13/12/2010 - 13:46

مـــــــــأساة إبليس/ إشراق كرونة*

إبليس ليس مذنبا أبدا ... كما أنّنـــا لسنا مذنبـيـــــن البتّـة . كل ما فعــله هذا المسكيــن هو رفض السّجود لغيــر الله .. و كل ما اقترفنــاه هو أنــنا لم نترك أرضنــا لحادث تاريـخيّ و لم نقف مــع المستقبل محايـديـــن نشهد الماضي و الحاضر يتراشقان التّــهم..

مـــــــــأساة إبليس/ إشراق كرونة*

إبليس ليس مذنبا أبدا ...

كما أنّنـــا  لسنا مذنبـيـــــن البتّـة .

كل ما فعــله هذا المسكيــن هو رفض السّجود لغيــر الله .. و كل ما اقترفنــاه هو أنــنا لم نترك أرضنــا لحادث تاريـخيّ و لم نقف مــع المستقبل محايـديـــن نشهد الماضي و الحاضر يتراشقان التّــهم ..

مرة في مطار تل أبيب و أخرى فــي أحد شوارع عكا . السؤال يلــّح عليـك بالإجابة و الواقع يِؤكّـــد لك أن الخارطة ليست إجابــــة عن معــــنى الوطن !

اللافتات العبرية تشـــي لك أنّ انكسارا قد حصل في بوصلة التاريخ و أنك غامض و قلبك يخفق بشيء من اللامبالاة ..

توقفـُـك جنديـّـة حلّوة مدجّجة بالسـلاح ، و تصطحبك إلى الشرطـــة المدنيــّة فــي عكــا ، تجحظ عيناك  و أنت تمعن في جمالها و... السلاح !

.. و أنت جالس قبالـــة الضــابط ، صورة هرتــزل فــوقــه  و العــلم الإسرائلي بالأبيض و الأزرق جاثم فوق المكتب ، في قلبك يخفق علم رباعيّ الألوان... لم يسمح لك سؤال الضابط المـــؤرّق أن تعـــدّد ألوانه... تتمادى في صمتك .         يقول لك ، هو بعبرية سليمة إن صمتك يفضح ما يعـــجّ بـــه صدرك ... تغرق في شرودك و تتذكر أنك لم تكتب لحبيبتك منذ زمــــن بعيد ، منذ آخر مرة دخلت فيها السجن ،،، أي منذ آخر حرب .

يشدك منظر الشمعدان الكبير إلى الأسطورة و شـمـعاتُــــه الستّ  تذكّــرك أن الله خلق الكون في ستة أيام ..

يسكت الضابط سيجارته في رمــّادة عتيــقـة ، ربما تكون لعائــلة لم تستعملها  ،،،يوما و نسيتها في البيت كما نسيت كيس الخبز .. تشعل أنت نار البنــادق البعيــدة ..

يحبك هو أصــابعــه العــشر .. كــما تــُحبــك المؤامــرة ...يلقــي نظــارته جانــبا و تلـــقي أنت ضحكة سمجة !

- لي شرف اعتقالك .

- و لي شرف أن أمنحك هذا الوقــار .. وهذا الــشرف .

يصمــت لوهلــة فتتذكــر أنت أنك نسيت إحضار فرشاة أسنــانك ، و تــبغا و كتــبا عن تــاريــخ الأندلــس و سقوط غرناطة و ملابس داخليّـة .. تتذكر أنك نسيت أن تقدم مطلب تصريــح مــن الجنديّــة الحلــّوة لتحضــر كل هذه الأشيــاء ، يقول مستدركا :

- هل تتـــقن العبريّــــة ؟

- كما العربيــة !

يــعود إلــى الصمــت .. تتذكر حادثـــة مع سائـــق التاكســـي الذي أسقط  وابلا  من الشتائم  - و أنت تقدم له سيجارة لأنــه مهــذّب : العـــرب قــذرون و أغبيــاء. تعبث بسيجارتك كما تعـــبث الريح بشعرك أمــام البحر ، تــــزّم شفتيــك و يداك تنــــزّان  من الانتباه . ترمــق السيجــارة و هي تذوب كما يذوب العاشــقان في قبلة ،،، و تتذكّــر كيف علمت حبيبتك الحلوة فــي ليلة حب أن تدخــنّ سيجــارة و كيف علمتك الدخان !

تسجّــل حضورك في مركز الضبط ، يحدج هرتـــزل التوقيع،،، و الضابطُ يفحـــصُ ناظريك ..

      في البيت ، تجلس قبالتها ، حلوة كمذاق الشهد ، و متعبة كالكرمل ، و مؤنســة كمفتـــاح بيتك القـــروي الذي حملت أمانته كما تركوا هم البيوت و معاطفهم ... تنام في عينيـــها غير مكترث بالزّمــــن و تنام هي في يديك غير آبــهة  بالبرد كـــقطّة مدللة ..

يداهمونك في النوم و يلقون القبض عليك متلبسا بارتكاب الحلم ....

في الزنزانة .. تئن يداك من الانتــباه و تســأل بشجن ، هل مـــرّت العاصفة ؟ .. لا تعرف ، و حين تفيق و تقتـــفي آثــار موتك ، يكون الدم قد جــفّ ...الدم على وجهك و العاصفة مــرّت ،،، أمّـــا هي فأصبحت شكلا دائريا لا ينتهي كجنيــن ناقص حرفا و قبلة ..

أمــا إبليس فتراه حذوك واقفـــا كحـــزن المدن ، يضمّــد جرحا في ذراع العبـــثِ و يرتّــبُ  فرشاة أسنــانــه و ملا بسه بأناقة ديــــك . يشعلُ لك سيجارة لتخمدها فـــي جرحك ، يهنّّــؤك بوقار بالسّلامـــة مــن حادث المستحيل !

من شبّـاك السّجن ،،، ترى الأقحوان يهـــزّ خصــره كراقصــة شرقيـّــة تــهــزّ ردفيـــها لتنسى وخــز ذكــرى ...

يلعــن ابليـــس زمنا من زجاج !

تــؤمـــن أن إبليس بريء من تــهـمة الشرك ..

و تؤمن أن قضيّتـــــك بريئـــة من معنى الاغتيال   و الفنــاء و أنـــك إبليسُ .. لا تــــهمة لك سوى أنك لم تقـــــبع كالمستــقبل مــحايد ا و لم تــسارع إلى المــاضي لتـــلعنـــه و لا إلــى الحاضـــر لترشــقـــه بالتــّهم..

التعليقات