في ذكرى وفاة فريد الأطرش؛ عوني حلبي : قصة عشق استثنائية../ روضة غنايم

لعوني علاقة حب استثنائية مع هذا الفنان يعبر عنها دوما بتاريخ 26-12 من كل عام، وهو يوم ذكرى رحيل فريد الأطرش، يأخذ عوني يوم إجازة من العمل لمتابعة ما تبثه الإذاعات عن مطربه

في ذكرى وفاة فريد الأطرش؛ عوني حلبي : قصة عشق استثنائية../ روضة غنايم

منحوتته الصخرية التي نحتها قبل عامين، هي التي شدتني وجذبتني للتعرف على عوني حلبي، ابن قرية دالية الكرمل، عند زيارتي مهرجان (النحت في الصخر).

نحتها بحسية مرهفة، وأخرج منها عودا جميلا، أطلق عليها اسم "من إيحاء فريد الأطرش" عبر من خلالها عن حبه ومدى تأثره بالموسيقار الكبير.

عندما كان عوني في سن الثانية عشرة، تعود على مشاهدة فريد الأطرش على شاشة التلفاز، تأثر الطفل الصغير وهو في بواكير صباه بموسيقى فريد الحزينة، أحب سماع ألحان أوتار عوده، و تسللت إلى قلبه مبكرا أنغام الشجن، كما شدته تعابير وجه فريد الحزينة، و منذ ذلك الوقت بدأت رحلة الطفل عوني البحثية من أجل معرفة حياة الإنسان الموسيقي الشهير الذي يقف وراء العود.

لعوني علاقة حب استثنائية مع هذا الفنان يعبر عنها دوما بتاريخ 26-12 من كل عام، وهو يوم ذكرى رحيل فريد الأطرش، يأخذ عوني يوم إجازة من العمل لمتابعة ما تبثه الإذاعات عن مطربه، ويقوم بتسجيل كل ما يسمعه عنه في ذالك اليوم، وهذا تقليد بدأ اتباعه وهو في المرحلة الابتدائية حيث كان يتغيب عن المدرسة في هذه الذكرى، متحججا بمرض ما، خوفا من عدم تفهم الأهل أو السخرية من هذا العشق، أما اليوم فإنه يخبر مدير عمله بصراحة عن سبب الإجازة.
عن ذلك يقول: "لا أعمل في هذا اليوم تقديرا لروح ذلك العملاق".

استمعت مطولاً لعوني وهو يحدثني بشغف عن فريد الأطرش، بدأ بالحديث عن تعرفه عليه لأول مرة قائلا: "أذكر في يوم من الأيام عندما دخلت إلى البيت، سمعت عندها صوت مطرب من مذياع والدتي في المطبخ، وما شدني إليه هو صوته الشجي، وتأثره من مقطع كان يغنيه، يقول فيه: "متفرقيش في قلوب بتحب ولا تحرميش حبيبين من الحب يا تصبريني على الحرمان أو ترجعيني لليالي زمان".

"تأثرت بالأداء وتفاعلت مع الكلمة ومع اللحن. أثر بي ذلك المقطع كثيراً دخلت أحاسيسه إلى أعماق قلبي، لشعوري بحرمان هذا العملاق، شعرت وكأنني أعيش ما يقول، وأحسست بشيء يمزقني لحزني عليه، وحينها تخيلت ملامح وجهه، ومدى تأثرة في المقطع الذي عبر عنه بالألحان والأداء الذي من الصعب وصفه، شعرت عندها وكأنني أريد أن يتوقف بي الزمن لكي أعي ما أسمع. وخفت أن ينتهي ذلك المقطع ولا استطيع سماعه مرة أخرى. فركضت لأسأل أمي عن اسم المغني؟ قالت لي: "هذا أكبر وأشهر إنسان وأصدق فنان إنه فريد الأطرش"..

"ثم سألتها ثانية عن اسم الأغنية ؟ فاجابتني: (حكاية غرامي). عندها طلبت منها نقوداً لكي أشتري شريط الأغنية، أعطتني بلا تردد، وأسرعت إلى دكان العم وليد القاسم في ساحة البلد، وطلبت منه الشريط، ضحك صاحب الدكان وقال لي: "أنت ما زلت صغيراً لسماع فريد الأطرش". شعرت حينها بعظمة العملاق فريد، وشعرت أيضا أنني أمتلك شيئا يميزني عن الآخرين من أبناء عمري. رغم أنني جرحت باستهتاره بي كولد صغير... وهكذا بدأت حياتي من مصغري بعشق الفنان الكبير".

وأضاف في سياق حديثه لي "عرفت أن فريدا عاش حياة صعبة وذاق جميع أنواع القهر. أذكر حتى الآن كيف وقف وغنى أغنية (الوداع) قبل إجراء عملية له في القلب، وكأنه لن يعود. عاش فريد بربع قلب، وأبدع هذا الرجل العصامي المتواضع والمعطاء الذي بنى نفسه بنفسه. تأثرت أيضا بمشهد من حياة فريد عندما قال له أخوه فؤاد في بداية مشواره الفني "بدك توقف أمام أم كلثوم وعبد الوهاب؟. أجابه فريد "لا أريد أن أقف أمامهم أنا مؤمن بقدراتي".

فلسفة حلبي بعشق فريد

يكمل حديثة لي قائلا: "وكما يعرف الجميع فإن عشق فريد الأطرش يمر بمراحل؛ أولا تعشق اللحن والموسيقى، وبعدها تتأثر بصوته وتعشقة كأنه يشدك إليه، كأن هذا ما ينقصك، وبعدها تستمتع بالكلمات المعبرة الرائعة، وبعدها تدخل بيت الآلات الموسيقية، وتشعر كأنك تسمع آلة واحدة فقط، و تستمتع في التوزيع الموسيقي ودقة الموسيقى... أكثر من 25 عاما أستمع إلى نفس الأغاني، ودائما أشعر كأنني أسمعها لأول مرة. والاستماع إلى الأغاني يتعلق بالحالة النفسية، أستمع إلى نفس الأغنية، وأتعلق بها لمدة طويلة وهكذا.. وكأنه غنى لي شخصيا، وحلل نفسيتي وكأني أعيش ما عاشه في حياته".

ويضيف: "بعدها استمريت لمدة ثلاثة أشهر أسمع الأغنية يوميا، والسماعات على أذني، كنت أرغب أن أتحدث مع أولاد جيلي أو رفاقي عن فريد الأطرش، لكنني كنت أمتنع عن ذلك، لأن فريد للكبار وليس للصغار كما قالها البائع العم وليد!

في المدرسة لم يتسن لي الحديث عنه لنفس السبب الذي ذكرته آنفاً، لكن في البيت كنت أفرغ ما يجول في داخلي. كنت احدث أهلي عنه بشغف، وأوجههم لسماع مقاطع معينة كنت من خلالها أعيش في أعماق هذا الإنسان. والدتي كانت تعشقة، ومازالت حتى اليوم، كانت تتجاوب مع محبتي لفريد لدرجة أنها بدأت توجهني للأغاني التي يجب سماعها.

أغاني فريد كانت تعلمني الإيمان بنفسي والاستمرارية في الحياة، و الإيمان بالموهبة، وأنه بالإمكان الوصول إلى الهدف المنشود، وأن النور يظهر دوماً بعد الظلام.

أهم ما تعلمته من فريد الأطرش، هو الإحساس والإنسانية والمعاملة الحسنة والتواضع، وأن أي انسان غنياً كان أو فقيرا أو ذا إعاقة، أنه إنسان وله كيانه، وكلنا سواسية لا فرق بين الناس. تعلمت حب العطاء أي أن أعطي دون انتظار مقابل ما، عند سماعي لفريد الأطرش أشعر براحة نفسية، وأحب أن أظهرها بأعمال فنية، أشعر وكأن معيناً من الأفكار يخرج لحيز العمل.

عملت أول منحوتة قبل سنة بشكل مصغر عندما بدأت أستمع لأغاني فريد وكنت أقول لأهلي إنني أريد ان افعل شياء لفريد يعبر عن وجداني اتجاهه".

تقول زوجة عوني: "لو فريد عايش لغرت منه، لأنه لا يمر يوم دون أن يتحدث عوني عن فريد".

عوني لم ينطق لكنه يشعر بروح فريد تسكنه

يتذكر عوني قائلاً: "حياة جدي سلمان جابر (والد والدتي) كان في الجيل السابق (سليم الأطرش) وتقمصت روحه، جدي نطق بذلك آنذاك، وخالي توفيق سلمان جابر عشق فريد لدرجة كبيرة حتى أنه غنى لفريد في البيت والسهرات مع الأصحاب، كنت ألتقي مع خالي، ونسمع فريد ونتحدث عن حياته، وأغلب الأحاديث والمعلومات أخذتها من خالي.

أنا لم أنطق، لكنني أشعر أنني أنتمي إليه، ربما كنت أنتمي في جيل معين لعائلته، أو عازف في فرقته خاصة وأنني أمتلك أذناً موسيقية لكل انواع الموسيقى".

التعليقات