صفد .. عائدون

تعتبر صفد من أعرق المدن الفلسطينية وأكبرها في الشمال. تقع على ارتفاع 900 متر (2953 قدما)، ومنذ القرن السادس عشر الميلادي اعتبرت صفد واحدة من أربع مدن مقدسة في اليهودية، جنباً إلى جنب مع القدس والخليل وطبريا، ومنذ ذلك الوقت، كانت مطمعاً لل

صفد .. عائدون

تعتبر صفد من أعرق المدن الفلسطينية وأكبرها في الشمال. تقع على ارتفاع 900 متر (2953 قدما)، ومنذ القرن السادس عشر الميلادي اعتبرت صفد واحدة من أربع مدن مقدسة في اليهودية، جنباً إلى جنب مع القدس والخليل وطبريا، ومنذ ذلك الوقت، كانت مطمعاً لليهود.

وخلال العصور القديمة الكلاسيكية، كانت صفد بلدة يهودية محصنة في الجليل – حسب كتابات المؤرخ الروماني اليهودي يوسيفوس – كما أنها مذكورة في التلمود كواحدة من أربع بقع مقدسة عند اليهود، وخلال الفترة الصليبية، وهناك معلومات نادرة عن مدينة صفد قبل الغزو الصليبي في 1099، حيث تظهر المدينة في المصادر اليهودية في العصور الوسطى المتأخرة، وخاصة منذ القرن الثاني عشر الميلادي، بأنها كانت مدينة محصنة في المملكة الصليبية بالقدس، حيث شيد الملك فولك في صفد قلعة قوية عام 1168، وكان يعيش بها فرسان الهيكل.

وتم السيطرة على صفد من قبل الأيوبيين بقيادة صلاح الدين في عام 1188م، بعد حصار لمدة سنة بعد معركة حطين في عام 1187م، وعندما دخلها المسلمون سمح صلاح الدين لسكانها في العيش بسلام، أو الانتقال إلى أية مدينة أخرى حسب رغبتهم.

وفي عام 1227م، أمر القائد الأيوبي وأمير دمشق المعظم عيسى، بهدم قلعة صفد لمنع دخول الجيش الصليبي إلى البلدة مجدداً، وفي عام 1240م، دخل الجيش الصليبي إلى القدس مجدداً، ودارت حروب عدة بين المسلمين والصليبيين، حتى عقدت معاهدة سلام بعد تفاوض قائد الحملة الصليبية مع الأيوبيين في دمشق ومصر، وتم وضع صيغة نهائية لمعاهدة سلام، سمحت للصليبيين باستعادة مملكة القدس، بالإضافة إلى بيت لحم والناصرة، وبعض مناطق الجليل ومدينة صفد، وتم إعادة بناء قلعة المدينة.

وخلال الفترة المملوكية، وبالتحديد عام 1260م، أعلن السلطان المملوكي بيبرس شنّ سلسلة من الهجمات على القلاع في المنطقة، بما في صفد، وفي عام 1266م، استطاع الجيش المملوكي إخضاع معاقل الصليبيين في فلسطين، وتم استعادة سيطرة المسلمين على صفد، وصد جميع محاولات الصليبيين، واستعادوا ملكهم الضائع في فلسطين، وقام بيبرس بتعيين حاكم ليكون مسؤولاً عن قلعة صفد، نظراً لمكانتها الاستراتيجية وموقعها على جبل عال وعزلتها من القلاع الصليبية الأخرى، وعلاوة على ذلك، قرر بيبرس أنه في حال وقوع غزو صليبي جديد على المنطقة الساحلية في فلسطين، ستكون قلعة صفد المحصنة بمثابة مقر عسكري مثالي لمواجهة التهديد الصليبي.

وفي عام 1268م، قام بيبرس بإصلاح القلعة وتوسعتها وتقويتها، وأمر بإنشاء العديد من أعمال البناء في بلدة صفد، بما في ذلك الخان والأسواق والحمامات، وتحويل كنيسة المدينة إلى مسجد، وبحلول نهاية عهد بيبرس، أصبحت صفد بلدة مزدهرة، وأصبحت المدينة أيضاً مركزاً إدارياً لإمارة دمشق خلال العهد المملوكي.

وفي العصر العثماني، كانت عاصمة صفد سنجق، التي تشمل الكثير من مدن الجليل، وتمتد إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وكانت سنجق جزءا من إيالة عثمانية في دمشق حتى عام 1660م، وفي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي كانت صفد جزءاً من ولاية صيدا، وبعد طرد كل اليهود من إسبانيا في عام 1492م، هاجر الكثير من اليهود والعديد من الحاخامات البارزين إلى صفد، كما تدفق اليهود الشرقيين للإقامة في البلدة المقدسة لديهم، وأمر السلطان سليمان الأول بأن تكون صفد مركزاً عالمياً للتعليم اليهودي، ومركزا إقليميا للتجارة، وفي عام 1584، كان هناك حوالي 32 معبدا يهوديا مسجلا في المدينة، كما ازداد عدد السكان اليهود في النصف الأخير من القرن التاسع عشر عن طريق الهجرة من بلاد فارس، والمغرب، والجزائر.

وخلال الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1920م، كانت صفد مدينة مختلطة من السكان، وتم تشييد العديد من المدارس للتلاميذ في مختلف المراحل، بالإضافة إلى بناء العديد من النوادي الرياضية والجمعيات الخيرية، فضلاً عن وجود جمعيات عربية سرية مناهضة للاحتلال البريطاني والوجود اليهودي، ومع انسحاب القوات البريطانية من فلسطين عام 1947م، سيطر الفدائيون العرب على بعض المدن مثل صفد، إلا أن العصابات اليهودية المسلحة سيطرت على البلدة عام 1948م، وطردت سكانها الفلسطينيين، وأصبحت صفد والخليل نقطة صدام كبرى بين الطرفين، ومع قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين، كانت صفد جزءا من فلسطين المخصصة للدولة اليهودية المقترحة، ما ساهم في توترات مسلحة ونزاعات قوية بين اليهود والعرب.

وتقع المدينة فوق الصدع بين سوريا وأفريقيا، ونتيجة لذلك، هي واحدة من المدن في إسرائيل تعرضاً لخطر الزلازل، جنباً إلى جنب مع طبريا وبيسان وكريات شمونة وإيلات، وتعج صفد بالعديد من الآثار الإسلامية القديمة، مثل مسجد الظاهر بيبرس أو كما يطلق عليه “الجامع الأحمر”، وجامع الشيخ نعمة، وجامع الحمام العنبري، ومسجد الشيخ عيسى، وتشتهر البلدة المحتلة بأشجار اللوز والزيتون والعتب والبساتين.

اقرأ/ي أيضًا| بيت لحم... محطة الحضارات باتجاه أول التاريخ

التعليقات