حول المنعطفات في الدراما التلفزيونية بعد الثورات العربية!/ صالح ذباح

يلحظ المراقب للإنتاج الفني التلفزيوني العربي والمتمثل على وجه الخصوص بالمسلسلات المصرية والسورية بتلك التحولات التي رسمت خارطة جديدة لنوعية الأعمال المعروضة وتشكيلا جديدا للذوق العام.

حول المنعطفات في الدراما التلفزيونية بعد الثورات العربية!/ صالح ذباح

يلحظ المراقب للإنتاج الفني التلفزيوني العربي والمتمثل على وجه الخصوص بالمسلسلات المصرية والسورية بتلك التحولات التي رسمت خارطة جديدة لنوعية الأعمال المعروضة وتشكيلا جديدا للذوق العام.

فبعد أن كان التلفزيون المصري منذ تأسيسة عام 1960 في عز المشروع الناصري مصدّرا للأعمال التلفزيونية والمسلسلات المصورة، والحائز على نصيب الأسد من الاهتمام العربي، تحديدا منذ أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، حين بدأ تشكيل مفهوم وتداعيات ذهنية جديدة عند الحديث عن "شهر رمضان"، لم يعد فقط شهر الصوم بل شهر الإبهار التلفزيوني عبر ثلاثة إنتاجات رئيسية : الفوازير (نيللي، سمير غانم، شريهان)، البرامج المسلية (الكاميرا الخفية، بدون كلام، لقاءات الفنانين)، والمسلسلات المصرية التي باتت أشبه بكلاسيكيات (الشهد والدموع، ليالي الحلمية وغيرها).

وتغيرت المعادلة واختلفت المنظومة بداية من منتصف التسعينيات، مع انتشار الفضائيات العربية المختلفة، ودخول رأس المال الخليجي إلى القنوات التلفزيونية وظهور لغة تعبيرية جديدة وروايات جديدة كسرت القالب الذي عودتنا عليه الأعمال المصرية.

الحديث هنا هو عن الدراما السورية، التي قد نشبه ما أحدثته على الساحة التلفزيونية بموجة الواقعية الجديدة التي أحدثتها السينما الإيطالية على الساحة السينمائية العالمية في منتصف القرن الماضي. فلا شك بأن الدراما السورية أسرت قلوب المشاهدين العرب الذين ملوا رتابة المسلسلات المصرية في بعض الأحيان والتصوير المتكرر لمواقع تصوير داخلية، اعتمدت الكاميرا فيها على استعمال مفرط للتقريب والابتعاد (الزوم إن والزوم أوت) واللقطات المتكررة. على نقيض ذلك، تميزت الدراما السورية في استعمال متطور للكادر واللغة التعبيرية، وكذلك ارتقت بمستوى تمثيل تلقائي بسيط وطبيعي لا يجيده بهذه السلاسة سوى السوريين .

وفي العقدين الأخيرين كثر الحديث عن "سحب البساط" من تحت أقدام المسلسلات المصرية لصالح السورية رغم وجود ظواهر سلبية أفرزتها التجربة السورية وأبرزها مسلسل "باب الحارة"، الذي يؤسس ويشرعن لذكورية شرسة تعتمد على رمنسة ماضي الشام وخلق مرجعية أخلاقية مغلوطة تذوت لدى مشاهديها وقسم لا بأس منه هو أطفال العالم العربي ، لعنف كلامي وجسدي يحتقر المرأة ويمجد شارب الرجل!

إلا أن الصورة تغيرت كليا في السنوات الأربع الأخيرة في ما يتعلق بالتنافس بين الدراما المصرية والسورية. يعود ذلك إلى عدة أسباب:

أولها: إسقاطات الثورات العربية؛ في مصر على سبيل المثال أقيمت قنوات جديدة تملك من المال الكثير لاستثماره في أعمال عالية الانتاج، وهما قناة الحياة وسي بي سي،  مضت نحو انتاج  مسلسلات كبيرة ذات رؤية جديدة تجمع الكثير من النجوم بعكس ما شهدته الساحة المصرية قبل ذلك بقليل وهو مسلسل النجم الواحد. وفي ظل ركود الإنتاج السينمائي توجه الكثير من المخرجين والمخرجات إلى التلفزيون وتركوا بصمات جديرة بالاهتمام أهمهم: كاملة أبو ذكري وخيري بشارة (بنت اسمها ذات)، رامي إمام (عايزة اتجوز)، خيري بشارة (الزوجة التانية).

سوريًا، تأثر الإنتاج بشكل حاد لسوء الأوضاع الأمنية في البلاد وتأثيراتها الإقتصادية على المؤسسات الداعمة للصناعة التلفزيونية ومنها تلفزيون الدولة.

ثانيها: حالة المنافسة التي شكلتها المسلسلات التركية المدبلجة إلى اللهجة السورية والتي تحولت إلى ظاهرة منذ انطلاقها حتى الآن، وكان لها تأثيرات على بعض الإنتاجات العربية التي تأثرت بضخامة الإنتاج وفخامة مواقع التصوير، لذا رأينا مسلسلات مصرية وعربية تبنت تلك الديكورات ("روبي"،"حكاية حياة")،وكذلك لم تعد قوالب الإنتاج ذات هوية قطرية محلية كما عهدنا في السابق، لذا نرى تجمعًا عربيا لممثلين وفنانين من كل العالم العربي وإنتاجات عربية مشتركة، فانتقل الكثير من الممثلين السوريين إلى العمل في الدراما المصرية لانتشارها وللمقابل المادي الأعلى أمثال: جمال سليمان، كندة علوش، جمانة مراد أيمن زيدان وغيرهم.

هذه التحولات الجديدة أعطت شكلا مختلفًا  للمسلسل العربي عمومًا، في أحيان يصح أن نطلق عليها أعمال تلفزيوسينمائية، للغتها التعبيرية العالية ("ذات"، "بدون ذكر أسماء")، وأثمرت تعاونات عربية مشتركة، إلا أن ما نخشاه هو الوصول إلى منطق التعاون المشترك لأهداف رأسمالية بحتة لا تلتفت إلى أهمية وجود مشروع عربي ثقافي مشترك يحمل رؤية هادفة، فتفرز أعمالاً غاسلة للدماغ لا تثير لدى المشاهد العربي تساؤلات حول حاضره المتعثر ومستقبله الغامض.  
 

التعليقات