صباح... رحيل صاحبة الصوت المتمرّد/ مريم فرح

ماتت شحرورة الوادي، ماتت صباح.

صباح... رحيل صاحبة الصوت المتمرّد/ مريم فرح

ماتت شحرورة الوادي،
ماتت صباح.

ماتت في فندق برازيليا في جبل لبنان، بعد حياة حافلة كسرت خلالها الكثير من القوالب، وطافت الدنيا لتكون كما تشاء هي أن تكون!

ثورة صباح لم تبدأ بالغناء، فلم يكن صوتها الغنائي مهمًا بقدر ما كان صوتها المتمرد عاليا في الحياة.  

عاشت الصبوحة الحياة بكل تقلباتها، عاشتها لحظة بلحظة من دون ندم.

لقد تمردت على كل ما يمكن لمرأة أن تتمرد عليه. وراهنت على كل ما يمكن لمرأة أن تراهن عليه. 

حولت حريتها التي كانت السبب وراء ظلم وعنف والدها تجاهها إلى دافع نحو السعادة.

ويمكن القول إن الظلم والبؤس هما جزء من تاريخ صباح، لكنها أثبتت أن هذا التاريخ لا يلقي بظلاله على الحاضر الذي امتلكته. 

وفي مثل هذا الحاضر، أحبت وكرهت، مرة كاتبا، ومرة ممثلا، ومرة عازفا، ومرة أميرا، ومرة صحافيا... وعاشت عهد الطبقة الوسطى في مصر، النظام الملكي في السعودية والتناحر الطائفي في لبنان. 

في نفس هذه الحقبة تزوجت الشحرورة: نجيب شماس والد ابنها صباح، أنور منسي والد ابنتها هويدا، أحمد فراج المذيع المصري، الأمير خالد بن سعود بن عبد العزيز آل سعود، الفنان رشدي أباظة، يوسف حمود، الفنان وسيم طبارة والفنان فادي لبنان. وتطلقت من الثمانية.

اشتهرت كثيرا وبسرعة كبيرة... كُرمت ثم  تحدتها الحياة وأفقرتها وأذلتها. أشهرت إسلامها كي تستعيد ابنتها هويدا بعد موت والدها أنور منسي، وعادت مسيحية في آخر عمرها.

سياسيًا، جسدت في جزء من مسيرتها الفنية فكرة القومية العربية، حيث شاركت في أوبريت 'وطني حبيبي... الوطن الأكبر' عام 1960، وهو من تأليف أحمد شفيق كامل وتلحين محمد عبد الوهاب. وكتب احتفالاً بوضع حجر الأساس للسد العالي. وشاركها في الأوبريت عبد الحليم حافظ، شادية، نجاة الصغيرة، وردة الجزائرية، وفايدة كامل.
 
في بلد الحواجز حملت جنسيتين، اللبنانية والمصرية، بل وحملت أيضا اللهجتين، اشتهرت في مصر ومنها انتقلت شهرتها إلى لبنان. لكن ولأسباب سياسية تم  منعها من دخول مصر لمدة 15 عاما، وفي هذه الفترة أطلقت أغنية 'سلمولي على مصر' تعبيرا عن اشتياقها لبلدها الثاني. 

في التمثيل، اكتشفتها آسيا داغر، منتجة لبنانية مقيمة في مصر آنذاك، وقدمتها للسينما المصرية في فيلم 'القلب له واحد' عام 1945 تأليف بديع خيري وإخراج بركات، ومن بعده استمرت في التمثيل ليكون في رصيدها 83 فيلما.  

استطاعت صباح بموهبتها اختراق السينما المصرية بعد زميلتها اللبنانية أو عدوتها نور الهدى، حيث استطاعت صباح أن تتفوق على نور الهدى في فترة قصيرة، لتصبح إحدى أيقونات الخمسينيات والستينيات والسبعينيات في زمن الفن الجميل.

صباح التي هزت مسارح العالم كالأوليمبيا في باريس، وألبرت هول في لندن، ودار الأوبرا في سيدني وغيره، هزت أيضا مسارح الشرق، وشاركت في 27 مسرحية لبنانية، واشتهرت في مشاركتها في المهرجانات اللبنانية مثل بعلبك وجبيل.

صباح ردد الكثيرون أنغام أغانيها ورقصوا عليها، وضحك الناس معها في أفلامها الكوميدية وبكوا معها في أفلام الدراما. 

لم  ينشغل العالم العربي كثيراً بجمال صوت الشحرورة وأهميته، فلا إجماع على أن صباح فنانة ذات صوت عذب أو جميل،  يحبها الجميع وتسمعها في الصباح. تستطيع أن تحب الصبوحة أو تكرهها، تمتدحها أو تنتقدها، يمكنك أن ترقص على أغانيها أو تسكتها، أن تراها جميلة جدا أحياناً وقبيحة أحيانا أخرى، لكنها حتما امرأة قوية ومثيرة للجدل. 
 
ماتت صباح قبل أن تصبح عجوزا، بل لم تصبح عجوزا يوما،  كانت شابة حتى ماتت، لم تقهرها الشيخوخة أبداً. 

صباح التي عاصرت العمالقة رحلت الآن عن الحياة بعد أن عاشت فعلا 87 عاما، ولم تمر على هذه الحياة مرور الكرام. وطلبت صباح في وصيتها الأخيرة أن يفرح الناس في جنازتها، لا فرحا بموتها بل بما كانت عليه حياتها، حيث كانت وصيتها الأخيرة:  '... قوليلن يحطو دبكة ويرقصوا، بدي إياه يوم فرح مش يوم حزن. بدي إياهن دايماً فرحانين بوجودي وبرحيلي متل ما كنت دايماً فرّحهن. وقالتلي قلكن إنّه بتحبكن كتير وإنّه ضلّوا تذكروها وحبوها دايماً'.

التعليقات