الكتابة .. لغة تطور الإنسان وتحفظ حياته

كتابة اليوميات لتسجيل أحداث اليوم من أفكار ومواقف وأشخاص، تساعد في التفريغ عن المشاعر، والتعامل مع الأشياء المؤلمة والمرهقة، إضافة إلى فوائد أخرى. حيث اكتشف الباحثون في جامعة تكساس الأمريكية، أن كتابة اليوميات تزيد من قوة الخلايا الليمفاو

الكتابة .. لغة تطور الإنسان وتحفظ حياته

يؤكد خبراء في علم علماء النفس أن للكتابة تأثيراً إيجابياً على شعورهم وعمليات تفكيرهم، حتى كيفية رؤيتهم للأشياء، ونظرتهم للمجتمع من عادات وظواهر وأشخاص، ما يعكس تأثير الكتابة على العقل بطرق مختلفة وبشكل أكثر مما يمكننا إدراكها.

عرف الإنسان الكتابة منذ بداية الحضارات في بلاد الرافدين بواسطة السومريين، وكانت تستخدم فيها الألواح الطينية، وتمتع الكتبة بمكانة وقيمة عالية في الدولة، وكان لها التأثير الأكبر في تطوير قدرات الإنسان، ونقل المعرفة والعلوم المختلفة من عصر إلى آخر، حتى وصل الإنسان إلى التطوّر التكنولوجي وعصر المعلومات، ومع كل ذلك لا يقتصر تأثير الكتابة على نشر المعرفة والمفاهيم القيمة أو حفظ العلوم والأحداث، بل يتعدى تأثيرها الحيز العام ليكون علاجاً نفسياً وجسدياً، فهي أحد الأساليب التي تساعد الإنسان على الحفاظ على صحته النفسية والجسدية.

وقد أفادت دراسة أجراها الباحثان “كارين بايكي”، و”كاي ويلهيلك” في الولايات المتحدة، أن الكتابة التعبيرية تنفع بشكل كبير في أوقات الضغط والتوتر والحزن والغضب. كما أن الكتابة عن حدث مؤلم حدث في الماضي، وكان يحسّن من الصحة النفسية، وأيضاً كان يحسّن من الصحة الجسدية التي تسبّب الألم بتدهورها، فضلاً عن أن دمج الكتابة التعبيرية في الخطة العلاجية يعطي مفعول الدواء نفسه، ويحسّن من الصحة الجسدية ويحمي من الأزمات القلبية.

تُعتبر الكتابة من أبرز الأنشطة التي تنمّي قدرات الإنسان وتطوّر إمكانياته وحواسه، وفي مقدمتها قدراته العقلية، فيما يخصّ تنشيط الدماغ وتحسين الذاكرة، وهناك طرق مختلفة تؤثّر بها الكتابة على العقل، حيث عندما يقوم المرء بكتابة شيء ليسجّله، فإنه يطلق مجموعة من الخلايا في الفص الصدغي للدماغ المعروف كنظام تفعيل شبكي، ونتيجة لذلك يقوم العقل بتكثيف كمية التركيز على المعلومات التي يكتبها المرء، ومن ثم تزداد قدرة الحفظ وعمل الذاكرة بشكل أفضل وتركيز أعلى، هذا بجانب أن للكتابة تأثيراً إيجابياً على مستوى الذكاء، حيث تزيد من وضوح الأمور بطريقة لا يمكن للتواصل الشفهي فعلها، وهذا بسبب أن الكتابة في موضوع ما تتطلّب فهماً أكثر رسوخاً عن ذاك الذي نحتاجه عند الحديث عنه، وتحتاج لأن تفكر في شيء ما، ثم تنظم هذه الأفكار في العقل وبعد ذلك يتم كتابتها، مما يزيد عمل العقل ويرفع مستوى الذكاء.

كتابة اليوميات لتسجيل أحداث اليوم من أفكار ومواقف وأشخاص، تساعد في التفريغ عن المشاعر، والتعامل مع الأشياء المؤلمة والمرهقة، إضافة إلى فوائد أخرى. حيث اكتشف الباحثون في جامعة تكساس الأمريكية، أن كتابة اليوميات تزيد من قوة الخلايا الليمفاوية، وهذه خلايا مناعية تساعد الجسم في محاربة العدوى والأمراض.

كما أن تدوين المشكلة على الورق يساعد على الفهم الكلي لما تتعامل معه، من حيث البحث في التفاصيل، وتسجيل الكثير من الملاحظات. فدمج الكتابة في جهود حل المشكلات لا يحسّن قدرة المرء على حل المشكلات الحالية فقط، ولكن أيضاً يحسّن قدرته على حل المشكلات في المستقبل.

د. أحمد فخري، استشاري علم النفس، يقول: الكتابة تؤثّر إيجابياً على الصحة النفسية والجسدية للإنسان، هذا بجانب تأثيرها على تطوير قدراته وتنشيط الذاكرة وعمل الدماغ، مشيراً إلى أن الكتابة التعبيرية تحسّن من الصحة النفسية والجسدية، بغض النظر عما إذا كان الإنسان مصاباً باضطراب أو مرض نفسي أو كان بلا مرض. حيث أن كتابة الشخص عن نفسه وعن تجاربه الخاصة لمدة لا تقل عن خمس عشرة دقيقة يومياً، تحسّن الحالة النفسية وتقي من الاضطرابات النفسية كالاكتئاب. كما أنها تحسّن من الصحة الجسدية أيضاً بعدم التعرّض لسكتة قلبية، موضحاً أن الكتابة تزيد من مستويات وعي الشخص والمعرفة والإدراك، وهي ما تقوم بدورها في رفع مستويات الذكاء.

وتابع: الكتابة بشكل يومي تقوم بإشراك الجانب الأيسر من الدماغ، وتنشيط الجانب الأيمن والقيام بوظائفه التي هي الإبداع والتخيّل والشعور، كذلك تعمل على تفريغ العقل من الطاقة السلبية وأعباء التفكير.

ويوضح فخري أن الفعل المادي للكتابة بالقلم والورق يشرك العقل بثلاث طرق مختلفة، حيث يستخدم المهارات الحركية لإمساك القلم للكتابة، ويعمل العقل على استدعاء السطور والأشكال، والمشاركة في تشكيل كل حرف. كما أن عملية الكتابة تدفع العقل في المهمات، وهذا ما يسبّب تدفّق وتضاعف الأفكار، فتزيد قدرة الشخص على الإبداع والتفكير.

ومن جانبه، يشير د. محمد الطاهر، أستاذ الدراسات الأدبية ، إلى أن للكتابة أهمية خاصة في حياة الشعوب، ذلك لأن تاريخ العالم وحضاراته ما كانت لتنتقل من جيل إلى آخر إلا بكتابتها على الأوراق والصحف وغير ذلك من الأدوات، ولولا الكتابة لاندثر ذكر كثير من الحضارات. فمرحلة الفراعنة حين حكموا مصر قبل الميلاد قد ورد ذكرها في كثير من المصادر والكتب، وكذلك حضارة اليونان القدماء وما وصل من علومهم في شتى ميادين المعرفة، لافتاً إلى أن للكتابة دوراً كبيراً في تدوين تاريخ الأمم والشعوب، ونقل المعرفة والعلوم المختلفة، إضافة إلى أن الكتابة هي صورة من صور النهضة والرقي في حياة الشعوب والمجتمعات، وكلما كثرت الكتابة النافعة والإيجابية دلّ ذلك على ثقافة الشعب وحضارته المتجذّرة، وتحسّن صحته النفسية والجسدية، ما ينعكس بالإيجاب تقدّم الشعوب وتحضّرها، مؤكداً أن للكتابة تأثيراً لا يقتصر على نشر الأفكار والمفاهيم القيمة أو حفظ العلوم والأحداث، بل يتعدى تأثيرها الحيز العام ليكون علاجاً نفسياً للكاتب نفسه، فهي من الأساليب التي تساعد الإنسان على الحفاظ على صحته النفسية والجسدية.

اقرأ/ي أيضًا| جاك بيرك .. الغربي ناقل تراث العرب

التعليقات