قراءة في"مجموعة قصائد فلسطين المجاهدة" للشاعر نوح إبراهيم

نوح ابراهيم شاعر شعبي ومطرب فلسطيني، كان ينظم في عهد ثورة 1936 القصائد والأزجال والأناشيد بالعامية، وأحيانًا بالفصحى ويلقيها في الاجتماعات الوطنية العامة، وهي تثير النخوة وتؤجج الحمية

قراءة في

نوح ابراهيم شاعر شعبي ومطرب فلسطيني، كان ينظم في عهد ثورة 1936 القصائد والأزجال والأناشيد بالعامية، وأحيانًا بالفصحى ويلقيها في الاجتماعات الوطنية العامة، وهي تثير النخوة وتؤجج الحمية، كما أنه كان يُعبّئها في أسطوانات لتباع في حيفا ويافا وفلسطين في زمن كان فيه الفونوغراف (الحاكي) وسيلة من وسائل البث والنشر. كان لا يكاد يقف بلباسه العربي وكوفيته وعقاله المقصب على المنبر أو المسرح حتى تنطلق الأكف ترحيبًا به. انضم إلى صفوف الثورة واستشهد عن عمر يناهز 25 عاما.

بين يدينا الطبعة الثانية من مجموعته المذكورة، وفيما يلي نص ما ورد على الغلاف الأمامي: (مجموعة قصائد فلسطين المجاهدة -نظم وتلحين نوح ابراهيم الشاعر الشعبي الفلسطيني وتلميذ القسام، حيفا-فلسطين. تحتوي على القصائد والأزجال الشعبية، الاجتماعية، الوطنية، الحماسية، والأسطوانات الشعبية الجديدة التي تصدر قريبًا. حقوق الطبع والتأليف والتلحين محفوظة وخاصة).

كتب نوح ابراهيم مقدمة للمجموعة تحت عنوان 'كلمتي' وفيما يلي نصها:

 (أيها القارئ الفاضل، أتقدم إليك بهذه المجموعة الصغيرة بحجمها، الكبرى بما حوته عن مغازي هامة آملاً أن تنال القبول. وإن ما لقيته من التشجيع وأسطواناتي من الرواج حفزاني لإخراج هذه الطبعة الثانية من قصائدي الشعبية المعروفة. وستصدر في مدّة قريبة جدًّا عدة أسطوانات شعبية مدهشة وأهمها 'تحية الاتحاد الإسلامي المسيحي' وأسطوانة اللجنة الملكية. ولي الفخر أن أكون الشاعر الشعبي الفلسطيني الذي أخدم بلادي بمثل هذه الدعاية المنتجة بشهادة رجالات البلاد وهيئاتها. وأعلن لأخواني أني كنت المذيع الشعبي الفلسطيني الوحيد فشاءت-السلطات العليا- منعي رسميًا من الإذاعة، ولكني اعتبر هذا المنع كوسام وثقتي في تشجيع الأمة أكبر الآمال.

نوح ابراهيم

حيفا- في تاريخ تعانق الهلال والصليب الرائع في ظل الراية العربية).

بناء على ما ورد أعلاه يمكننا أن نستنتج :

1. أن النسخة الموجودة بين يدينا هي الطبعة الثانية من المجموعة المذكورة، وقد طبعت في حيفا. ومما يدعم ذلك أن بين القصائد ظهرت إعلانات لمحلات تجارية في حيفا مثل محل لطحن القهوة ومحل لبيع الإسطوانات اسمه 'سودوا الوطنية' لصاحبه محمد سعد الدين إدريس الوكيل الرئيس لبيع الأسطوانات في حيفا ويافا وفلسطين.

2. في المجموعة قصيدة اسمها (يا حضرة القائد دل)، ودل هذا هو الجنرال جون ديل، قائد بريطاني، قدم إلى فلسطين في 13 أيلول سنة 1936، وقد كتب نوح في أعلاها (نداء خاص مُوجّه للقائد العام للجيوش الإنكليزية في فلسطين، وقد عبأتها في شركة سودوا فأطلبوها من الوكيل العام في حيفا وعملائه في فلسطين)، وكتب في أسفلها الملاحظة التالية: (سأقوم بتقديم نسخة من هذه الأسطوانة الهامة مع ترجمتها إلى جناب القائد العام الذي يعتقد الكثيرون أن مواقفه كانت معتدلة، والله أعلم). وعليه فإن المجموعة صدرت بعد 13 أيلول سنة 1936م.

3. في 22 شباط 1938م أصدر مراقب المطبوعات البريطاني في فلسطين، أوين مريديت تويدي، قرارًا يمنع فيه السماح بنشر، أو طبع قصائد نوح ابراهيم، وفيما يلي نص القرار: 'استنادًا إلى الصلاحية المخوّلة لي كمراقب للمطبوعات... بمقتضى نظام الطوارئ فأنا، أوين مريديت تويدي، أحظر طبع، أو نشر النشرة المحتوية على مجموعة أشعار نوح إبراهيم المطبوعة خارج فلسطين والمعروفة باسم 'مجموعة أناشيد نوح إبراهيم' في فلسطين، وأحظر أيضًا استيراد تلك النشرة إليها، وآمر بضبط ومصادرة نسخ تلك المطبوعة، أو المنشورة، أو المستورده خلافًا لهذا الأمر'.

 وعليه فإن النسخة الموجودة بين يدينا طبعت في حيفا قبل صدور قرار الحظر الوارد أعلاه، وكان قد سبق ذلك حظر نشر أغاني نوح ابراهيم في الإذاعة الفلسطينية. أما النسخة التي طبعت في مكتبة الاعتدال في دمشق فهي متأخرة وصدرت بعد الحظر المذكور.

4. ورد على الغلاف أن نوحًا هو الذي نظم هذه القصائد ولحّنها. وقد غنّاها وسجلها بصوته على أسطوانات كانت تباع في حيفا وسائر أرجاء فلسطين عبر الوكيل الرئيس لشركة 'سودوا الوطنية' في حيفا وعملائه في يافا وفلسطين.

أغنية يا حضرة القائد دل:

هي أشهر قصائد المجموعة، من نظم وتلحين الشاعر نوح ابراهيم، عُبِّئت في أسطوانة وبيعت في حيفا ويافا وفلسطين في فترة انتشر فيها جهاز الحاكي (الفونوغراف). وقد اشتهرت باسم (دبّرها يا مستر دل). في ملاحظة طريفة ذكر نوح أنه سيقوم بإرسال نسخة من الأسطوانة مع ترجمتها إلى جناب القائد العام للجيوش الإنكليزية الجنرال جون ديل (John Dill ) الذي يعتقد الكثير أن مواقفه معتدلة والله أعلم. من الجدير بالذكر أن جون ديل عيّن قائدًا أعلى للجيوش الإنكليزية في فلسطين في 8 أيلول 1936، ووصل إلى فلسطين في 13 من الشهر ذاته لقمع الثورة.

يُروى أن نوحًا اعتقل في سجن المزرعة، وأن القائد ديل سمع باسمه يتردد في أنشودة، فطلب أن تترجم له وأن يجتمع بناظمها، فجيء بنوح من السجن وتحدّثا، ويبدو أن الجنرال ديل أُعجب به فأوعز بإطلاق سراحه.

دأب الناس في جميع أرجاء فلسطين على ترديد الأنشودة في المناسبات والأعراس، مع إجراء تغييرات طفيفة على بعض الحروف لتتاسب مع لهجتهم المحلية، وجعلوها أداة للتعبير عن سخريتهم بالقائد ديل والاستهانة بإمداداته التي جاءت لقمع الثورة.

وفيما يلي نص الأغنية باللهجة الحيفاوية:

يا حضرة القائد(دل) *** لا تظن الأمة بتمل

لكن أنت سايرها *** يمكن على يدك بتحل

ما دمت رجل خبير*** وقائد عسكري خطير

وقضيتنا كلها فهمتها*** ما بلزم إلك تفسير

فهّم لندن باللي صار*** واللي بعدو راح يصير

العرب أمة أحرار *** صداقتها لازمتكو كتير

دبرها يا مستر (دل)*** يمكن على يدك بتحل

إن كنت عاوز يا جنرال *** بالقوة تغير هالحال

لازم تعتقد أكيد *** طلبك صعب من المحال

لكن خدها بالحكمه *** وأعطينا الثمن يا خال

ونفّذ شروط الأمه *** من حرية واستقلال

دبرها يا مستر (دل) *** يمكن على يدك بتحل

جيت فلسطين الحره *** حتى تقمع الثوره

ولما درست الحاله *** لقيت المسألة خطره

بدنا تفهم بريطانيه *** حتى تكفينا شرها

وتصافى الامه العربيه *** بمنع البيع والهجره

ودبّرها يا مستر (دل) *** يمكن على يدك بتحل

ما دمت صاحب السلطه *** حل هالمشكل وهالورطة

ومد يدك صافحنا*** ما تخلى ولا أورطة

ونفّذ وعود الشرف*** حتى نمحي هالغلطة

للدولة هدا أشرف*** وأحسن مشروع وخطه

دبرها يا مستر (دل)*** يمكن على يدك بتحل

بناء على ما ورد في القصيدة/الأغنية الواردة أعلاه كان نوح ابراهيم يعول على أن بريطانيا ستمنع البيع والهجرة اليهودية وتحقق مطالب الفلسطينيين العادلة في الحرية والاستقلال.

استشهاد الشاعر نوح ابراهيم:

في يوم الثلاثاء الأول من شهر رمضان عام 1357ﻫ/الموافق 25/10/1938 استشهد الشاعر الفلسطيني نوح ابراهيم بالقرب من طمرة مع ثلاثة من الثوار وهم: محمد خضر قبلاوي من مجد الكروم، وعز الدين خلايلة من مجد الكروم وأبو رعد وهو ثائر من سوريا. يروى أن الشهداء كانوا يمتطون جيادهم في طريقهم لقرية كوكب أبو الهيجاء، وأن الإنكليز كانوا يقيمون تحصينات في الجبل، فانتبهوا إلى هؤلاء الخيالة، ورصدوا تحركاتهم، وبينما كانوا يصعدون في واد عميق من أراضي كابول كمن لهم الإنكليز قريبًا من خربة ضميدة، في موقع حرجي يسمى الصنيبعة بالقرب من طمرة. ترجل الفرسان الأربعة ليستريحوا قليلاً ففاجأتهم قوة عسكرية بريطانية مدعومة بطائرات فسقطوا شهداء. وقد ألقى الإنكليز جثثهم في بئر، ثم جاء أهل طمرة ، وحملوا الجثث إلى جامع القرية، وصلوا عليهم ودفنوهم في المقبرة القديمة في البلدة، وقد أقيم للأربعة نصب تذكاري في طمرة عام 1986. من الجدير بالذكر أن نوحًا كان شابًا عمره 25 سنة، وكان ينشد الأغاني الوطنية، وله أسطوانات، وهو من حيفا، وقد حظرت أغانيه بأمر من قسم المطبوعات، ثم انضم إلى صفوف الثورة حتى استشهد.

أسماء القصائد والأغاني في المجموعة:

1. يا خسارة يا عز الدين، وقد كتب في أعلاها: (لقد بذلت مجهودًا خاصًا لتعبئة هذه القطعة بشكل رائع ومؤثر، وستصدر في مدة قريبة وتكون في بيت كل عربي) وقد كتب بجانبها: (والجود بالنفس أقصى غاية الجود، الله أكبر، لن نستسلم، هذا جهاد في سبيل الله والوطن، يا رفاقي موتوا شهداء، الله أكبر تلك هي الكلمة الداوية التي انطلقت من أحراش يعبد في قضاء جنين فعمت القلوب والأسماع، وبعثت في النفوس الآمال ففي ذمة الله، وعاشت ذكرى القسام وصحبه الكرام). ومن أبياتها:

عز الدين يا خسارتك***رحت فدا لأمتك

مين بينكر شهامتك*** يا شهيد فلسطين

من الجدير بالذكر أن الشيخ عز الدين القسام استشهد مع عدد من الثوار في أحراج (أحراش) يعبد في 19/11/1935 في معركة غير متكافئة، لكنها كانت الشرارة الأولى للثورة الفلسطينية ضد المحتل.

2. أما الوطن للجميع: وقد كتب في أعلاها (أرفع هذه القطعة الهامة إلى حضرات رئيس وأعضاء اللجنة العربية العليا الممثلة للأمة العربية في فلسطين والتي ضربت المثل الأعلى في موقفها حيال الدساسين وستصدر هذه الاسطوانة قريبًا جدًّا وقد عبأتها في شركة سودوا فاطلبوها بإلحاح. ومطلعها هو:

المسلم والمسيحي*** اتحادهم قوي ومنيع

والدين والمذهب لله*** أما الوطن للجميع

وورد في أسفلها: لتسقط مساعي الدساسين وليعش الاتحاد الاسلامي المسيحي، يا يعيش، يا يعيش، يا يعيش

يروى أن والده توفي بجيل مبكر، فعانى نوح من الفقر، لذلك عاش في دير للراهبات تحت رعاية الراهبة روت سنبل سنوات قليلة. كان نوح يرفع شعار الوحدة بين المسلمين والمسيحيين، ويغني لها.

3. يا ملوك المسلمين: في أعلاها: (إلى أصحاب الجلالة ملوك وأمراء العرب المعظمين أيدهم الله). ومطلعها:

ما لنا غير الله وأنتم يا ملوك المسلمين*** شمّروا عن سواعدكم لإنقاذ فلسطين

في سبعة أبيات ثم يتوجه إلى إمام اليمن يحيى بن حميد الدين في ثلاثة أبيات، وإلى جلالة ملك العراق غازي في ثلاثة أبيات، ثم إلى سمو أمير الأردن عبد الله بن الحسين في ثلاثة أبيات، ثم يعود ليناشد جميع الأقطار العربية المناصرة.

من خلال القصيدة/الأغنية يتضح أن نوحًا كان يعقد آمالاً عراضًا على تدخل ملوك الدول العربية لدى بريطانيا من أجل تحقيق مطالب أهل فلسطين العادلة، وبالفعل توجه هؤلاء الزعماء بنداء لوقف الإضراب العام في فلسطين الذي استمر من 20 نيسان إلى 11 تشرين الأول سنة 1936.

 4. يا جناب اللجنة الملكية: إلى جناب اللجنة الملكية التي أوفدتها الحكومة البريطانية لسماع مطالب فلسطين العربية ومن أبياتها:

يجناب اللجنة الملكية***خلي عندك نظريه

بلكي تقضي هالمشكل*** وتحل هالقضية

بالأول قاطعناكي*** حتى نحفظ شرفنا

رجعنا تعاونا معاكي*** حيث ملوكنا أمرونا

وقد عُبئت هذه القطعة فيشركة سودوا الوطنية.

قاطع العرب اللجنة الملكية المسماة بلجنة بيل، ثم عادوا للتعاون معها، وقد أصدرت هذه اللجنة تقريرًا في 9 تموز 1937 يقضي بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود مع بقاء القدس والأماكن المقدسة تحت سلطة الانتداب البريطاني. هذه القصيدة/الأغنية تشير إلى أن المجموعة صدرت في طبعة ثانية في حيفا بعد هذا التاريخ.

5. يا حضرة القائد دِلْ: هي نداء خاص موجه للقائد العام للجيوش الإنكليزية في فلسطين، وقد عُبئت في أسطوانة. وقد سبق أن تطرقنا إلى هذه الأغنية أعلاه.

6. تعيش اللجنة العربية: إلى حضرات رئيس وأعضاء اللجنة العربية العليا واعترافًا بجهودهم الطيبة في سبيل القضية سجلتها في أسطوانة وستصدر قريبًا، ومن أبياتها:

قولو معي ياإخوان*** الله ينصر الأوطان

كل واحد منا فرحان*** في هاللجنة العلية

كان يرأس اللجنة العربية العليا المفتي الحاج أمين الحسيني، وقد انسحب منها راغب النشاشيبي، رئيس حزب الدفاع الوطني، بعد قرار لجنة بيل القاضي بتقسيم فلسطين بين اليهود والعرب. من الجدير بالذكر أن النشاشيبي كان يؤيد الأمير عبد الله بن الحسين الذي أيد قرار اللجنة المذكورة.

7. محاورة العربي والصهيوني: وهي محاورة غنائية مسرحية مكونة من 41 بيتًا، يقول نوح ابراهيم: (لقد ظهرت هذه الأسطوانة المدهشة، وراجت رواجًا طيبًا دل على أن الشعب بدأ يهمل الأغاني التي تقتل الشعور الوطني، ويهتم بمثل هذه القصائد التي تولّد فيه الحماس والاعتزاز). ومن أبياتها:

العربي: أنا العربي يا عيوني***عند الموت ارموني

بمحي اسم الصهيوني*** لأحمي بلادي فلسطين

الصهيوني: أنا الصهيوني المعروف*** وأمري في الدنيا مكشوف

رسمالي مكر وبلوف*** ولازم أملك فلسطين، ولازم أملك فلسطين.

8. تحيا رجال البحرية: 'تحية لبحرية يافا البواسل المشهورين، وقد سُجّلت هذه الأسطوانة في شركة سودوا الشهيرة وستظهر قريبًا فاطلبوها من الوكيل العام في حيفا وعملائه في يافا وفلسطين'، ومطلعها:

بحيي رجال البحريه***من إسلام ومسيحيه

بحرية يافا البواسل ***أصحاب الهمه العليه

ثم تلا قصيدة ثلاث مرحات لبحارة يافا البواسل.

9. في سبيلك فلسطين: ومطلعها:

الله محيي المعتقلين*** والزعماء المنفيين

نيالو اللي تعذب *** في سبيل فلسطين

صدرت المجموعة المذكورة لاحقًا في دمشق، ووصلت نسخ منها إلى فلسطين.
 

التعليقات