قراءة في كتاب "عين على سينما المرأة الفلسطينية" / عباد يحيى

بطبعة أنيقة ودفتين تحويان 271 صفحة، تقدم مؤسسة "شاشات" لسينما المرأة كتاب "عين على سينما المرأة الفلسطينية" ليضاف إلى العدد اليسير من البحوث التي تتناول السينما في فلسطين أو السينما الفلسطينية، ويأخذ الكتاب موقعه المميز كونه يتناول "سينما المرأة الفلسطينية"، وهذا جانب تشح الدراسات فيه وحوله فلسطينيا، وليقدم للقارئ العادي وللإعلامي والباحث في العلوم الإنسانية إضاءة مميزة على جهد مؤسسة "شاشات" ضمن مسار السينما الفلسطينية وسينما المرأة تحديدا.

قراءة في كتاب

بطبعة أنيقة ودفتين تحويان 271 صفحة، تقدم مؤسسة "شاشات" لسينما المرأة كتاب "عين على سينما المرأة الفلسطينية" ليضاف إلى العدد اليسير من البحوث التي تتناول السينما في فلسطين أو السينما الفلسطينية، ويأخذ الكتاب موقعه المميز كونه يتناول "سينما المرأة الفلسطينية"، وهذا جانب تشح الدراسات فيه وحوله فلسطينيا، وليقدم للقارئ العادي وللإعلامي والباحث في العلوم الإنسانية إضاءة مميزة على جهد مؤسسة "شاشات" ضمن مسار السينما الفلسطينية وسينما المرأة تحديدا.

قصة ولادة "شاشات"

يمثّل تقديم الدكتورة علياء أرصغلي، مدير عام مؤسسة "شاشات" ومؤسستها للكتاب؛ شهادة نادرة عن إنشاء وإدارة واحدة من أهم المؤسسات السينمائية في مناطق السلطة الفلسطينية إن لم تكن أهمها على الإطلاق، وتبدأ هذه الشهادة من فترة الازدهار الكبير للعمل الثقافي مؤسسيا بعد إنشاء السلطة الفلسطينية وحتى اليوم، ويمتزج فيها التصور الشخصي الذاتي للحالة الثقافية في تلك الفترة وصولا إلى إنشاء شاشات في العام 2005، مع الأجواء العامة الناظمة للعمل الثقافي والسينمائي، ويمكن القول إن هذا التقديم الذي يتسم بالمباشرة والوضوح ويحمل سمات السرد الذاتي، هو شهادة أيضا عن دور الخبرات والطاقة العائدة بجهد دولي وتنسيق مع السلطة الفلسطينية، وفهم صاحبة الشهادة لطبيعة العمل الثقافي والسينمائي في واقع مركب تديره السلطة الفلسطينية وتموله أموال المانحين والممولين ويخضع لشرط احتلالي.

ويكتسب التقديم أهمية مضاعفة كونه لمخرجة فلسطينية عربية وأكاديمية وباحثة لها إسهامها وموقفها من الإنتاج السينمائي العربي، وتحديدا المتصل بقضايا المرأة والذي تتولاه مخرجات، ويمكن القول إن قصة ولادة "شاشات" كما تسردها أرصغلي تحمل الوجه الواقعي لمجمل النقاش النظري عن سينما المرأة وثنائية النسوي والوطني، ومغادرة الأدوار التقليدية للمرأة ورفضها، ومحاولة تغيير الواقع وعلاقة السينما بواقع مجحف بحق المرأة.

سياق تاريخي للسينما الفلسطينية ودورة المرأة فيها

ينسجم الجزء المعنون بـ "لمحة تاريخية حول السينما الفلسطينية ودور المرأة فيها" في الكتاب مع مجمل الأعمال التحقيبية التي حاولت رسم مسار السينما الفلسطينية وتطورها، وخلق اتصال تاريخي لحركة سينمائية عاشت في واقع شديد التقلب والتغير، بدءا بميلاد السينما الفلسطينية على يد الأخوين لاما وصولا لمرحلة "الصمت والتهجير"، التي رافقت النكبة وما بعدها حتى الوصول إلى مرحلة الثورة، والتي اقترنت بتأسيس السينما الوطنية على يد فصائل العمل الوطني واتسمت بطابع تسجيلي توثيقي كما يرى كاتب الفصل زياد عثمان، إلى جانب أهدافها الإعلامية والصحفية والتي ظهرت غالبا كجهد تعبوي، ولعل أهم ما يميز تلك الحقبة – حسب الكتاب - هو إسهام المخرجة سلافة جاد الله (والتي أطلقت شاشات اسمها على جائزة مهرجانها السنوي)، وتأسيسها لحضور المرأة الفاعل في السينما الفلسطينية، ولا أدل على حجم انخراط المرأة الفلسطينية في سينما مرحلة الثورة من إصابة جاد الله خلال عملها في التصوير، ما أدى إلى شلل نصفي أنهى مسيرتها العملية كمصورة سينمائية، وغياب ذكرها في المحاولات التحقيبية لمسيرة السينما الفلسطينية، شكّل واحدا من أهم أشكال تغييب المرأة في التاريخ السينمائي الفلسطيني.

سينما المرأة نظريا وموقع "شاشات" منها

يأتي الجزء الخاص بالكاتبة ريما كتانة نزال في الكتاب تحت أبواب ثلاثة "سينما المرأة: النظرية"، و"سينما المرأة الفلسطينية: منهجية شاشات"، و"إطلالة على مهرجانات شاشات ما بين 2005-2010"، وتعرض الكاتبة الباب الأول "سينما المرأة: النظرية" مستندة على المقالة الشهيرة للكاتبة لورا مالفي "المتعة البصرية والسينما الروائية" 1975، والتي نقضت فيها مالفي صورة المرأة واستخدامها في سينما هوليوود بما يتناسب مع المتعة البصرية لمشاهد ذكر، ومخاطبة جمهور ذكوري بمنطق الرغبة عبر توظيف النساء، وتطورت هذه المحاججة بأشكال كثيرة ظلت ترفض تكريس السينما لواقع الهيمنة الذكورية الذي يضع المرأة في أدوار محددة، ويجبرها على البقاء فيها، ويعرضها كأدوار "طبيعية" لها، وبدأ الحديث عن السينما التي لا تكرس ثقافة الهيمنة تلك، بل تواجهها وتقوضها.

وفي الجزء المعنون بـ "سينما المرأة في فلسطين: منهجية عمل شاشات"، تقدم الكاتبة ريما كتانة نزال تقريرا مطولا عن جانبين مهمين من منهجية شاشات وأضفيا تميزا لافتا على إنتاج شاشات ودورها في القطاع السينمائي الفلسطيني، وهما نقل السينما إلى الجمهور وتحديدا جمهور الجامعات والمعاهد وإثارة النقاش المجتمعي حول الأفلام وتوسيع جمهور السينما الذي يبدو إلى حد كبير نخبويا في الحالة الفلسطينية، ويضاف إلى ذلك إنتاج حلقات تلفزيونية تعرض على محطات التلفزة المحلية والفضائية الفلسطينية، إلى جانب الخروج من رام الله التي باتت مركزا للعمل الثقافي على حساب بقية المدن والمخيمات والقرى، وما يميز منهجية شاشات هي توفير مساحة لعرض الأفلام ونقاشها في إطار جامعي أو مجتمعي مع خبيرات وخبراء ومختصين في المجالات التي تتطرق لها الأفلام وتعرضها.

وتعرض الكاتبة في الجزء الثالث من مساهمتها في الكتاب إطلالة على مهرجانات شاشات ما بين 2005-2010 و"تحاول الدخول بشكل تفصيلي إلى أعماق المهرجانات والأفلام والأفكار التي حملتها من جهة، والرسائل التي أرادت المخرجات و"شاشات" إيصالها للمجتمع من جهة ثانية، وكيف تفاعل جمهور المشاهدين والإعلاميين والنقاد مع هذا الحدث الفلسطيني الثقافي النسوي".

سينما المرأة بين الوطني والنسوي

يتمثل إسهام الكاتب سعيد أبو معلا ضمن الكتاب بعناوين رئيسة هي: مدخل عام لسينما المرأة (ازدواجية الاعتبارات الوطنية والنسوية)، ومن التدريب إلى الاحتراف (مخرجات الضفة 2011-2012)، وخطوات متقدمة في الأفكار والنصوص (تجربة شاشات مع مخرجات قطاع غزة في التدريب والإنتاج والعرض السينمائي 2011-2012)، ويتكون الجزء الأول من محورين رئيسين أولهما: "أـفلام المرأة الفلسطينية .. بين الوطني والنسوي"، وفيه يقدم الباحث إسهاما مهما في القول إن "أفلام المرأة الفلسطينية" أنتجت في غالبيتها الأعم في مرحلة السينما الفلسطينية الجديدة والتي بدأت مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، والتي امتازت حسب الكاتب سعيد أبو معلا بأنها لم تعد حمّالة للشعارات الكبيرة قدر انشغالها بالحديث عن الإنسان الفلسطيني في واقعه الراهن، ويحاول الكاتب في هذا الجزء تناول الإشكالية العميقة المتمثلة "بازدواجية الاعتبارات الوطنية والنسوية" في سينما المرأة الفلسطينية والتي أثارت نقاشا لم ينته وتظل ملحّة دوما، ويسكن هاجس هذه الازدواجية الأفلام ومخرجاتها والجمهور وكذلك النقاد والمعلّقين.

تجربة "شاشات" من التدريب إلى الاحتراف بين الضفة وغزة

يفرد الكاتب سعيد أبو معلا المحور الثاني لـ" المرأة والسينما وسينما المرأة المضادة"، وفيه يقدم الكاتب مساهمة مختصرة تبحث في صورة المرأة ودورها كما قدمتها وتقدمها السينما عالميا وعربيا ويبدو من خلال استعراض بعض مساهمات الباحثين/ات العرب حول صورة المرأة في السينما، أنها لا تزال تابعة للرجل وثانوية بالنسبة له، وأمّا مضحية متفانية، أو مادة للمتعة والمكر، وبالتالي فالتناول يتراوح بين الاستخدام المتعي الرخيص وبين الإعلاء الأخلاقي من أدوارها التقليدية، بما يؤكد التفوق الذكوري بصفة عامة كما يوضح الكاتب، وكل ما سبق قاد إلى وجود جهد مضاد تمثّل بـ "سينما المرأة" وبالضرورة يعاني المفهوم كما يورد الباحث من توتر عال وتحديدات مختلفة ومتباينة بشكل كبير، إلى أن منطلقات السعي لوجود سينما "أخرى" غير السائدة يشكل جامعا للتصورات والمقاربات النظرية، ويقدم الباحث عرضا مهما لإسهام الناقدة كلير جونستون حول فكّ التحيز لصالح الرجل وآليات التغيير بصفتها منظرة لسينما المرأة المضادة.

وبعد الاشتغال النظري في الجزء السابق يقدم الباحث وأستاذ الإعلام سعيد أبو معلا عرضا لتجربة "شاشات" انطلاقا من "ثالوث جوهري متكامل" هو التدريب والإنتاج والعرض، ما يعني الإمساك بدورة العملية السينمائية كاملة، وذلك عبر مرحلتين: التدريب والإنتاج والتي استمرت لثلاث سنوات، ومرحلة الإنتاج الاحترافي للمخرجات، ونتج عن المرحلتين تجارب سينمائية متنوعة في الشكل والمضمون، ويقدم الجزء الثاني من إسهام الباحث أبو معلا قراءة في تجارب ومنجزات سبع مخرجات كنّ جزءا من مشروع "أنا إمرأة من فلسطين" وعرض لتقييم الجمهور لأفلامهن وإبراز ما تناوله النقاش حول الأفلام، ويضيء الجزء الثالث والأخير من إسهام الكاتب أبو معلا على تجربة شديدة الخصوصية من عمل شاشات، وهي الجهد الطويل الذي بذلته المؤسسة في العمل مع مخرجات من قطاع غزة، تدريبهن في البداية وإنتاج أفلامهن وتطوير النصوص والأفكار، وهذا الجانب يكاد يميز شاشات عن مجمل المؤسسات العاملة في الشأن الثقافي في فلسطين، فالاعتبارات السياسية والأمنية رسخت الفصل في النشاط الثقافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة وهذا ما لم تستسلم له شاشات وعملت بجهد لإبقاء الاتصال والإنتاج بين الضفة وغزة وتوّج هذا الجهد بالعمل مع مخرجات من القطاع كما يعرضه باستفاضة الكتاب، ويشتمل هذا الجزء من الكتاب على تقييمات لمدربي شاشات لمجمل العملية الإنتاجية والإخراجية مع مخرجات غزة بدءا بالمدرب والمشرف عبد السلام شحادة، مرورا بتقييم المونتيرة رباب الحاج يحيى، وصولا إلى تقييم المخرج إيهاب جاد الله.

التوثيق البصري

بالإضافة إلى كل ما سبق يعد الكتاب وثيقة بصرية مميزة، فهو يقدم عرضا مميزا من نشاطات شاشات وموادها الإعلامية من بوسترات وبروشورات لأفلامها بالإضافة إلى صور تغطي أماكن وأجواء العروض المختلفة في كامل أنحاء فلسطين من الضفة والقطاع حيث تم تنظيم حوالي 1600 عرض منذ تأسيس "شاشات" في العام 2005، في قرى، وبلدات، ومخيمات، ومدن الضفة الغربية وقطاع غزة.

ويتضح الجهد المميز للمصممة يارا بامية – التي رافقت شاشات في مهرجاناتها ومنشوراتها- في إغناء الكتاب بصور أنيقة للمخرجات وأفلامهن وكذلك لتكريم المهرجات والفائزات بجوائز المهرجان وكل هذا يؤكد القيمة التوثيقية للكتاب ويكسبه أهمية كدليل لمرحلة مهمة من مسيرة السينما الفلسطينية، بالإضافة إلى ما سبق يحوي الكتاب ثلاثة ملاحق تتناول أسماء الحائزات على جائزة مهرجان "شاشات" وجائزة سلافة جاد الله السنوية، وجدول بكامل إنتاجات "شاشات" وسير ذاتية للكتّاب.

ما حول الكتاب

يحيل ما يرد بين دفتي كتاب إلى ما لا يرد بينهما، ويظل السؤال عما غاب أساسيا، ولعل أهم ما ينبغي التنبه له من خلال قراءة الكتاب أن هنالك كما كبيرا ومهولا من البيانات الأولية – بلغة البحث العلمي- حصدتها استمارات محكّمة وزّعت على جمهور عروض شاشات في كل مناطق العرض في الضفة وغزة، وتتناول بشكل أساسي العلاقة بين الجمهور والسينما ورؤية قطاع عريض من المجتمع الفلسطيني لقضايا المرأة التي تعبر عنها الأفلام، وتقول الكثير عن كسر حالة نخبوية الثقافة، ووعي المرأة بنفسها وبالمجتمع حولها وطرق التعامل معه وتغييره، وهذه البيانات والتي تصنّفها المؤسسة بشكل منضبط لتسهيل الاستفادة منها؛ يمكن أن تكون مادة وافية لإجراء بحوث ثقافوية وإعلامية وسوسيولوجية تقوم على تخوم قضايا الإعلام والاتصال والنوع الاجتماعي والسينما والثقافة، وإلى حد كبير تختصر هذه البيانات الجاهزة الكثير من جهد الباحث وتضعه أمام عينات ناجزة واستمارات محكمة وبيانات أولية مصنّفة، ستساهم بالضرورة إن انتجت بحوث حولها في فهم أفضل لهذا المسار وتحديد علمي أكثر دقة لطبيعة فعل سينما المرأة بالمجتمع الفلسطيني وانفعاله بها.
ولم يتسع الكتاب لطرح تجربة شاشات التمويلية وعلاقتها مع الممول الأجنبي وهذا جانب لافت في عمل المؤسسة، ويحوز الكثير من النقاش عند البحث في الحالة الثقافية في ظل السلطة الفلسطينية، بل يكاد يكون المحدد الأهم في الفترة الأخيرة للتعاطي مع المؤسسات المنشغلة في الوسط الثقافي وتقييم دورها وفعاليتها، وهذا الجانب الإشكالي انفعلت به المؤسسة وساهمت العلاقة معه في استقرارها على منهجية وخطط عمل مميزة وتستحق التدقيق والنقاش. 
وتجدر الإشارة هنا أن "شاشات" لم تسر على خطى معظم -إن لم نقل كل المؤسسات التي لها علاقة بالشأن السينمائي- بأن تجعل نفسها وسيلة لعرض مهرجان سينمائي جاهز مقدم من إحدى الدول، خاصة الأوروبية، لإبراز ثقافتها وأفلامها، إذ تميزت مهرجانات "شاشات" بإستقلالية عن خيارات الممول، وبنظرة قيمة المهرجانات لمواضيع وتيمات وأفلام تهم المشاهد الفلسطيني أولاً وأخيراً، وهذا جزء مهم من المصداقية التي حصدتها من جمهور فلسطيني واظب على مواكبتها حين رأى في مهرجاناتها همومه وقضاياه.

التعليقات