المخرجة امتياز ذياب لعرب48: فيلم "ن زيتون" يعرض إنسانية الفلسطيني

والفلسطيني ملزم بهذه النون لارتباطها بالزيتون وارتباطها بفلسطين نفسها، والنون بالسجن والنكبة والنكسة والحزن وما الى ذلك، وهي ترى أن النون هي الصحن ونقطتها هي حبة الزيتون..

المخرجة  امتياز ذياب لعرب48: فيلم

"أنا أريد أن يرى كل فلسطيني فيلم "نون وزيتون" صغارا وكبارا، وأريد أن يراه الإعلام بالذات، ويجب أن يتذكر الفلسطيني أنه الإنسان الأخيرعلى الكرة الأرضية، وبما أنه كذلك يجب أن يكون فخور بنفسه وبذاته وروحه، فصمودنا أعجوبة واستمرارنا وتوالدنا الكبير أعجوبة أيضا، وأنا أفكرالهندي الأحمر أبادوا إنسانيته بوحشيتهم وأبادوا الفيتنامي والبنغلدشي ولم يتبق إلا الفلسطيني هو الإنسان الحقيقي فعليا وهو أجمل إنسان وهو الإنسان الذي يتكالب عليه بأجمعه".

هذا ما قالته المخرجة الفلسطينية المنحدرة من بلدة طمرة الجليلية امتياز ذياب، في حديثها لموقع عرب 48، عشية إعلانها عن إطلاق فيلمها الوثائقي "نون وزيتون" الذي سيعرض في مدينتي رام الله والقدس في باكورة عرضه على الجمهور الفلسطيني، وعلى المختصين بالعمل الفني والمسرحي.

تقول امتياز ذياب عن تسمية الفيلم وعلى وجه الخصوص حرف النون إنها تعتبره رمز الحياة انطلاقا من سفينة نوح إلى عين كورس المصرية والقرآن الكريم والنبي يونس والأم الحنون والجنة والنار والنهار والانكسار والانتصار، والفلسطيني ملزم بهذه النون لارتباطها بالزيتون وارتباطها بفلسطين نفسها، والنون بالسجن والنكبة والنكسة والحزن وما الى ذلك، وهي ترى أن النون هي الصحن ونقطتها هي حبة الزيتون.
وتؤكد أن "ن وزيتون" رواية فلسطين "ووجعها" مع الاحتلال وحصار جدار الفصل العنصري للأرض والإنسان، من خلال حكاية شاب يتنقل من شمال الضفة الغربية إلى جنوبها لعرض أفلام سينمائية ووثائقية عن فلسطين.

وتروي أحداث فيلم "ن وزيتون" على مدار 50 دقيقة، المعاناة اليومية للمواطن الفلسطيني، وأحلامه في التخلص من الاحتلال وجدرانه، التي تبدأ بحلم سكان قرية يانون قضاء نابلس بقطف زيتونهم الذي يحاصره الجدار والمستوطنات، وينتهي بحكاية عائلة هاني عامر في قرية مسحة التي يخنقها سجن الجدار.

وتتنقل صور المعاناة والأمل بمشاهد الفيلم عبر سيارة خضراء قديمة يقودها بطل الفيلم مراد سليم، الذي يكرس وقته لعرض الأفلام الفلسطينية والوثائقية القديمة في القرى والمخيمات، من خلال دعوة الأهالي لمشاهدة أنفسهم وقراهم في هذه الأفلام، لتقوم الكاميرا بنقل تفاصيل حياة هؤلاء السكان الذين يتجمعون في ساحة خارجية بالقرية لمشاهدة ما يعرضه مراد من افلام.

وتقول ذياب "إن الفيلم يعرض إنسانية الفلسطيني في مشاهد من الحب والرغبة بالحياة والتمسك بالأرض، ويظهر للعالم وحشية الاحتلال ويجرده من إنسانيته"، لتؤكد مرة أخرى أنها اختارت اسم "ن وزيتون" للدلالة على عمق هذا الحرف الذي يرتبط بمشاهد حزينة وسعيدة في فلسطين فهي نون "البطن والنهد، ونون النكبة والنكسة، ونون فلسطين".

وتؤكد ذياب في حديثها لموقعنا إن الفيلم سيشارك في مسابقات ومهرجانات في أميركا وليون الفرنسية ومهرجان برلين السينمائي، ولكن على الصعيد العربي لا يوجد شيء واضح فيما تؤكد أنها تولي الأهمية الأولى لمشاهدته من الجمهور الفلسطيني، مشيرة إلى أن الفيلم من إنتاج قناة الجزيرة والأرز للإنتاج الفني وهو برعاية القطاع الخاص.

وينقل الفيلم مشاهد من الحصار والمعاناة على طول الطريق الواصل الى قرية بيت مرسم بالقرب من بلدة دورا جنوب الضفة الغربية، مرورا بطريق واد النار وحصار الكنيسة، ليصل مراد في عرض أفلامه إلى القرية (بيت مرسم)، ويجمع الأهالي في ساحتها لعرض فيلم فلسطيني يصور قصة تهجيرهم وتدمير قريتهم التي كانت مسرحا لمعركة حامية بين الجيش الأردني والعصابات الصهيونية عام 1966م.

وتعرض كاميرا الفيلم "ن وزيتون" حكاية القرية التي تعرضت للتدمير والخراب والنهب والسرقة من قبل الاحتلال، من خلال سرد قصص طريفية وحزينة عن سرقة الإسرائيليين للآثار، حيث يروي رجل سبعيني رواية تناقلوها عن وجود وديعة ذهبية فرعونية حضر من أجلها منقب آثار أميركي في الثلاثينيات، وعثر عليها بمساعدتهم مقابل جنيه فلسطيني، ومن ثم حضر وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي الأسبق موشي ديان الذي كان مولعا بالآثار وسرقتها إلى القرية في الستينيات، واستكمل هو الآخر نهب المزيد من آثار القرية، كما يقول سكان بيت مرسم.

ويعرض الفيلم في تفاصيله كيف سيطرت إسرائيل على المياه والأراضي الفلسطينية لصالح بناء المستوطنات، ومعاناة الفلسطينيين وتشتتهم من خلال عرض حكاية أم سعيد من مخيم عقبة جبر في أريحا التي شاركت في شبابها بتمثيل مشاهد فيلم تحدث عن طول انتظارها لأشقائها بعد احتلال فلسطين لتعود من جديد أم سعيد وتروي حكاية الألم جراء التشتت والتهجير. ويُظهر الفيلم تمسكها (أم سعيد) بعد سنوات طويلة بالعودة إلى منزلها الذي هجرت منه، حيث يختتم المشهد بلقطة تظهر فيها أم سعيد التي تخطو بخطوات واهنة على عكازتها، لتصل إلى ساحة في مخيم عقبة جبر برفقة أحفادها كي تشاهد الفيلم الذي ظهرت فيه.

وقالت المخرجة ذياب: "هذا الفيلم يهدف إلى إطلاع العالم على محاولة الاحتلال محو فلسطين، وبالمقابل إظهار قدسية الأشجار والحجارة والتراب في عيون شعبها الذين لا يمكن أن يتخلوا عنها".

وعقبت ذياب على سبب نجاح فناني الداخل الفلسطيني في الضفة الغربية مقارنة بنظرائهم من الفنانيين الفلسطينيين من مناطق السلطة الفلسطينية قائلة "يمكن عندما تضرب حجارة بالضفة بتفش غلك، يجب أن تعبر بطريقة ما، محمود درويش وسميح القاسم وأسماء كثيرة من عندنا من الداخل، أنا بفكر أن هذه هي طريقتنا الوحيدة ولا بديل لنا غيرها"، والناس هنا في رام الله وباقي المدن الفلسطينية يستقبلوننا ويرحبون بعملنا ويسهلون مهماتنا.

وتبحث ذياب في فيلمها "ن زيتون" عن مواطن "الحب في هذه البلاد المقدسة من خلال القيام بجولة في أنحاء مختلفة بالضفة الغربية برفقة عارض الأفلام مراد لتكشف عن مشاعر الغضب والتصالح والثبات والأمل بحلم الحرية الذي جسدته شخصية الفيلم هاني عامر بتركه رسما لطائر على جدار الفصل الذي يخنق حريته ومنزله".

في العرض السينمائي العالمي الأول لفيلم "ن وزيتون" تكشف المخرجة امتياز ذياب للجمهور وعد الإنسان الفلسطيني بأن يتذكر، وأن لا ينسى حبه لنفسه وأرضه، إلى الأبد. ويرصد فيلم "ن وزيتون" رحلات "مراد" في عرض الأفلام الفلسطينية القديمة التي صورت في نفس تلك الأرياف المنسية، وكان سكانها من ممثلي تلك الأفلام ولم يشاهدوا أنفسهم فيها. يشاهدون هذه الأفلام مع مراد (مانح الفرح)، لا أرباح مادية طائلة يسعى لحصدها هذا الشاب الذي يطوف القرى بسيارته، ويجمع الأهالي ليشاهدوا العروض في الساحات.

ككاتبة وصحافية تحترف مهنة التحقيق الصحفي، ملهمة بكثير من القصص والمشاهدات التي سمعتها، شهدتها أو حدثت معها في فلسطين على مر أعوام، وتراكمت داخلها، تستوحي المخرجة الفلسطينية امتياز ذياب فكرة نون وزيتون من سؤال صريح: أين تسكن المحبة في الأرض الطيبة المقدسة؟

يبدأ الفيلم بمقطع قصير من خطبة الهندي الأحمر الأخيرة، باعتبار أبناء هذا الشعب الذي دفن قسرا في أمه الأرض بفعل الإبادة الوحشية، أشقاء ألم وشركاء مأساة وشهودا على المحو. السطور القليلة التي اقتبستها المخرجة وكاتبة السيناريو من رسالة الزعيم "سياتل" التي أرسلها إلى "رئيس قبيلة واشنطن" عام 1854، تحمل دلالة ملفتة حول تقديس الشعوب المقهورة للأشجار والأحجار والبحار والأنهار والحيوانات والجبال والأزهار.

"إن كلَ جزءٍ من هذا الترابِ مقدسٌ في عينِ شعبي.. كلَّ سفح ِ تلة.. كلَّ وادٍ وكل َّ بستان.. كلَّ مكانٍ هنا مقدسٌ بحادثةٍ سعيدةٍ أو حزينةٍ في الأيامِ التي طواها الزمن.. وحتى الصخورِ التي تبدو صماء َوهامدةً تحتَ قيظِ الشمسِ على شاطئِ البحر، كلُها تبتهجُ بذكرياتٍ تتصلُ بأقدارِ شعبي. والتراب؛ هذا الذي تقفون عليه الآن، يحن ُّ لخطواتِ أقدامِ أبناءِ شعبي أكثرَ مما لأقدامِكم، لأن الترابَ مشبّعٌ بدم ِأسلافِنا، وأقدامَنا العاريةَ تنتعشُ بلمستهِ الحانية"... هكذا يقول الزعيم الهندي الأحمر للغزاة البيض (ذوي الوجوه الشاحبة) قبل أن يزفر آخر زفراته عائدا إلى التراب في حضن أجداده، تاركا لأبناء الشعوب الأخرى (فلسطين هنا) هذه "الوصية" الموجعة بعدم التفريط بالأرض.

وعن طاقم الفيلم قالت ذياب إنه عمل في ظروف شاقة حيث تعرض مصورون لكسور بسبب وعورة المناطق وبعدها التي تم بها التصوير. ويتالف الطاقم من: سيناريو وإخراج امتياز ذياب، مونتاج و تدقيق ألوان عيسى فريج، مدير السينما الجوالة مراد إسماعيل، موسيقى سعيد مراد، مكساج الصوت زاهر رشماوي، مصورون موفق عودة،عبد الله درع، أيمن أبو رموز، عيسى فريج، صوت نعيم أبو تايه، مدير إنتاج سليم أبو جبل، مدير مواقع حمودي دياب، أبحاث ميدانية سليم أبو جبل، حمودي ذياب، مساعد إنتاج شعبان شعبان، ترجمة للإنجليزية رجا الخالدي، دعاية وإعلام رشا شرقية، خط ساهر كعبي.

وحول الرسالة التي حملها الفيلم وبحثت عنها كمخرجة فلسطينية، قالت ذياب: "لا أعرف إن وجدت الرسالة، ولكني وقفت على لماذا تحب امتياز فلسطين"، وسأضرب لك أمثلة تتعلق بسؤالكم: الخطاط ساهر الكعبي الذي خطط لنا عنوان الفيلم "ن وزيتون " طلبت منه أن يشاهد الفيلم قبل أن يخطط العنوان وأجبرته على ذلك، صمت، وقال لي "أنا فلسطيني من مخيم تشتت بين عمان والعراق والهند وسوريا، وتوجعت وتعرضت للإهانة وتعذبت لأني فلسطيني للحد الذي كرهت به هذا العبء وأنت في ساعة أعدتيني 20 عاما الى الوراء".

وتابعت "عندما تتطلع في نون وزيتون قلبك بنط من صدرك، وكل واحد عمل معي في هذا العمل عمل بهذا الحب وبهذا القلب، فتصور كم قلب عمل معي، ولأجل ذلك أنا أحب فلسطين.. وأريد أن أعطيك مثالا آخر فقد تعلمت من فيلم لعبد السلام شحادة دقيقة أو دقيقتين كونه يعرف افلام "مراد"، بعثت له رابط الفيلم على غزة كونه لا يستطيع مشاهدة الفيلم هنا، وعندما راه قال: قتلتيني امتياز، انت عملت فسيفساء تحمي الكل وتحمل الكل، وأنا أجرؤ وأتواقح وأقول إن هذا رمز جديد لنا".

أما المثال الثالث الذي سأسرده لموقعنا جميعا "عرب48": منتج إسرائيلي كان يريد أن يستعير عدة دقائق من فيلم جوليانو لفيلمه عن جوليانو، وقال لي: كم تريدين سعره؟ فجاوبته أنني لا أريد سعرا، أنا أريدك فقط أن تراه، لأنني فعلا أريد أن أرى الفيلم من الوجهة الإسرائيلية".

تقول ذياب إن هذا المنتج كتب لها إيميل عبر البريد الإلكتروني قال فيه "أنت تقولين للإسرائيلي أنت فقدت الإنسان فيك دون أن تمسكي خنجرا وتضعيه في بطنه، ودون أن تحملي كلاشنكوف وتحطيه في صدره، أنا أفكر أنه يجب أن يربى كل إسرائيلي هذا الفيلم، وأنا أعدك أنني سأعمل على أن يتم عرض هذا الفيلم بسينماتك بتل أبيب، وهذا ليس لأجل الدقائق التي ساستعيرها من فيلم جوليانو".

وعلى الصعيد الفلسطيني قالت ذياب إن وزير الثقافة الفلسطيني رأى الفيلم، وقال إنه لم ينم الليل رغم مرضه في ذلك اليوم، بمعنى أن الفيلم طرد النوم من عينيه.

وتؤكد امتياز أنها وضعت خطة لعمل جولة في فلسطين الداخل 48 مثلما عمل مراد جولة في الضفة الغربية لأجل أن يرى الناس الفيلم وباقي الأفلام التي مثلوا فيها من عشرين سنة حتى الآن، لدينا خطة تكميلية لجولة مراد، وأن نكمل المشوار في 48 الذين أنا منهم وهم مني ومن نكبتهم وحلمهم، وحلمي أن يشاهد جميعهم الفيلم".
 

التعليقات