19/06/2010 - 16:13

حرب العلمين!../ رازي نجار

-

حرب العلمين!../ رازي نجار
منذ أن "تمشكنتُ" وتمكنّتُ من شراء بيت حيفيّ، أنهض كل صباح عند الساعة السادسة إلا خمس دقائق، ذلك أنَّ ابنتي العزيزة - أمدَّ الله فرحنا بها - والتي تعيش أول مونديالتها رقصًا على صوت شاكيرا – أمد الله فرحنا بها هي الأُخرى – تصر على النهوض في هذه الساعة، لأبدأ معها مراسيم البروتوكول اليومي الثابت: نقلها من سريرها إلى الصالون، ثم تثبيتها في كرسيها الهزاز، ثم الاستجابة لنداء معدتها الصغيرة بقنينة من الحليب المحلول الذي يحلني من أي مهام يفرضها البروتوكول لربع ساعة من الزمن.

في ربع الساعة هذا، أحل أنا لنفسي كوبًا من القهوة سريعة الذوبان، أفتح واجهة البيت الموصودة أمام احتمالات السرقة، لينكشف أمامي المنظر إيّاه الذي لا يُمل، ولا يتغير أيضًا... بيتي المجاور لقبة عباس الشهيرة يطل على شمال فلسطين، وكلكم تعرفون هذا المنظر الخلاب الذي ينعم به كل من اتخذ من حيفا بيتًا، فهل قلت إنَّ الله جميل يحب الشمال؟!

ما علينا، لن أطيل في وصف المنظر، وأكتفي بمسح سريع يخدم موضوعنا الذي سأدخل به بعد سطرين أو ثلاثة.. أو أربعة. هي بيوت متراصة، بعضها بهيٌّ عتيق، وبعضها بشع على شاكلة الغرباء الذين عمروها غريبة عن المكان، لكنَّ جميعها تنحدر باتجاه البحر، لتصطدم بميناء يسيطر عليه أسطول مضاد للحرية، فالبحر، فمنطقة الشمال المنبسطة من الناصرة إلى الناقورة. إلى هنا جميل، ولكن… ما هذا، ماذا أرى، معقول؟!

أفرك عينيَّ مرةً، ثم مرة ثانية، أتأكد من أنني صببت لنفسي هذا السم المنبّه/المصحّي المعروف باسمه الشائع – القهوة. نعم، إنها القهوة وليست نبيذًا، وهذا بيتي، وأنا صاحٍ، وهذه ابنتي، وهذه شرفة جاري الفضيل المولع بمنتخب البرازيل، وهذا علم الأرجنتين يرفرف على بيته!

الأرجنتين؟! كيف؟ متى؟ لماذا؟..
فرحت، وزينت وجهي ابتسامة بلهاء، ليس لأنني مشجع لمنتخب الأرجنتين، فأنا لم أحسم بعد هوية الفريق الذي أحب، وحاليًا اتفقت مع حالي على محبة ثلاثة منتخبات، ولكن لهذا مقام في مقال قادم.

أقول فرحت لأني بطبعي ثوري ومتمرد وأحب قلب الأمور وخلط الأوراق (في صغري فضلت خربوط على أبي الحروف، مثلاً). فرحت لأنني اكتشفت أنَّ جاري ليس انسانًا متقوقعًا وأنه قابل ومتقبّل للتغيير، وعلى هذا قد تترتب علاقتي معه مستقبلاً. فرحت لأني اكتشفت أنه في هذا الزمن الرديء المتحجر المتعصب المتصلب المتجمد هناك أناس ثوريون مستعدون لمواجهة ثقافة القطيع (البرازيلي)، هناك من هو قادر على تغيير علمه... كم كبرت في نظري يا جار!.. كلي ثقة الآن أن جاري قابل مثلاً لتغيير نوع المعسّل الذي يدخن ويزعجني، لتخفيف كمية الدهن في الكباب الذي يشوي فيعميني، قابل لقراءة هذه الكلمات فلا يضربني!

بعد سكرة الفرح الصباحي جاءت الفكرة، فنزلت من عليّة هلوستي المنصوصة أعلاه إلى الأرض، وصرت أبحث عن تفسير منطقي لهذا التحوّل المفاجئ الذي وقع على بعد يومين من انطلاق المونديال.

سلّمت ابنتي لزوجتي – أطال الله صبرها عليّ – ولجأت إلى خير جليس في الزمان، الإنترنت، علّني أجد إجابة تبل الريق في إحدى صفحات العلوم النفسية، لكن سوسة السياسة أخذتني أولاً إلى صفحات الأخبار، لأكتشف تحولاً كبيرًا آخر لا يقل وقعًا عن تحول جاري؛ “الناشطة اليسارية طالي فحيما تعتنق الإسلام في أم الفحم” (وليس تعاطفًا مع هبوعيل بلدي)!

ما هذا؟ هل أنا في زمن التحولات؟ هل يا ترى هناك علاقة فوق طبيعية تربط الحالتين التي أشهد؟ هل جاري وفحيما من مواليد نفس البرج مثلاً؟ هل جننت لأعطي تغيير علم على شرفة الجار كل هذا الوزن؟!

ليس عندي أجوبة حاليًا على كل هذا الأسئلة غير الملحة، وليس عندي وقت للبحث عنها أصلاً. أقرّر أن أفاتح الجار الثوري بالموضوع مباشرة. أنتظر ساعة معقولة، وأخرج إلى الشرفة لأصطاد لحظة مؤاتية للولوج في الحديث، لأكتشف أن جاري المتقلب، قد أنزل علم الأرجنتين ورفع علم إيطاليا، ولله في خلقه شؤون..

أذهب مرة ثانية للمواقع الإخبارية لأتأكد من أن طالي فحيما لم تعتنق المسيحية في الناصرة، وأتمنى أن يكون المونديال شيقًا ومتقلبًا في النتائج كما جاري العزيز!..

التعليقات