص تغنى على موالها، ولا تدرك أن الشعب صار من أمامها في طرحه وممارساته. إسرائيل ليست دولة اشتراكية أممية كي تمثل مؤسساتها كل المواطنين وحتى ننخرط فيها. نتعامل معها مضطرين.

بناء مجتمع على مبادئ إنسانية وقيم كونية وقاعدة قومية (ليس طائفية أو عشائرية) ليس تطرفاً قومياً. معاداة الطرح القومي التنويري هو عنصرية أو شعور بالنقص تجاه الآخرين. الأممية ليست غناء أشعار توفيق زياد في تل أبيب، ولا إلغاء الخصوصية، وإنما أن تحمل قيما إنسانية أو حتى تتحمل النقاش والرأي الآخر في برنامج تلفزيوني، وإلا أصبحت أممية شوفينية، وهي كذلك.

التعليقات