22/09/2010 - 23:21

الكاتب الإسباني خوان غويتيصولو يشيد بالرواية العربية الحديثة: احفظوا اسم ابراهيم الكوني جيد! رشيد فيلالي

-

الكاتب الإسباني خوان غويتيصولو يشيد بالرواية العربية الحديثة: احفظوا اسم ابراهيم الكوني جيد! رشيد فيلالي

ما زال القارئ الغربي عموما يستقبل بفتور ما تبدعه الأقلام العربية على الرغم من الخضة القوية والمفاجئة التي أحدثتها جائزة نوبل للآداب الممنوحة في أواخر الثمانينيات لنجيب محفوظ، ومرد ذلك في الحقيقة يعود إلى جملة من الأسباب قد يقف في صدارتها الغياب شبه الكلي لحركة الترجمة من وإلى اللغة العربية، فضلا عن محدودية الإعلام العربي الثقافي في تعامله واحتكاكه بالآخر.
من هنا، لا نبالغ إذا رأينا كاتبا كبيرا ومتألقا كالإسباني 'خوان غويتيصولو Juan Goytisolo' بحضوره الروائي المتوهج ضمن المشهد الثقافي العالمي يشيد عن صدق فياض بالرواية العربية الحديثة، ويدعو القارىء الغربي والمثقف منه على نحو خاص إلى إعادة اكتشافه للنصوص الإبداعية العربية الراهنة، الحافلة حسب تقييمه برؤى جمالية باذخة، وروح إنسانية جد عالية، ربما قليلا ما يعثر عليها في نصوص غربية كثيرة، يفترض أنها بالنظر إلى التجربة التاريخية قد حققت وثبات استكشافية بعيدة.
وفي تصوري المتواضع أن 'غويتيصولو' كان على ذكاء مثير للإعجاب عندما وضع اختياره من بين ما اختاره من النصوص العربية الجيدة على رواية 'التبر' للروائي الليبي الترقي إبراهيم الكوني، حيث كتب 'غويتيصولو' منذ فترة قريبة على صفحات الأسبوعية الفرنسية المعروفة 'لو نوفال أوبسيرفاتوار' منبها القارئ الغربي إلى ضرورة حفظ اسم هذا الروائي العربي المتميز، لأنه بعبارة واحدة تمكن من إبداع نص أصيل ومبهر يتمثل في 'قصة حب' لا أحلى ولا أروع، وأكبر من ذلك أن أحداثها وشخوصها بمصائرهم المتصارعة وظروفهم الطبيعية المستحيلة والقاسية تجري جميعا في الصحراء الكبرى، ذات العوالم الشاسعة الممتدة كالأبدية ما بين ليبيا والجزائر، أي بعيدا عن الأجواء الحضارية وكل مفرداتها السيكوسوسولوجية والتكنولوجية المعروفة .
إن إبراهيم الكوني على حد القراءة الخاصة للكاتب الإسباني 'غويتيصولو' يجمع بالفعل وذلك اتكاء على روايته الناجحة 'التبر' كل مواهب الفنان العظيم بالإضافة إلى معرفته العميقة بمختلف التقاليد الأدبية العربية، فهو صاحب أسلوب في الكتابة متفرد يصعب جدا تقليده ومحاكاته، كما أن لغته تستبطن عذوبة خاصة وشحنة بلاغية ترتقي إلى بيان السحر الذي يستحوذ على كيان قارئه فيكاد يخلب
لبه!!
ولعل القارىء الكريم يتساءل الآن في حيرة عمن يكون هذا الإبراهيم الكوني، الذي لم يدخل بعد بالقوة اللازمة حرم الأضواء الإعلامية، ولماذا لم يحظ بحقه من الشهرة الكافية رغم فوزه في الأعوام الأخيرة بعدة جوائز أدبية غربية (يابانية وفرنسية وسويسرية) وعربية، طالما أنه يملك مثل هذه القامة الأدبية الرفيعة؟؟ طبعا الرد على مثل هذا السؤال الهادف والوجيه يجرنا إلى الخوض عبثا في طبيعة السياسة الثقافية المنتهجة في بلداننا العربية القريبة البعيدة، ولهذا نفضل في المقابل تقديم بطاقة هوية قصيرة جدا عن الروائي الليبي المتألق دوما إبراهيم الكوني، الذي نعرف عنه أنه من مواليد عام 1948 ودراسته التي أمضاها في الاتحاد السوفييتي (سابقا) وأنه يجيد تسع لغات وينتمي إلى المدرسة الرومانسية الحديثة، حيث يعيش حاليا متنقلا ما بين سويسرا ومسقط رأسه ليبيا، وله روايات أخرى ومجموعات قصصية منشورة مثل: 'نزيف الحجر'، 'المجوس'، 'صحرائي الكبرى'، 'موسوعة البيان'، 'وصايا الزمان'، 'ديوان البر والبحر'. وقد تم اختياره من طرف المجلة الفرنسية 'لير' من بين خمسين روائيا من العالم يمثلون اليوم القرن الواحد والعشرين، وقد ترجمت أعماله إلى عدة لغات أجنبية وله ستون كتابا حتى الآن.. كما أن روايته 'التبر' هي أول عمل روائي ينشر في فرنسا، وقد تولى ترجمتها عن العربية محمد سعد الدين اليماني، وصدرت عن دار النشر العريقة 'غاليمار' في 156 صفحة، ولا بأس من أن نشير أيضا إلى أن المجلة الألمانية 'فكر وفن' قد أفردت في واحد من أعدادها الممتازة السابقة صفحة للحديث ولو خطفا عن هذا الروائي الليبي إبراهيم الكوني الذي شغف - كما كتبت عنه - بالصحراء ومداراتها المتسامية عن كل توصيف، وأنه التروبادور المنتمي إلى سلالة نادرة من البشر الذين في مقدورهم الغوص عبر نظرة واحدة متأملة ضمن هذا الفضاء الحميم الملقب بالصحراء والمترامي الأطراف حتى حافة الكون، ليسردوا ما رأوه سرا مفعما بالأصالة والصدق والتمكن والارتباط الوفي بالمكان والروح الخفية التي تسكنه من الجذور.
وبعد..إن الكاتب والروائي الإسباني الكبير 'خوان غويتيصولو' يستحق في واقع الحال أكثر من الشكر على التفاتاته الطيبة والمتكررة في حقيقة الأمر إلى ما تبدعه الأقلام العربية، وهو الذي سبق له أيضا أن حط الرحال ببلداننا مرارا في مناسبات مختلفة، وكتب عنها بعشق نبيل وعاطفة جياشة تتميز بطعمها ونكهتها الغربية الخاصة.

.

التعليقات