31/10/2010 - 11:02

الرئيس والحمار...قصة /المحامي سعيد نفاع

-

الرئيس والحمار...قصة /المحامي سعيد نفاع
ما دام عندنا بقية من أرض" لم يفض ريق" الحكومة عليها، أو حفظناها رغم فيضان ريق الحكومة عليها ولكن ليس قبل ان ننشفه. وما دامت أراضينا وعرة جبلية معفية من غضب الله عليها غير جاعل عاليها سافلها كما جعل ارض لوط، ستظل الحمير جزءا من حياتنا تحملنا وتحمل أرزاقنا وتجر"اعواد" الحراثة صاغرة راضية رغم ثقل الاحمال وكبر" السكك" وقلة الرفق بها احيانا، غير شاكية إلا على ما ندر وفقط عندما تبلغ القساوة حدا يجعل حتى الحمير الصابرة لا تطيقها. وما الضير أن تبقى
جزءا من حياتنا فعلى الأقل ان لم تنفع لا تضر ولها أفضال علينا، ولا ينسى الفضل الا قليل الأصل. لكن أن يصير مصيرها من مسؤولية رئيس مجلسنا المحلي، فهذا
فاق كل الحدود.

الرئاسة عندنا، كل رئاسة، ليس فقط مرغوب فيها انما فيها "غيّة"، هكذا كانت وستبقى إلى أمد طويل على ما يبدو، فواحدنا إن صار رئيسا، فقط قوة الله تستطيع ان تزيحه وليس قبل ان تحلّ أزمة في "مصانع الكراسي"، وربما الرغبة هذه لان تاريخنا مليء بمدح الزعماء ونحن نحب المديح زيادة كبيرة عن اللزوم. فاذا كانت دواوين ملوكنا تعج بالشعراء المداحين فأعراسنا اليوم تعج بالحداة المداحين، ويطيب الأمر للبعض الكثير من رؤسائنا خصوصا عندما "يُقوّدوا" صف "السّحجة" ويروح الحادي،ارضاء "للمعزّب" يتفنن في كيل المديح للرئيس وليس بالضرورة ان تكون علاقة بين المديح والممدوح، وهكذا هي الحال على الغالب، من "سيف العز ابو...."الى "يا الهلالي انزل شوف" حتى لو جعل ذلك عظام الهلالي تنتفض وحتى لو كان عز البلد في الحضيض وهذا هو الحال في الكثير من مجالسنا.

رئيسنا الجديد يدّعي انه ليس من هؤلاء، وعلى حدّ زعمه ما جاء للرئاسة الا خدمة لاهل البلد ولتخليصهم من نير الخنوع وقبول كل ما هو آت من الاعلى من الرب الكبير قبل الرب الصغير، وعلى حد فلسفته ان الرب الكبير لا يحب الخانعين ومع هذا ان يصغروا امام الرب الكبير فهذا يحتمل، لكن ان يصغروا امام "الرب الصغير"، الحكومة، كما حلا لهم ان ينعتوها وحتى أمام أزلامها بصفتهم رسلها فهذا ما لايحتمل. اراد الرئاسة غير قابل نصيحة والده المعمر والتي "على ذمته" ينقلها عن لقمان الحكيم اذ اوصى ابنه : "يا بني لا تكن رأساً فالراس كثير الاوجاع !"
بلا طول سيرة لم يكد الرئيس يصل البيت بعد طول يوم مليء بوجع الرأس حتى دخل عليه " ابو حسان " وهو من القلة من أهل البلد الذين ما زالوا متمسكين باراضيهم فعلا لا قولا، وله الفضل ان اجيالنا ما زالت تتذوق طعم عنب بلدنا الاصلي. وكعادة الفلاحين اتخذ مكانه دون استئذان وبالكاد سلّم وراح يروي للرئيس ودون مقدمات ما حل به والحزن، " البلكاد" تراه من زيادة فلاحية الوجه، يعلو محياه:
" يا عمي انت آدمي وابن اوادم ومش رايح ما توصلني حقي، القصة وما فيها اني امبارح حلّيت الجحش، انت كبير القدر، من مربطه على عادتي عشان اروح اطلّ على الارضات، لقيت الجحش على غير عادة حالته مش ولا بد. مع هذا صفّفتو وركبتو، يعني لا تواخذني، الجحش يعرف الطريق لحاله لكن لاقيتلك اياه هالمرة ولا كأنه عارف، خزيت ابليس ولكشت الجحش ووجهته على الطريق وحسيت من الاول انه في اشي. مشية هالجحش غير شكل، وبعدين مش حايلله جحش هو، انت كبير القدر، جحش اللي بدّك اياه، وبلا طول سيرة، كنت اشتريته ......

وراح يروي للرئيس، بطول سيرة، كيف اشتراه وبكم ومواصفاته ونوعه ووو... حتى اطمان الرئيس بعد هذا الشرح انه اذا امتحن بالحمير سيكون نجاحه مضمونا وبامتياز، وما زال صامتا يستمع لكن على ما يبدو ان الطريق امامه طويل ليفهم سر العلاقة بينه وبين الحمار، فحث "ابو حسّان" بادب ان يصل الى المطلوب، الا ان جواب "ابو حسان": ما انا جاييك في الحكي ... وتابع:
" قصر الكلام ...وين كنا ؟ آه... هالجحش يمشي ويلوح شمال ويمين شوي صار يوقف وخطوة لورا وخطوة لقدام، شوي ذبّل ذنيه وما شفتلك اياه الا قلب، وانا رحت على طولي وربك ستر اللي ما تعورت، ما راحت كم دقيقة الا، انت كبير القدر، الجحش اعطاك عمره ..."

هنا بلغ الرئيس مبلغا الاحتمال معه مستحيل، فان كان وظف كل طاقاته ان لا ينفجر فقد انفجر مرة واحدة ولكن ضاحكا مثلما لم يضحك منذ زمن طويل، وبالكاد استطاع ان يسال " ابو حسان" عن علاقته هو بموت الجحش رغم انه للتو اخذ عمره فزاد على عمره المكتوب عمر جحش وهذه زيادة لا باس بها، ومع هذا بادر "ابو حسان":
" طيّب الله يعوض عليك عوض خير! انا شو علاقتي بالجحش وشو المطلوب مني ؟"
" آه... ما انا ما قلتلك ليش مات!"
"ليش؟"
واخذت هذه "الليش" جولة اخرى لم تقل عن سابقتها طولا واشتمالا على كل التفاصيل المهمة وغير المهمة، وبدا الرئيس يشعر ان روحه ستلحق روح الجحش قبل ان يعرف "ليش مات الجحش ". وحكاية "الليش" هذه بداها ابو حسان :
" رجعت على البيت بعد ما اعطاك الجحش عمره يا كباه يا تعساه، ودربي على خالتك ام حسّان اسالها اذا شافت على الجحش اشي او حسّت عليه اشي واذا طعمتو وشو طعمتو، وقبل ما ترد ام حسان عليّ صارت تسال : الله يكفينا الشر وليش راجع
ووين الجحش. حتى طلعت في راسي وصرخت: الجحش مات يا ام حسان. ورحت راكض على المربط افحصو وافحص الطوالة ليكون في اشي. فجاة ام حسان بتقللي: انه امبارح جاء عمّال المجلس يرشوا دوا للقارص ورشوا حول الجحش..."

عندها احس الرئيس ان الفرج يقترب فبدات تظهر العلاقة بينه وبين الجحش، فبادر "ابو حسان":
" طيّب اذا رشوا ما الرش عشانكو وعشان يقتل القارص والذبان وشو علاقة الرش في الجحش ؟"
فرد ابو حسان باستنكار:
"كيف شو العلاقة؟ هذا سبب موت الجحش !"
ضحك الرئيس ملء شدقيه وبعد ان شبع ضحكا التفت الى " ابو حسان " المستغرب قائلا:
" يا عمي ابو حسان الناس قايمة القيامة علينا انه الدوا اللي نرشه ما ينفع لالله نافعة، كيف يقتل جحش !؟"
"معلوم يقتل جحش!"
" وشو عرّفك؟"
" شو بدها معرفة الشغلة ، الجحش كان طيّب مثل الحصان وصار اللي صار ثاني يوم الرّش ما هي مبينة !"
رأى الرئيس ان أي نقاش معه لن يفيد ولن يستطيع ان يثنيه عن قناعته ان الجحش مات من هذا السبب حتى لو احضر بيطرياً وافاد بغير قناعته، ولولا معرفته بابي حسان واستقامته لظن به الظنون، وراى ان يفتش عن اقرب الطرق:
"طيب والمطلوب ؟"
"تعوّض علي في ثمنه!"
اتفق الرئيس وابو حسان على ثمن الجحش، ووعده ان يخصم ثمن الجحش المتفق عليه من الضريبة المستحقة على "ابو حسان " للمجلس، وما زال في ارشيف مجلسنا المحلي وثيقة رفع مسؤولية عن المحاسب هذا نصها :

" الى المحاسب المحترم
اصادق بهذا على خصم مبلغ......من الضريبة المستحقة على حسن اليوسف (ابو حسان) تعويضا له عن موت جحشه، لادعائه ان الجحش مات من دواء القارص الذي رشه عمال المجلس في مربط الجحش.
باحترام الرئيس"

واضيفت قصة الرئيس والجحش وابو حسان الى قائمة نوادر اهل بلدنا ، لكن المهم ان "أبو حسان" خرج راضيا والرئيس لعن الساعة التي صار فيها رئيسا.

التعليقات