المخرج نزار حسن: "بعضنا يحاول فرض إسرائيل على العالم العربي"

ويقول لـ"عرب 48": لا أفهم استقبال من يصف نفسه بأنه "الابن البار لدولة إسرائيل"* "هناك من يعتقد أنه باسم ’الممانعة’ يحق له ما لا يحق لغيره"* "بعضنا يذهب إلى الخيار السهل وهو الاصطدام مع العالم العربي وفرض تعاستنا عليه"

المخرج نزار حسن:

(أ ف ب/ عرب 48)

أعادت زيارة الفنان محمد بكري إلى بيروت، في إطار ما عرف بأسبوع أيام فلسطينية، إلى الواجهة، النقاش حول إشكالية التطبيع والتواصل، بمعنى حق عرب الـ48 في التواصل الثقافي والسياسي والإنساني مع العالم العربي، مقابل التزام العالم العربي برفض كافة أشكال التطبيع وعدم استخدامنا كـ"جسر" للتطبيع مع إسرائيل.

المخرج نزار حسن

كما في حالة فيلم "أمور شخصية"، الذي أثار في حينه مسألة مشاركته أو عدم مشاركته في مهرجان بيروت السينمائي، لأنه عُرّف على أنه إسرائيلي وحظي بتمويل إسرائيلي، رغم أن مخرجته فلسطينية وكذلك الممثلين المشاركين فيه، هكذا في حالة محمد بكري انقسمت الآراء واحتدم الجدل، بفارق بسيط، هو أن الميزان مال لصالح الفنان بكري بسبب الوزن الذي يتمتع به الأخير والوزن الذي تتمتع به الجهة الداعية، صحيفة "الأخبار"، المحسوبة على تيار المقاومة والممانعة.

وقد تبدى ذلك في بيان حملة المقاطعة في لبنان، الذي صدر لاحقا وقالت فيه إنها "لم تبادر، فور علمها من وسائل الإعلام، بدعوة المخرج والفنّان الفلسطينيّ محمد بكري إلى بيروت، إلى البحث كما جرت عادتها في حالاتٍ مشابهة، مفترضةً أنّ الداعين أجروا ذلك البحثَ لكونهم حريصين كلَّ الحرص على مقاطعة "إسرائيل" ومناهضة التطبيع".

وعكس البيان، الذي أصدرته الحملة أيضا بعد الدراسة المتأخرة التي أجرتها، حالة الإرباك التي وقعت فيها بين مطرقة الممانعة، التي وقفت من وراء الدعوة، وسندان القوى والشخصيات الفلسطينية، وعلى رأسها بسام الشكعة، التي عارضت زيارة بكري واعتبرته "حالة تطبيعية، عرفت بسخريتها من خط المقاومة وعروبة فلسطين".

حول اشكالية العلاقة بين التواصل والتطبيع التي يواجهها الفنانون والمثقفون في الداخل الفلسطيني، وقضايا التمويل والهوية والولاء، أجرى "عرب 48" الحوار التالي مع المخرج نزار حسن.

"عرب 48": تابعت النقاش الذي دار في الآونة الأخيرة حول التطبيع والمقاطعة، ماذا تقول فيه كمخرج فلسطيني يعيش داخل إسرائيل ويعايش هكذا وضع؟

حسن: "أولا يجب التنويه أننا كفلسطينيين بقينا في وطننا منذ عام 1948 لا ينطبق علينا أي معيار من معايير التطبيع العامة. فنحن لا نستطيع، وغير مطلوب منا، مقاطعة الجامعات والبضائع وأماكن عملنا وتعليمنا. وأنا شخصيا ضد تنصيب أوصياء وأيقونات وكهنوت وطني. فليس عمر البرغوثي ولا الـBDS ولا "الممانعة" من يفتي بتصرفاتنا، لأننا قد نكتشف أن هؤلاء أكثر المطبعين.

ثانيا، إسرائيل كدولة ومجتمع وفرد هي كيان واحد، وهي مستعمرة وليست دولة، وفي حال تحدثت عنها كدولة فإنك وقعت في شباك التطبيع. وإن إسرائيل كمستعمرة من المستحيل أن تتحول إلى شيء عادي في المنطقة. والتطبيع يسعى إلى تحويلها إلى شيء عادي لأنه، كما قال بن غوريون، لن تقوم لإسرائيل قائمة إلا إذا تحولت إلى شيء عادي في المنطقة".

"عرب 48": السؤال بالنسبة لنا كفلسطيين بقينا في الوطن، لماذا نُحرم من التواصل مع محيطنا العربي بذريعة التطبيع؟

حسن: "نحن الفلسطينيين هنا، مشكلتنا هي أن بعضنا، من حيث يدري أو لا يدري، يريد أن يلزم العالم العربي بقبول إسرائيل، وبعضنا يحاول فرض إسرائيليين، عنوة، على العالم العربي بحجة أنهم يساريون، علما أنه لا يوجد إسرائيليون يساريون وإنما يوجد لبراليون. فالشرط الأساسي لأن تكون يساريا هو أن تناهض الصهيونية. وهؤلاء صهاينة.

وللأسف الشديد، من يُنتقد من قبل بعض المثقفين من أهلنا، هو الأديب جمال الغيطاني، على سبيل المثال، لأنه رفض ترجمة كتبه إلى العبرية. بينما لا يتوقف أحد ويسأل هل صحيح أن الكاتب إلياس خوري ساعد وساهم في أول مسلسل أنتجه إسرائيلي باسم إيلان زيف وإسرائيلية باسم عميت بروير، بعنوان "أراب دايري". والقائمة طويلة...

لا يمكن ألا يحاسب شخص يأخذ معه إلى مهرجان قرطاج في تونس أحد رموز السينما والثقافة الإسرائيلية، وهو آسي ديان، ويحاول فرضه على التونسيين كمشروع سلام. بل نستمر بوصفه "وطني" وأعماله وطنية. هذا هو التطبيع بعينه. أو عندما يخرج علينا "شخص" من أهلنا ويقول عن نفسه إنه الابن البار لدولة إسرائيل، فهل يستحق شخصا كهذا دعوته إلى محافل ثقافية في العالم العربي".

"عرب 48": المشكلة لدى من يقوم بدعوته إلى العالم العربي؟

حسن: "نعم. المشكلة عندما تتم الدعوة من قبل جريدة تدعي "الممانعة" والمقاطعة مثل "الأخبار" اللبنانية. يبدو أنه يحق لهؤلاء ما لا يحق لغيرهم. فهم أول جريدة عربية، على ما أعتقد، أعطت مساحة كاملة في عدد معين لمجموعة من الكتاب الإسرائيليين للنشر في جريدتهم. بعضهم من شبه المؤيدين لـ"شاس"، وهم ربما كانوا الجريدة الأولى التي طبعت العبرية على صفحاتها. والمشكلة عندما تصبح سيمون بيطون وإلاه شوحط، التي تدافع عن عنصرية الشرقيين، أيقونات لدى هؤلاء. والمشكلة أيضا عندما يهاجم مثقف دعوة لمقاطعة مهرجان تورنتو، الذي شارك فيه إسرائيليون، ويصفها بالتخلف ويدعو إلى النضال من الداخل.

والأنكى من ذلك، أن المثقف ذاته لا ينسحب من لجنة تحكيم على الرغم من أن مخرجة فيلم من الناصرة تقول إنها تريد أن ينزل فيلمها تحت اسم إسرائيل. كذلك توجد مشكلة عندما يتم السكوت على قيام جمعية المثليين اللبنانيين بتبني عرض فيلم إسرائيلي يحمل اسم "فقاعات" في مهرجان سينما "فيرتي" في باريس. ومشكلة أخرى هي عندما يحرض فنانون لبنانيون على عدم التوقيع على عريضة لمقاطعة مسرح "ليون" في فرنسا بذريعة التخوف من أن تقوم المخابرات اللبنانية بمعاقبتهم، وبالمقابل يجري التحريض على فنانة لبنانية طالبت بالمقاطعة".

"عرب 48": ولكن أنت تعرف أن تسويق "اليساريين" الإسرائيليين يتم أساسا من هنا، ونحن من يقوم بذلك، فلماذا نلوم اللبنانيين أو غيرهم، ناهيك عن أن هناك اجتهادات سياسية متباينة في هذا الموضوع؟

حسن: "صحيح. المشكلة تنبع من عندنا كما قلت لك للتو، وذلك عندما نذهب إلى تونس ونأخذ معنا شخصا اسمه آسي ديان، نريد أن نفرضه على التونسيين، أو عندما يذهب أحدنا إلى موسكو ويأخذ معه (الشاعر الإسرائيلي) ناتان زاخ. وإذا رفض العالم العربي ذلك نشتم العالم العربي.

لقد أصبحنا نرى كيف يجر هؤلاء إسرائيليين ويدخلون بهم إلى العالم العربي، حتى لم نعد نعرف إذا كان الفلسطيني يجر الإسرائيلي أم أن الإسرائيلي هو الذي يسوق الفلسطيني أمامه. يبدو أن هناك اتفاقا ضمنيا بين فنانين، لا ينبغي تسميتهم فلسطينيين، بل "عرب إسرائيل" لأن الإسرائيلي يسوّق هؤلاء في أوروبا وهؤلاء يسوّقونه في العالم العربي".

"عرب 48": والحال كذلك، ماذا يفعل العالم العربي الذي إذا امتنع عن استقبالنا نتهمه برفض التواصل مع الجذر الباقي في فلسطين، وإذا استقبلنا يتهمه بعضنا بالتطبيع؟

حسن: "العالم العربي يستطيع أن يطلب منا ألا نفرض عليه العمل بما يخالف ضميره وسياسته، بخصوص قبول إسرائيل وقبول الإسرائيليين، بغض النظر عمن يكونوا، وعلينا احترام ذلك بشكل مطلق".

"عرب 48": دعنا ننظر إلى واقعنا أو واقعكم كفنانين، فهو ليس أفضل ما يكون، وهناك مشكلة في التمويل ومشكلة في دور العرض والجمهور، وهذا من شأنه أن يخلق أزمة هوية وازدواجية انتماء.

حسن: "المشكلة ليست بالتمويل الإسرائيلي فقط. فأنا حصلت على تمويل إسرائيلي عن فيلمي "أسطورة" و"ياسمين"، وكان ذلك في الـ 97 – 98، حين لم تكن حركات مقاطعة ولا تطبيع، ولكني أصررت أن يعرضا تحت اسم فلسطين. السؤال هو هل تحصل على تمويل إسرائيلي وتصر على أن يعرض فيلمك تحت اسم فلسطين، وتصطدم مع إسرائيل، أو أن تصطدم مع العالم العربي، وتحاول أن تفرض عليه أن يعرض فيلمك كفيلم إسرائيلي وتصدر وضعك التعيس للعالم العربي؟".

 

التعليقات