مسجد حسن بك.. شاهد على عروبة يافا

يعتبر مسجد حسن بك واحدًا من أكثر المساجد التاريخية والمعروفة التي تقع في مدينة يافا، والتي يرتبط تاريخها ارتباطًا وثيقًا بمراحل مختلفة من الصراع العربي الإسرائيلي، وشاهد على عروبة المدينة الفلسطينية.

مسجد حسن بك.. شاهد على عروبة يافا

مسجد حسن بك

يعتبر مسجد حسن بك واحدًا من أكثر المساجد التاريخية والمعروفة التي تقع في مدينة يافا، والتي يرتبط تاريخها ارتباطًا وثيقًا بمراحل مختلفة من الصراع العربي الإسرائيلي، وأيضًا تمتد جذور الصراع خلال الحقبة العثمانية والاستعمار البريطاني، حيث تمثل هذه المدينة معنى رمزي وعاطفي عميق عند العرب عامة والفلسطينين خاصة.

وعلى الطراز المعماري العثماني الفريد، يوجد مسجد حسن بك الذي تم تشييده عام 1916، وتعود تسميته إلى حسن بك الحاكم العربي لبلدة يافا خلال الحكم العثماني، ويقع المسجد بارتفاعه الشاهق على ساحل البحر الأبيض المتوسط على الطريق السريع المؤدي إلى يافا، ويعدّ المسجد الأثر العربي والإسلامي المتبقي في المدينة، بعد أن قام الاحتلال الإسرائيلي بهدم الحي القديم بأكمله بعد نكبة عام 1948، وحاول الاحتلال هدم المسجد مرات عديدة بحجة تطوير المدينة، وكان أخطرها عام 1981، حيث وقع بالمسجد تصدع في جميع أركانه، ولكن هبّة الشعب الفلسطيني أنقذت المسجد من الانهيار والتدمير.

ووفقًا للضابط السابق في وحدة الأرغون الإرهابية، التي احتلت يافا عام 1948، يوسف نحمياس، قال في مذكراته، إنه 'تعهد ورجاله بهدم مسجد حسن بك فور الاستيلاء عليه، وتابع: بعد احتلال البلدة كنا على استعداد لتفجيره، ولكن جاء اعتراض صارم من قبل قائده، رئيس الحكومية الإسرائيلية الأسبق، مناحم بيغن، وقال: إن القيادة الإسرائيلية تخوفت من أن ينظر إلى الدولة العبرية التي تسعى للتأسيس، أمام العالم على أنها تعمل على تدنيس أماكن المسلمين المقدسة'.

وظل مسجد حسن بك بعد النكبة مهجورًا ومهملاً لسنوات عديدة، وكان يدخله المتشردون والمدمنون من الإسرائيليين لتعاطي المخدرات، وفي عام 1979، أعلن فجأة من قبل الدولة العبرية عن مشروع للتطوير العقاري في يافا، وكان مخططًا هدم المسجد وتحويله إلى مركز للتسوق، ولكن المشروع أثار عاصفة من الاحتجاجات من جانب العرب في الداخل الفلسطيني، المدعومة من جماعات السلام وحقوق الإنسان، وكانت النتيجة أنه تم إلغاء مشروع التطوير وعاد المسجد تحت إدارة المسلمين في يافا.

وبعد فترة وجيزة من تسليم المسجد للمسلمين، انهارت مئذنة الجامع بين عشية وضحاها، ووصف الانهيار رسميًا في التحقيقات بأنه حادث من قبل متطرفين يهود، حيث كان التخريب المتعمد من قبل الجماعات اليمينية المتطرفة، أو من قبل المحاربين القدامى من عام 1948، الرافضين للسلام مع العرب والفلسطينيين، ومع ذلك أعادة سكان يافا من العرب الفلسطينين بناء المئذنة، حيث منحت حكومات الأردن والسعودية أموال للقائمين على إدارة المسجد لإعادة ترميمه.

ويتمتع المسجد بطراز معماري فريد من نوعه، حيث تم بناؤه من الحجر الجيري الأبيض الذي كان فريدًا جدًا في ذلك الوقت، بدلاً من استخدام الحجر الأكثر شيوعًا وقتها في المنطقة، مثل: الحجر الجيري الأصفر أو البني، وتتميز جدران المسجد بثقوب مزينة بنوافذ جميلة ورائعة بشكل معقد ويكسوها الزجاج الملون، كما يحتوي المسجد على مئذنة شاهقة الارتفاع وقبة ضحلة، وأيضًا قاعة للصلاة مربعة تحتوي على نسبة منخفضة نسبيًا من السقف الملموس والمسطح.

ومنذ تسليم المسجد إلى المسلمين، تعرض الجامع إلى العديد من الهجمات على أيدي المتطرفين اليهود، ففي عام 2001، وقع تفجير عملية تفجير قتل على إثرها 21 إسرائيليًا، ما أوقد الحقد الدفيين عند اليمينيين الصهاينة، فوضعوا أقدامهم داخل وخارج المسجد وحاصروه من كل جانب، ورشقه بالصخور والزجاجات الحارقة، ويصاحبها دعوات متطرفة للانتقام من العرب، وهو ما أدى إلى هدم نوافذ المسجد وتدمير وحرق محتوياته الداخلية، وتطور الغضب لمواجهات في فلسطين.

كما تعرض الجامع إلى إحراق كامل في عام 2004، بعد أن انتهك متطرفون يهود حرمة المسجد، وهشموا النوافذ وهاجموا المصلين وألقوا في المسجد زجاجات حارقة.

وتعرض مسجد حسن بك عام 2007، لاعتداء جديد من قبل المتطرفين اليهود، حيث قام مجموعة من الصبية باقتحام الجامع ومحاولة إحراقه، إلا أن حراس المسجد تمكنوا من الإمساك بهم قبل إشعال النيران في الجامع، ومع ذلك يحاول عرب يافا المحافظة على المسجد الذي تم تجديده، حيث تقام الصلوات فيه بانتظام، رغم المسافة الكبيرة التي تفصل المسجد عن الحي العربي في يافا.

ويقول الخبير الأثري، د. مصطفى عبدالعزيز، إن 'مسجد حسن بك من الآثار الإسلامية الصامدة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، والتي تعدّ بقاؤها مرسخًا للهوية العربية لمدينة يافا، التي احتلتها المنظمات الصهيونية الإرهابية المسلحة خلال عام 1948'.

ويوضح أن الجامع عبارة عن مبنى رائع بني في نهاية العصر العثماني في عام 1916، في حي المنشية بوسط مدينة يافا، حيث كانت المنشية قديمًا خلال القرن التاسع عشر، بلدة مترامية الأطراف خارج أسوار البلدة القديمة في يافا، حيث تم بناء المسجد أثناء الحرب العالمية الأولى من قبل الحاكم المحلي للبلدة الذي كان يدعى حسن بك.

اقرأ/ي أيضًا | يافا... عروس فلسطين

ويتابع عبدالعزيز، أنه 'بعد النكبة والنكسة العربية في حربي 48 و67، كان المسجد منطقة استراتيجية هامة، بسبب وجود المئذنة ذات الارتفاع الشاهق، والتي كانت تستخدم من قبل القناصة العرب لقنص الجنود اليهود، وهو ما جعل السلطات العبرية تقوم بتدمير حي المنشية تمامًا باستثناء متحف عز ومسجد حسن بك'.

التعليقات