الموت في رواية "باب الشّمس" لإلياس خوري../ يوسف حمد سعيد

ما دعاني لأكتب عن الموضوع هو ما يحدث الآن في غزّة والمجازر التي ترتكبها الآلة الصهيونيّة بحقّ شعبنا العربيّ الفلسطينيّ، وكأنّ إلياس خوري في روايته"باب الشّمس" كان صادقًا في أنّ الموت يلاحق الفلسطينيّين في كلّ مكان وهو مستمرّ؛ لأنّه بنى الرواية بشكل دائريّ فقد بدأت بالموت وانتهت بالموت

الموت في رواية

تقدمة

ما دعاني لأكتب عن الموضوع هو ما يحدث الآن في غزّة والمجازر التي ترتكبها الآلة الصهيونيّة بحقّ شعبنا العربيّ الفلسطينيّ، وكأنّ إلياس خوري في روايته"باب الشّمس" كان صادقًا في أنّ الموت يلاحق الفلسطينيّين في كلّ مكان وهو مستمرّ؛ لأنّه بنى الرواية بشكل دائريّ فقد بدأت بالموت وانتهت بالموت.

الرواية

يسرد إلياس خوري في روايته "باب الشّمس" حكاية بطل (يونس) أحد أبطال المقاومة الذي ترك عائلته في فلسطين المحتلّة وهاجر إلى لبنان، وكان دائم المغامرة، يتسلّل من مخيّم لجوئه في لبنان إلى الجليل الفلسطينيّ ليزور زوجته (نهيلة) الزوجة الّتي وصلت مع عائلة زوجها من قرية عين الزيتون التي دمرّها الصّهاينة، إلى قرية دير الأسد لتسكن أحد البيوت الّتي تركها أصحابها وهاجروا من القرية، ويقوم بعمليّات عسكريّة ضدّ الدّولة العبريّة، اتّخذ من مغارة في الجليل بالقرب من دير الأسد مقرًّا له في رحلاته، في مغارة لم يدنّسها الاحتلال وليسميها بعد ذلك "باب الشّمس" لأن نهيلة الجديدة، كما يقول، ولدت هناك، فيما هو يعود بعد ذلك لمتابعة عمله الفدائيّ في المنفى، وهكذا دواليك، مع ما تتخلّله الرّحلة من مخاطر ومراحل للنّضال والشّتات الفلسطينيّ.

اختار خوري لحظة اقتراب النّهاية كي يستهلّ بها قصّته، عندما بدأت روايته بالغيبوبة التي يدخل بها البطل بتأثير كهولته، وليتولّى أحد المناضلين الأربعينيين (الدكتور خليل) شأن العناية به في مستشفى بائس في المخيّم، بعدما تلقّى دورة طبّيّة لأشهر في الصين، عندها يبدأ الدكتور بسرد حكايته وحكاية المناضل معًا، كوسيلة لتزجية الوقت ولمحاولة تنشيط دماغ المناضل الذي يغرق في الكوما.

عن طريق هذه الحيلة الأدبيّة الذّكيّة جمع خوري قصصًا كثيرة عن النّكبة الفلسطينية وإرهاصاتها وتداعياتها، وعن رحلة الثّورة الفلسطينيّة، منوّهًا أنّه استعان في روايته بقصص كثيرة للاجئين فلسطينيّين وبمذكّرات مناضلين وسياسيّين من تلك المرحلة، وتمكّن من تجميع قصص كثيرة عن النّكبة الفلسطينيّة، كما استطاع توثيق كثير من حكايات اللّجوء بأسماء شخصيّاتها وأعمارهم وأسماء قراهم ومخيماتهم، كما تمكّن من تسجيل عدّة اضطرابات نفسيّة أصابت كثير من اللاجئين الفلسطينيّين كحمّى الأزهار ومن بينهم جدّة الدكتور خليل التي كانت تجمع الأزهار في كيس مخدّتها في المخيّم إلى حدّ تعفّنت فيه تلك الأزهار بينما هي تحتضنها وتورثها لأحفادها لأنّها تشمّ فيها رائحة زهورها التي كانت يومًا ما في الجليل، إلى جانب حمّى العودة التي دفعت بفلسطينيّين كثر لاجتياز الحدود اللبنانيّة- الفلسطينيّة في مطلع الخمسينيّات للعودة إلى قراهم رغم علمهم بأنّهم سيكونون فريسة للدّوريّات الإسرائيليّة.

فرواية "باب الشمس" تقدّم أكثر من خمس وثلاثين حكاية فلسطينيّة قصيرة أو متوسطة. ويختلف بناء الحدث فيها، فبعضها يبدأ من بداية الحدث، وبعضها من وسطه وبعضها من نهايته، وبعضها يُروى دفعة واحدة وبعضها يُروى جزء منه ويُرجأ جزء أو أجزاء إلى صفحات بعيدة.( د.عالية صالح، البناء السردي ص264 ).
فيقول خوري: "لم تكن هذه الرّواية ممكنة لولا عشرات النّساء والرّجال، في مخيّمات برج البراجنة وشاتيلا ومار إلياس وعين الحلوة، الّذين فتحوا لي أبواب حكاياتهم، وأخذوني في رحلة إلى ذاكراتهم وأحلامهم". (باب الشّمس، ص528) لأنّه يؤمن بأنّ الذّاكرة التي تروى لا تموت.

لقد تلخّصت الذاكرة الجماعيّة الفلسطينيّة التي أعيد إنتاجها بتاريخ التشرّد والاقتلاع ثمّ الاحتلال من جديد، وتميّزت هذه الذاكرة بأنّها ذاكرة حنين "نوسطالجيا" إلى الوطن، إلى العودة، إلى القرية. وتحوّلت الذاكرة إلى جسر بين الانتماءات وبين الأمّة. ولأنّ القرية قد فقدت وسلبت فإنّها تحوّلت بواسطة الذاكرة إلى طريق انتماء الفلسطينيّين إلى وطنهم. (عزمي بشارة الكرمل ص48-47).

في "باب الشمس" يسرد خوري مسيرة المطر والموت والوحل، تهجير ومخيمات وأناس يحلمون بالحياة... يحلمون بالوطن، ولكن أم حسن تقول "فلسطين لن تعود قبل أن نموت جميعًا" (باب الشمس ص 10). والآن ماتت نهيلة ومات ذاك المريض وماتت شمس، شخصيّات ثلاث تطوّق بأبعادها الإنسانيّة الفلسفيّة أحداق الأحداث، تلفّها بصمت بليغ، لم يترجم معانيه سوى دموع المآقي والمطر.

وشخصيّات الرواية هي شخصيّات حقيقيّة عاشت في الجليل سنة 1948 وهاجرت من قريتها ومن فلسطين قسريًّا...
"باب الشمس" جسّد فيها خوري معاناة الشعب الفلسطينيّ في نكبة العام 48 والرّواية تجسّد تلك الأزمة بمتاهاتها وتعقيداتها والمأساة الإنسانيّة التي يعاني منها ضحاياها وأبطالها الحقيقيّون. فهي رحلة مأسويّة تستحضر الذاكرة الفلسطينيّة من تحت ركام الحروب والهزائم.

إلياس خوري استطاع في روايته أن يعرض المأساة الفلسطينيّة بكل ما أنتجته من معاناة شديدة للفلسطينيّين سواء داخل فلسطين على أيدي الاحتلال الإسرائيليّ من عنف وتعذيب وتشتيت وتهجير أو من خارجها على أيدي أبناء عمومتهم من العرب من مهانة وفقر ونذالة.

بالإضافة إلى الحكايات التي رواها الكاتب على لسان اللاجئين الفلسطينيّين فقد طرق عدّة موضوعات أخرى ومنها: السجن والتّعذيب، صورة المرأة الفلسطينيّة، صورة اليهوديّ، التّسللّ إلى فلسطين، المذابح والموت الّذي لحق بالفلسطينيّين العزّل وما زال يلاحقهم، وهو موضوعنا هنا.

كما نلاحظ أنّ بناء الرواية جاء بشكل دائريّ حيث يبدأ بالموت وينتهي بالموت. بدأ بموت أم حسن وانتهى بموت بطل الرواية (يونس) في النهاية، وليست النهاية إلا بداية، والبداية ليست إلّا نهاية. في البدء كان الموت.

* الموت في الرّواية:

ثمة موت كبير في رواية إلياس خوري ممّا يطبعها بسوداويّة غامرة يصعب نسيانها. ومن هنا عظمتها وقدرتها على إعادة النظر في تاريخ المأساة الفلسطينيّة من وجهة نظر الحاضر الملعون المفتوح على زمان غامض ومجهول (عاشق من فلسطين 2005 ). لقد ساق الكاتب وصفًا لعمليّات الإعدام الجماعيّ التي نفّذتها العصابات الصهيونيّة عام 1948 بحقّ أهالي بعض القرى الجليليّة والأمثلة كثيرة في الرواية منها ما يذكره بشكل مفصّل ومنها ما يذكره بشكل مختصر أو يكتفي بالإشارة إليه، مثل:

عين الزيتون

- "بلى أنت من عين الزيتون، ووالدك الأعمى هاجر إلى دير الأسد. بعد مذبحة القرية عام 1948 "(باب الشمس ص18). "عين الزيتون، أحلى قرية، لكنّهم دمروها عام 1948، جرفوها بعد أن نسفوا بيوتها، فتركناها إلى دير الأسد" (باب الشمس ص24). "كان ذلك ليلة الأوّل من أيّار 1948 قامت وحدة من "البالماخ" ترافقها بغال محمّلة بالذخائر، بالتقدّم إلى عين الزيتون، عن طريق تلّ الدورات التي تشرف على القرية من الشمال، ومن التلّة قام رجال "البالماخ" بدحرجة براميل من المتفجّرات على القرية "(باب الشمس ص174 ). "صباح الثاني من أيّار، انسحب المسلّحون من القرية، وبقي الناس داخل بيوتهم المحاصرة بالنار، وحين دخل جنود "البالماخ " أمروا الناس بالتجمّع في باحة بيت محمود حامد "تقدّم ضابط شابّ من يوسف أحمد الحجار وصفعه على وجهه ثمّ سحب مسدسه وأطلق النار على رأسه وأنفجر دماغه وتناثر على الأرض"(باب الشمس ص176).

سقوط القرى الفلسطينيّة

- "سقطت الكويكات في أيدي اليهود، دون أن ندري، ففي ليل 9-10 تموز 1948 خرج الناس من بيوتهم بثياب النوم، كان القصف عنيفًا والمدفعيّة تهدّر في ليل القرية التي لم تنم"(باب الشمس ص101).

- " لن أخبرك عن أبي الذي مات متكوّمًا أمام عتبة بيته، قتلوه ورموه على العتبة "(باب الشمس ص172).

- "ولم يبق في البروة، سوى أربعين كهلًا وكهلة، رفضوا مغادرة بيوتهم، وشابّ اسمه طانيوس الخوري وهو ابن شقيقة الكاهن... بدأ القصف، ولم يدر الناس ماذا جرى، لأنّهم رأوا الجنود الإسرائيليّين في ساحة القرية... بدأ اليهود بنسف البيوت قبل أن يطلبوا من الجميع التجّمع في ساحة القرية... تقدّم ضابط إسرائيليّ وأمسك بالشابّ من يده، وجرّه إلى خارج التجمّع... وأمره الضابط بالمشي أمامه حتى وصلا إلى شجرة الجميز في طرف الساحة، وهناك أطلق الضابط رصاصة واحدة من مسدسه، وعاد إلى الحشد الصغير ليأمره بركوب الشاحنة... الشاحنة ذهبت بالشيوخ ورمتهم أمام قرية كفر ياسيف، والكاهن اختفى"(باب الشمس ص 195-196 ). "حين دخل الإسرائيليّون البروة، نسفوها بيتًا بيتًا، لم يأخذوا ثيابنا وشراطيطنا كانوا كالمجانين، ينسفون البيوت ويقومون بجرفها، ويدعسون القمح، ويقطعون أشجار الزيتون بالديناميت، لا أعرف لماذا يكرهون الزيتون" (باب الشمس ص196).

- في شعب "أخبرتني نهيلة عن مذبحة الكهول في القرية وكيف دخل الضابط الإسرائيليّ "أبراهم"، وأمر الجميع بالتجمّع قرب البركة وقف بينهم متفقّدا، كأنّهم طابور عسكريّ حتّى الحاج موسى درويش المقعد، أمر بجلبه من بيته... وتدفّق الماء الأسود من فمه ومات... الضابط بدأ ينتقي الرجال بأصبعه... انتقى حوالي عشرين شيخًا... وانطلقت الشاحنة، وبدأ إطلاق النار فوق رؤوس الناس، الذين تفرّقوا في الحقول... وروى مروان الفاعور الوحيد الذي نجا من مذبحة الوحل... "كان مطر كثيف، والشاحنة تسير تحت المطر... وصلنا إلى زبوبا قرب جنين... أنزلونا من الشاحنة وأمرونا بالعبور إلى الجانب العربيّ وبدأ إطلاق النار فوق رؤوسنا... عشرون رجلا يمشون، ينزلقون، يتمسّكون بحبال المطر المدّلاة من السماء، ويقعون، يحاولون النهوض، يلتصقون بالوحل... صار الوحل مثل الصمغ... التصقوا بالأرض، سقطوا وابتلعهم صمغ الوحل... وبدأ الموت... هكذا مات رجال شعب في مذبحة الوحل، التي جرت في أحد أيام تشرين الثاني 1948"(باب الشمس ص228).

- يقول عبد المعطي.. " ثمّ سقطت البعنة ودير الأسد. علمنا بسقوطها حين جاء اليهود وطوّقونا وأخذونا إلى ساحة البعنة... كنّا خلقًا كبيرًا يتلوّى تحت الشمس في انتظار الموت... في ساحة البعنة شمّسونا كلّ النهار بعد أن فصلوا نساءنا عنّا، أمروا النساء بالذهاب إلى لبنان وتركونا نحترق. رجلان لا أعرفهما، طلبا إذنًا لجلب الماء، فقال لهما الضابط اتبعاني، خرجا من الساحة ومشيا في اتّجاه النبع، وسمعنا صوت رصاصتين، عاد الضابط ولم يعد الرجلان... ثمّ فتّشونا، وسرقوا كلّ شيء، المال والساعات والخواتم... سقطت اليد على أكثر من مئتي رجل... أركبوا الرجال في شاحنات ذهبت بهم في اتّجاه الرامة. وحتّى الآن لا نعرف ماذا حلّ بهم ثمّ أمرونا بالذهاب إلى لبنان، وبدأ الرصاص، وجدنا أنفسنا في الحقول مع نسائنا وأطفالنا، ومشينا ساعات لا تنتهي" (باب الشمس ص 234).

- قالت جدّتي " الغابسيّة كانت مثل ضو وانطفأ... روت جدّتي عن ذلك الرجل الذي سقط من مئذنة الجامع.. اسمه داوود إبراهيم... صعد إلى أعلى الجامع حاملًا خرقة بيضاء كي يعلّقها في المئذنة... ثمّ حاول تعليق الخرقة من جديد، حين أصابته رصاصة في صدره فسقط كما يسقط العصفور... قالت إنّها ضمّت أولادها إليها وركضت مع الراكضين... قالت جدّتي إنّها أضاعت كلّ أقاربها، وإنّ والدها اختفى"(باب الشمس ص 306).

- "إنّك مثل عزيز أيوب، الذي مات مشنوقًا على أغصان شجرة السدر "(باب الشمس ص374 ).

- "وفي يوم قال ياسين إنّه كان يوم موته – في ذلك اليوم، قال، بدأ الطيران بقصف ترشيحا... دخلت واختبأت في دكّان أحمد شريح، وفجأة بدأ الدكان يرتّج والحيطان تتساقط، والدخان. سقطت قذيفة داخل الدكّان، وتهدّم كلّ شيء ومات الجميع"(باب الشمس ص329).

- أخبرتك القصّة ألا تذكر؟ كانوا في رحلتهم داخل فلسطين، فبعد طردهم من الكويكات، تاهوا في الحقول، ثمّ أقاموا على أطراف دير القاسي، وطردوا منها، فذهبوا إلى ترشيحا التي جاء الطيران الإسرائيليّ وأحرقها"(باب الشمس ص27).

- "وتابعنا السير إلى ترشيحا، والتقينا بهم كانوا قادمين من الشمال والجنوب نحو الكابري، أوقفونا وفتّشونا واقتادونا في سيّارة مصفّحة إلى قريتنا. أنزلونا في ساحة القرية "(باب الشمس ص183).

- عليا حمّود مديرة روضة الأطفال في المخيم.. وحكت عن احتلال قريتها عام 1948 التي تقع في قضاء صفد. وكيف أخذوا مجموعة من شباب القرية، وجاء البلدوزر وسحقهم وأنّ خالد شناعة، جدّ الطفل، كان الوحيد الذي نجا من المذبحة... كان خالد هو الوحيد الذي عاد إلى طيطبا "(باب الشمس ص370).

- قال أبو معروف إنّ زوجته الأولى ماتت تحت قصف الطيران الإسرائيليّ لصفّورية، يوم 10 تموز 1948.. جاء الطيران الإسرائيليّ، ثلاث طائرات حلّقت فوق القرية ورمت براميل النار والبارود. وبدأت البيوت تتداعى. قال إنّه رأى كيف يتشلّع البيت من داخله وتتطاير الأبواب والنوافذ، ثمّ يرتفع اللهب، قال إنّ زوجته ماتت في البيت مع أولاده الثلاثة "(باب الشمس ص89 ).

- "ثمّ علمنا أنّهم قتلوا أحمد العابد والكهلين والمرأة"(باب الشمس ص90).

- "كانت وحيدة، امرأة وحيدة تدور حول مقابر الكابري المهدمّة. ولم تكن مقابر. فالجيش الإسرائيليّ لم يترك حجراً على حجر في الكابري بعد احتلالها"(باب الشمس ص64 ).

"استقبلناهم بالشراشف البيضاء.. لكنهم بدأوا بإطلاق النار فوق رؤوسنا ثمّ أمرونا بالتجمع في ساحة القرية، اختاروا ستين رجلا، ربطوا أيديهم بالحبال وأوقفوهم صفّاً واحداً.. ثم أطلقوا النار. كانت أصوات الرشاشات تصمّ الآذان، الرجال يتساقطون والناس المتجمعون في الساحة يفرّون إلى الحقول، وكان الموت"(باب الشمس ص214 ).

- بعد سقوط ميعار " قالت ناديا إنّ اليهود أخرجوا جدّها مع اثنين من رجال القرية بعد ثلاثة أشهر على احتلالها" (باب الشمس ص216).

- "لا أدري يا ابني قريتكم مهجورة، وطرقاتها اختفت... "(باب الشمس ص28 ).

- "قالت انها سمعت حفيف الأغصان المليئة بأرواح الموتى! أرواح الموتى تسكن الأشجار"(باب الشمس ص29).

- "وكيف ماتت قَطَف، وهي امرأة في الثامنة عشرة من عمرها، برصاص أحد رجال الجيش الإسرائيليّ، وهي تغادر بيتها، بعد أن حملت منه ألفيّة الزيت، وكيف أختلط دمها بالزيت..."(باب الشمس ص453).

- "رأيتهم فرفعت يدي مستسلمًا، لكنّهم جرّوني كأنّهم عثروا عليّ، وخلف الساحة رأيته، وكان على شجرة البلوط... حنا كميل ما يزال مصلوبًا على الشجرة"(باب الشمس ص176).

- "أصحيح أن ساحة النبع امتلأت بجثث أربعين شابًّا، تمّ إعدامهم هناك بدم بارد؟ وهل صحيح أنّهم لم يدفنوا القتلى، بل جلبوا جرّافة، قامت برميهم في حفرة جماعيّة، لم يتمّ طمرها بشكل جيّد، فظهرت بقايا الناس مخلوطة بالتراب؟ هل صحيح أنهّم هدموا القرى انتقامًا لمعركة جدّين؟ "(باب الشمس ص177 ).

- " فأنت لا تريد سماع حكاية الولد ولا حكاية أهل الصالحيّة الذين أعدموا ملفوفين بشراشفهم. لفّ اليهود أكثر من سبعين رجلاً بالشراشف البيضاء التي حملوها علامة استسلامهم، وأطلقوا النار، فصارت الشراشف تنوفر دمًا "(باب الشمس ص216).

- "وهناك وجدته. كان ملقى على بطنه في مؤخر رأسه "(باب الشمس ص184)

وصف الرشاشات الإسرائيليّة التي تحصد المتسلّلين

- " كانت المرأة تنام تحت شجرة الزيتون، اقتربت منها، وكانت تتغطّى بشعرها الطويل. انحنيت، أزحت الشعر، فرأيت المرأة متجمّدة بالموت، وشعرها يغطّي طفلة صغيرة تنام متقوقعة فوق أمّها... وهناك خلف إحدى الصخور، رأيت ثلاثة رجال مرميّين في العراء"(باب الشمس ص21 ).

والموت لاحق الفلسطينيّين في الشتات وفي مخيّمات اللاجئين

- "أم حسن معها حقّ، فنحن لن نقيم شيئًا، حتى مقبرة محترمة، ولا أقول نصبًا لألف وخمسمئة إنسان سقطوا في شاتيلا وصبرا "(باب الشمس ص179 ).

- "أرى صور الشهداء المعلّقة على حيطان المخيّم، ولم يكن الشهداء يضحكون، كانت وجوههم مقطّبة ومحبوسة كأنّها تحبس الموت في داخلها" (باب الشمس ص25 ).
- "وأشرت إلى المقبرة الجماعية لضحايا مذبحة شاتيلا عام 1982 "(باب الشمس ص37)" وبدأ الطيران الإسرائيليّ يقصف مواقعنا، وانشغلنا بالأعداد الكبيرة من الشهداء... "(باب الشمس ص53 )

- "قلت للمسلّحين الذين اقتحموا المستشفى، إنّني تركيّ.. وصدّقوني.. لن تعلم ماذا فعلوا بالممرّضين الفلسطينيّين... (باب الشمس ص248).

- "هكذا عاش المخيم، هكذا مات الناس، غطّوهم بالكلس الأبيض من أجل قتل الجراثيم، ومحوا وجوههم، قبل رميهم في تلك الحفرة، التي صارت ملعبًا لكرة القدم" (باب الشمس ص250).

- "والحقيقة أنّ هذا النوع من النظرات انتهى بعد مذبحة شاتيلا، كأنّ كلّ الناس ماتوا، كأنّ تلك المذبحة التي ذهب ضحيّتها أكثر من ألف وخمسمئة إنسان، مسحت ذاكرة الوجوه "(باب الشمس ص369 ).

- "حمد كان مثلك مقاتلًا في حامية شعب، لا تقل لي إنّك لا تعرف. أمّ حسن روت لي حكايته... قالت إنّ شقيقته رفضت إقامة عزاء له بعد وفاته في بيتها في عين الحلوة، فأقيم العزاء في بيت أم حسن هنا في مخيّم شاتيلا "(باب الشمس ص462 ).

- "إذا لم يعد فهذا يعني أنّه مات في المونتفردي لم يأخذوا أسرى، قال رياض، يا حرام يا تلّ الزعتر، كأنّه ما كان.... أرض خلاء ولا شيء... لم أجد سوى الإسفلت وفرشوا الأرض بالإسفلت الأسود، وصار كلّ شيء مثل الزفت... لم نجد سوى جنود سوريّين ودبابات"(باب الشمس ص491).

- "وزوجته الثالثة إنتصار ماتت خلال الحصار الطويل الذي قلب الدنيا بنا فالدنيا لم تنقلب بنا خلال المذبحة الكبرى، حين غطّت الجثث وجوهنا. الدنيا انقلبت في تلك الحرب التي سمّيت حرب المخيّمات بين عامي 1980 و 1988 حين ضربنا الحصار من كلّ الجهات، يومها دمّر كلّ شيء" (باب الشمس ص454).

- "وأتفرّج على الطائرات الإسرائيليّة تقصف كأنّها في مباريات للألعاب الناريّة، عشت مع الموت ولم أستوعب، وكلّ الناس ماتوا. يأتون، وحين نضعهم في أسرّة المستشفى يموتون. هل أخبرتك ماذا جرى لأحمد جاسم. أصيب في عنقه لكنّه مشى، سقط أرضًا، ثمّ وقف كالديك المذبوح، ومشى في اتّجاه مواقع الجيش الإسرائيليّ... وبعد حوالي عشرة أمتار سقط ميّتًا "(باب الشمس ص297).

- "وجمال مات خلال الاجتياح الإسرائيليّ لبيروت " (باب الشمس ص439 ).

- "زينب فقدت ابنها البكر في غارة الطيران الإسرائيليّ على الفاكهاني عام 1982 "(باب الشمس ص445).

- وعلى لسان جورج ما سجّله من الريس جوزيف: "أوصلونا إلى المطار وكنت على رأس فصيل يتألّف من عشرين شابًّا... ثمّ انحدرنا إلى المخيّم وبدأنا، كانت القنابل الضوئيّة، لم نعتقل أحدًا، أو نشتبك مع أحد، كنّا ندخل البيوت ونرش ونطعن ونقتل، كانت مثل حفلة... عثر على ثلاثة أطفال... كنت أريد أن أجرّب المدى الذي تستطيعه طلقة مسدس الماغنوم، انزلق أحد الأطفال أرضًا.. تقدّمت من الطفلين، ألصقتهما ببعضهما البعض، ووضعت فوّهة المسدس قرب رأس الأوّل، وأطلقت النار، اخترقت رصاصتي الرأسين فماتا فورًا" (باب الشمس ص278).

- دنيا كانت تروي نفسها " ركضت قالت ثمّ اغتصبوني... دخلوا البيت وبدأوا إطلاق النار، كنّا نلبس ثياب النوم ونجلس في صالون البيت.... دخل مسلّحون يحملون بطّاريات في أيديهم... وبدأ إطلاق النار... ثمّ شعرت بشيء ساخن في فخذي الأيمن... إنّها ركضت في مكانها، حين هوى بها أرضًا... هوى فوقي، صاروا كلّهم فوقي... كنت أمام دكّان أبو سعدو حين سقطت وسقطت الوجوه فوقي، اغتصبوني وكنت لا أشعر" (باب الشمس ص265 ).

- تجربة الأستاذ بارودي "قال إنّه ذهب معهم من أجل التغطية الصحافيّة، ورأى كيف أجبروا الأسرى على دخول البراميل. قال إنّ سقوط مخيّمي جسر الباشا وتلّ الزعتر كان بربريًّا... "(باب الشمس ص280 )

الموت في الأردن "أيلول الأسود":

- وبعد عام أنجبا ابنهما الأوّل صالح الذي مات عام 1970 في معارك أيلول في الأردن "(باب الشمس ص474).

- وانتظرته وهي ترى أخاها يموت، بعد إصابته برصاص رجال البادية عام 1970 "(باب الشمس ص467 ).

- "وبعد 1970، وعودتك سالما من مذبحة الأحراش في جرش وعجلون "(باب الشمس ص31).

وموت الأفراد والأحبّة ظاهر أيضًا في الرواية:

- "سميح مات في تونس، وزوجته عادت إلى رام الله. علمت أنّه مات في بيته الصغير في المنزه السادس. قيل إنّه مات على أثر صدمته بنتائج الغزو الإسرائيليّ للبنان عام 1982. لم أصدّق هذا السبب، يعني بعد كلّ الذين ماتوا قتلًا وذبحًا، يأتينا من يموت بسبب العواطف! هذا كثير "(باب الشمس ص363 ).

- "وقلت إنّك لا تقصد شمس التي أحببتها، ولا تلك المذبحة الرهيبة في مخيم المية ومية حين قتلوا شمس " (باب الشمس ص 16 ).

- "بعد ولادة دلال بثلاثة أشهر، مات الأب، مات وفي قلبه حسرة لأنّني أنجبت فتاة، ولم أنجب الصبيّ الذي سيرث اسمه".

- " في الماضي كان الموت في كلّ مكان وكان جميلا أعرف أنّه لا يحّق لنا إطلاق صفة الجمال على الموت، لكن كان هناك جمال ما يلفّنا تحت معطفه، أمّا في الأيام التي أعقبت سقوط المخيم فلقد صار الموت عاريًا.(باب الشمس ص505)

- "فحين يموت من نحبّه يموت شيء فينا. هذه هي الحياة، سلسلة طويلة من الموت. يموت الآخرون، فتموت أشياء في دواخلنا، يموت من نحبّهم فتموت أعضاء في أجسادنا. الإنسان لا ينتظر موته، بل يعيشه، يعيش موت الآخرين داخله، وحين يصل إلى موته، يكون قد بتر الكثير من أجزائه ولم يبق إلا القليل"(باب الشمس ص505 ).

موت يونس

- كنت قد قرّرت أن أتركك ساعة من الزمن. أجلب الصور ونبدأ برواية الحكاية من جديد. لكنّني لم أعد إلا في الصباح. رأيت زينب تنتظرني على باب المستشفى ركضت صوبي، أسندت رأسها إلى كتفي، وبكت. سألتها ماذا؟ فهزّت رأسها وقالت هبوط في القلب. زينب بكت، وأنا لم، أمجد مسح دموعه وهو يعطي الأوامر بإجراءات الدفن، وأنا وقفت كالحجر. كأنني لست أنا... مشيت في مأتمك كالغريب، كواحد من العشرات الذين مشوا. وضعوك في الحفرة، وغطّوك بالتراب... وكان عليّ الانتظار ثلاثة أيام، كي أمتلك جرأة الوقوف أمام قبرك تحت ذا المطر... أقف الآن، لا لأعتذر، بل لأبكي " (باب الشمس ص514).

- "أعرف أنّك تريد أن تعرف، لكنّي أشعر بالخجل. بدل أن أحزن عليك وأفتح بيتي لتقبّل التعازي. أمضيت الأيّام الثلاثة الماضية بحثًا عنها. لم أذهب إلى المستشفى ولم أتقبّل التعازي مع زينب وأمجد، بل مشيت كالتائه في أزقّة المخيّم... أعرف أّنهم اعتقدوا أنّني جننت.(باب الشمس ص517 ).

- "يقولون إنّ خليل أيوب أصيب بلوثة بعد موت يونس. لكن لا، بلى معهم حقّ. كانت لوثة، والله لوثة... ثلاثة أيّام نسيت أنّك أبي وابني، نسيت موتك وحياتك، وركضت خلف شبح امرأة لا أعرف اسمها... سامحني واغفر لي "(باب الشمس ص 518).

- "ثلاثة أيّام وأنا في الموت. ثلاثة أيّام حتى يئست من الموت.... استيقظت مذعورًا، وبكيت... خرجت من بيتي حافيًا وركضت إلى قبرك... أقف هنا والليل يغطّيني، ومطر آذار يغسلني، وأقول لك لا يا سيّدي، الحكايات لا تنتهي هكذا، لا " (باب الشمس ص 517 ).

حتّى الكلمات تموت أيضًا:

- "حين لا يعود الكلام جديدًا وطازجًا، حين تتعفّن الكلمات في الفم، وتخرج هامدة وقديمة وميّتة، يموت كلّ شيء... ألم تقل لي ذلك بعد سقوط بيروت عام 1982، قلت إنّ الكلام القديم مات، ونحن في حاجة الآن إلى ثورة جديدة. اللغة القديمة ماتت، ونحن مهدّدون بالموت معها، لا نحارب ليس لأنّنا لا نملك السلاح، بل لأنّنا لا نملك الكلام. يومها مات الكلام يا يونس"(باب الشمس ص 462).


* خوري، إلياس (2003). باب الشمس. دار الأدب، بيروت.
* د. صالح، عالية محمود.(2005). البناء السرديّ في روايات إلياس خوري. دار أزمنة للنشر، عمّان- الأردن.
 

التعليقات