21/09/2010 - 12:27

لا يومٌ كيومك يا شاتيلا../ ظافر خطيب

-

لا يومٌ كيومك يا شاتيلا../ ظافر خطيب
في مثل هذا اليوم كان الاستحقاق الفاشستي يأخذ مساره في النحر، على نحوٍ شديد التعقيد، مركبٍ على نحوٍ مؤلمٍ، كأنه يوم الجلجلة، نسج الناي لحنه الدرامي الحزين، بين مقهورٍ محاصرٍ بأفعال القتل محكومٌ أن يختار بين قتل بنحرٍ أو بطلقة، بن قتل بخنجرٍ أو بقنبلة، فكلّ القتلِ سيان، طالما أن الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت....

فهنا امرأةً في الثمانين من عمرها، بلا حولٍ أو قوة، مرميةً على جانب الطريق، وقد نحرها الفاشست تماماً في نحرها، حتى كادَ الرأس يفارق الجسد، لتتحول صبرا وشاتيلا إلى أرض كربٍ وبلاء، فهنا جسدٌ لامرأةٍ عجوز، وهناك أخريات كثيرات مثيلاتها، هنا سقطن وهنا ممنوعٌ أن يوارين الثرى، و آخرون، أطفال، نساءً، صبية...
حتى الجنين في رحم أمه كان خنجر الفاشست يسابق أوانه، أن يخرج ولكن ميتاً كما في سنتهم، والوجع له عنوانٌ واحد، صبرا وشاتيلا حتى آخر الوجع اللامتناه.

تبتعد المخيلة نحو الماضي، تسافر في اللامتناه، بحثاً عن فرضية تجيب عن سؤال الحقيقة الفلسطينية في زمن الفاشست، حقيقة من خطط و دبر ونفذ وغطى أن تتحول صبرا وشاتيلا إلى أرض كربٍ وبلاء؟؟؟
حقيقة من صمت عن المذبحة، حقيقة من غطى المذبحة؟

فكلهم في الذبح سواء، كلهم في انتزاع الجنين من رحم أمه سواء، كلهم في اغتصاب صبيةٍ فلسطينيةٍ لم يكتمل بلوغها سواء، وكلهم في أصبح الاتهام سواء، والوجع له عنوان واحد فصبرا وشاتيلا أرض كربٍ وبلاء بلا جدال.

تلك المرأة الثمانينية، المرمية عند طرف الشارع، المذبوحة من الوريد إلى الوريد، كانت تسكن المكان القريب، معها ابنتها وأولادها الثمانية... كانت يومياتها لا تعرف الشارع، تبقى في البيت مع ضجيج الأولاد، وحراك ابنتها... حتى أزف الموعد، وجاءت الساعة الصعبة، حينها يتغير المشهد لينسج من ألوان طيفها لوناً شاحباً ليس كمثله لون....

ترى ما الذي كانت تفعله عند جانب الشارع، هل جرها الفاشست إلى عين المكان وقد استفحلوا في ساديتهم، ليستمتعوا بفحولتهم بجسدها الذابل ذبول الموت والنهاية، و بأنينها المكبوت ؟؟ أم أنها كانت تشهد الموت، فأرادت أن تقرّ قدماها الصغيرتان المثقلتان من وطء المسيرة من فلسطين إلى مرجعيون إلى جبوش إلى النبطية، إلى بيروت، ما عادت تمكنها من الفرار، كان خنجر القاتل أسرع ليأت النحر ومن الوريد إلى الوريد، لتنتهي الآه بعدها على سكونٍ مطبق، ثم على ضحكات تمزق المكان متعة بمشهد الفلسطيني الساكن على جانب الطريق.

في مكانٍ آخر كان على طفل لم يتجاوز السادسة من عمره أن يختبر قدره، وأن يمارس حرفة الاختيار بين بينين كليهما جحيمٌ في أصله و في صيرورته، بين الموت و بين أن يشهد وقيعة اغتصاب اخته أمام عينيه، فيختار بعفوية أن يحيا بؤس اللحظات و شقاء الساعات، كي يكون شاهداً على البشاعة، كي ينطق حقيقةً، ما استطاع كل ريائهم أن ينكرها، وأن يشير بإصبع بنانه نحو القاتل.

وذاك الرجل الكهل التسعيني، ذي الرداء الفلسطيني، كان مستهدفاً في ذاكرته، تلك الذاكرة التي كانت تخصب جماع الأجيال، لتأتي على شاكلة الحلم- فلسطين، لم يرق للقتلة أن يتركوه، ولأن الذاكرة هي الهدف، صوبت الرصاصات حكماً نحو الرأس ليطير قطعاً صغيرة توزعت على جدران المخيم، عسى أن تنتهي الذاكرة، لكنها لا تنتهي و يستمر الجماع حتى تأتي الذروة، فتكون ثورة، ثورةٌ ملؤها الألم لكنها تليق بمنتهى الآه وعظمة الألم.

مشاهد كربٍ وبلاء، كربلاء مستعادة في صورة صبرا وشاتيلا، نفس الاستقواء، نفس النحر ونفس القتل، وأشخاص يشربون نخب القتلى، اليوم نختم صفحة التاريخ على قتل أسطوري لم يشهد له مثيلا، اليوم عاد الفلسطيني أجمل من أي وقت مضى، اليوم يعقد القران بين القاتل والدم.. بين القاتل والذبح.. بين القاتل والغدر... بين القاتل والبشاعة...

في تلك الساعة من شهوات عشق الليل
والأمم الراقية تكشف عن زيف ادعائها
كأنه الصوت يشق باطن الأرض ليخرج مزيج الألم الفلسطيني المجبول بالتراب، بقايا جسد، يدٍ بترت أو رأس منحورٍ مقطوعٍ بقايا استنجادٍ، بقايا لوعةٍ، بقايا حرقةٍ، بقايا مخيم ما عاد مخيماً

لكننا لم ننس، لكننا لن ننسى
كأنه الصوت يخرج من باطن الأرض
هل تسامح مغتصبة؟؟؟؟!!!
هل تسامح منحورة؟؟؟!!!
هل تسامح مبقورةً؟؟؟!!!
كلا لا تسامح، كلا لن تسامح
حتى وإن جاء أولئك بألف وثيقة براءة من التاريخ...

فأرواح ارض الكرب والبلاء، تنشد أن تستريح، ولن تستريح مادام القاتل المعروف مجهولاً، فإما أن يتلطخ اسمه بالعار و إما أن يرتحل ثأرنا إلى المستقبل... لكننا لن نكون فاشست، لكننا نكون قتلة... لن نكون إلا فلسطينيين فنحكم على القاتل أن يكون على مزبلة التاريخ، فحكم الإعدام الممهور بإمضاء فلسطيني، هي أن الدم الفلسطيني هو الشاهد وهو المحكمة..

التعليقات