مبدعون على فيسبوك: كسر الاحتكار وتهديد اللغة

شبكات التواصل الاجتماعي قامت بدور إيجابي في نشر الفكر والإبداع، وهو ما نراه في وجود صفحات وحسابات لمفكرين وأدباء ومبدعين، يتجمع فيها جمهورهم ويتواصلون معهم

مبدعون على فيسبوك: كسر الاحتكار وتهديد اللغة

(أ.ف.ب)

واقع ثقافي جديد خلقته شبكة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، التي تحولت لمتنفس للملايين من الشباب حول العالم للتعبير عن آرائهم ونشر إبداعاتهم ليقرأها عدد غير محدود من المتابعين للشبكة العالمية التي تحولت إلى وسيط جديد للنشر، بل وأدى الانتشار الكبير للشبكة وشعبيتها بين مختلف الأعمار والجنسيات إلى ظهور أشكال جديدة من الكتابة يرقى بعضها لمصاف الإبداع، وإن لم يتم التأسيس له نظريا بعد.

فمن خلال عدد غير محدود من الصفحات والمجموعات التي تجمع هواة كتابة الأدب في مختلف صوره، يتنافس كتاب وشعراء على حصد علامات الإعجاب والتعليقات من جانب منتسبي مجموعات الأدب زوار هذه الصفحات، بل وانضم عدد من الكتاب المعروفين في حقل النشر الورقي التقليدي إلى أصحاب مجموعات وصفحات “فيسبوك” من كتاب الجيل الجديد، الذي يبدو أنه تحول كلية إلى النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وباقي أشكال النشر الإلكتروني بدلا من النشر التقليدي عبر دور النشر المعروفة.

لكن أول وهلة يمكن حتى لغير المتخصص في النقد الأدبي أن يلحظ العيوب الخطيرة في الكتابات التي تحاول أن تقترب من أشكال الكتابة الأدبية على الفيسبوك، ومن أخطر هذه العيوب: الكتابة بشكل سطحي، وعدم الحرص على السلامة اللغوية، وتجاهل أساسيات الكتابة الإبداعية

وبين مؤيد ومعارض للنشر عبر “فيسبوك” تبقى حقيقة بارزة، وهي أن هذه الشبكة قد كسرت حلقات الاحتكار حول عملية النشر، وساعدت جيلا جديدا على الظهور وطرح كتاباته عبر الشبكة، وإن أخذ بعض النقاد على بعض ما ينشر عبر ملايين من صفحات “فيسبوك” السطحية والانطباعية، إلا أن ذلك لم يمنع في نفس الوقت من ظهور كتابات إبداعية مميزة عبر هذه الشبكة.

فعلى الرغم من أن “فيسبوك” كشبكة اجتماعية قامت على أساس أنها فكرة للتواصل الاجتماعي، وخلق عالم افتراضي للعلاقات الاجتماعية، إلا أنه مع انتشار الشبكة فإنها توسّعت مجالاتها لتشمل السياسة والاقتصاد، بل والثقافة والأدب، ليحوزوا بجزء من تأثيرها في تغير نوعية الثقافة بالابتعاد عن النخبة والمفكرين والاتجاه نحو الثقافة الشعبوية، وانحدر الأدب والإبداع في قائمة أولويات واهتمامات شبكات التواصل الاجتماعي لتصبح محدداً جديداً له تأثيره وأضراره على الفكر وقيمة الكلمة.

ردود أفعال

لكن في نفس الوقت، فإن النشر على “فيسبوك” يعطي ميزة إضافية للكاتب الذي يسعى لصقل إبداعه من خلال النشر عبر هذه الشبكة، حيث يتلقى الكاتب ردود الأفعال فورا على ما يكتبه سواء من خلال علامات الإعجاب أو عبارات النقد لما نشره عبر خاصية التعليقات، وهو ما يمكن الكاتب من تعديل المحتوى الذي قام بنشره لتوه، أو حتى رفعه من الصفحة إذا وجد أنه يحتاج لتعديلات جوهرية، ولكن في نفس الوقت، فإن تعليقات القراء وعلامات الإعجاب في هذا الصدد تبقى مجرد تعليقات وانطباعات شخصية لا تنتمي لحقل النقد الأدبي القائم على أسس علمية.

وعلى صعيد آخر، فإن النشر عبر فيسبوك يعطي للكاتب القدرة على أن يشارك لحظيا وبدون انتظار في أية قضايا إبداعية أو ثقافية تفرض نفسها على الساحة، مثل مصادرة كتاب أو حظر نشر لمبدع، دون أن ينتظر لدوره في النشر من خلال كتاب ورقي تقليدي أو حتى للنشر في الصحف والمجلات الأدبية، وحيث يستغرق النشر في هذه الوسائط وقتا طويلا قد ينتهي معه زمن القضية التي يتم إثارتها.

ثقافة شعبوية

في هذا الصدد أشارت دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في القاهرة، إلى أن انتشار المفردات المستخدمة في شبكات التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، واختلاطها بالحياة اليومية للشباب العربي تهدّد مصير اللغة العربية، وتلقي بظلال سلبية على ثقافة وسلوك الشباب العربي الأدبي والإبداعي وقيمة الكلمة والفكر.

ويؤكد خبراء في الإعلام أن “فيسبوك” أضرّ بالفكر والإبداع، في ضوء اعتماده على الثقافة الشعبوية وتراجع تأثير النخبة وأصحاب الفكر، وهو ما أثّر سلباً على قيمة الفكر والكلمة ومضمونها ودلالاتها، في حين يوضح آخرون أن شبكات التواصل الاجتماعي ساعدت على نشر الثقافة والفكر، بل وطوّرت الأدب والإبداع من خلال الاختلاط بين الثقافات ومساحة الحرية الموجودة على صفحاتها.

الشاعر سيد حجاب يؤكد أن تأثير “فيسبوك” وشبكات التواصل الاجتماعي امتدّ إلى جميع مجالات الحياة، وقد شمل هذا التأثير الجانب الثقافي والإبداعي، والذي لحق به أضرار بانتشار تلك المواقع التي تعتمد على ثقافة العامة وليس النخبة والمفكرين، مشيراً إلى أن قيمة الفكر والكلمة ودلالاتها تراجعت واختلفت كثيراً في هذا العالم الافتراضي، لافتاً إلى أن “فيسبوك”  أصبح من أكثر التهديدات خطورة على الهوية الثقافية والفكرية للشباب العربي، حيث أهدر قيمة الفكر والإبداع، وغيّر قيمة الكلمة ودلالاتها، كذلك حقوق المبدع والمفكر المعنوية والمادية، كما نال من القراءة والكتابة، موضحاً أن تلك المواقع أصبحت لها لون جديد من الثقافة ولغة خاصة بها تمثّل تمرداً على النظام الاجتماعي والثقافي والفكري.

فوضى فكرية

بينما يرى د. فؤاد السعيد، الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن اعتماد شبكات التواصل الاجتماعي على الثقافة الشعبوية ونشرها دون وجود رقابة عليها، أثّر سلباً على الثقافة والفكر والإبداع، الذين جاءوا في زيل اهتمامات تلك المواقع، بل وربما يحظون بقدر من الإهمال والتهكم، في ضوء تجاهل تام لثقافة النخبة التي من المفترض أن تكون الموجه والضابط للشعبوية، محذراً من خطورة هذا كون أن غياب دور النخب وانتشار الدور الشعبوي يقود إلى الفوضى الفكرية ومن ثم الانهيار الثقافي.

ويوضح السعيد أن “فيسبوك” له صلة وعلاقة قوية باللغة، التي ترتبط بشكل مباشر بالفكر والثقافة والأدب، فبانحدار اللغة ينحدر الثقافة والفكر والأدب والإبداع والعكس صحيح، وبالنظر إلى طبيعة اللغة المستخدمة في الحوار والمشاركة على شبكات التواصل، سيتضح حجم التأثير السلبي لتلك المواقع على مفردات اللغة ومن ثم الإبداع والثقافة، لافتاً إلى أن مستوى الأداء اللغوي ضعيف مما يشكّل خطورة على قوة اللغة وحيويتها، ومن تدني المحتوى الرقمي العربي على الإنترنت حيث لا تتجاوز مساهمة العرب 3 بالمئة مما ينتجه العالم، هذا بجانب أن أكثر من 50 بالمئة من سكان الوطن العربي لا يتقنون اللغة العربية بشكل جيد، ما يوجد الإشكاليات التي تحول دون الاندماج التام للغة العربية بالعصر الرقمي، ليتخذ الشباب العربي لغة موازية تكون أقرب لفكرهم وتعبيرهم، وتخلق لهم وعاء ثقافي وفكري مختلف، ينتج إبداعاً مشوهاً لا يعي قيمة الكلمة ودلالاتها.

تطور اجتماعي

ومن جانبها، تشير د. إجلال حلمي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إلى أن لكل شيء إيجابيات وسلبيات، فمن أهم مميزات شبكات التواصل الاجتماعي أنها أصبحت أساسياً في حياة الشعوب، كونها انتشاراً للثقافة والمعرفة ونتعلم من خلالها الخبرة في فنون الحياة، كما أنّ شبكات التواصل ليست تطوراً للتكنولوجيا الرقمية فقط، بل هي تطوّر علمي وفكري وثقافي واجتماعي، وتعتبر هي والإنترنت المسؤول الأول عن القفزة الهائلة في العلم والمعرفة والعلاقات الاجتماعية، لافتة إلى أن “فيس بوك” وغيره ساعد على إنشاء علاقات بين الشباب وبعضهم تجاورت قاعدة الأصدقاء الفردية والمكان والزمان، فساعدت على انتشار الثقافات المختلفة وانتشار اللغات، موضحة أن الاختلاط الثقافي والفكري الموجود على شبكات التواصل طوّر القدرات الثقافية والإبداعية للشباب، وأثّر بشكل إيجابي على مستوى المعرفة والفكر لديهم.

وتضيف حلمي: شبكات التواصل الاجتماعي قامت بدور إيجابي في نشر الفكر والإبداع، وهو ما نراه في وجود صفحات وحسابات لمفكرين وأدباء ومبدعين، يتجمع فيها جمهورهم ويتواصلون معهم، هذا بجانب دور تلك الشبكات في نشر الثقافة والمعرفة وتنمية الوعي لدى الشعوب، مشيرة إلى ضرورة أن يطوّر المفكر والمثقف من قدراته حتى يستطيع مواكبة التطور التكنولوجي، حتى يكون له مكان وتأثير في هذا العالم الجديد الذي فرض نفسه على كافة مجالات ونواحي الحياة، بما فيها الفكر والأدب والإبداع.

اقرأ/ي أيضًا| سينما غزة... تاريخ الحكاية

وتابعت: مواقع التواصل الاجتماعي وفّرت مساحات كبيرة من الحرية للرأي والفكر والإبداع، وهو ما جعلها عاملاً مساعداً على تطويره، على الرغم من وجود بعض السلبيات التي تتعلق بالعمل بدون ضوابط أخلاقية أو أدبية، مؤكدة أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت عالماً واقعياً يفرض الثقافة، ويشكّل اتجاهات الفكر والإبداع والرأي العام.

التعليقات