26/04/2011 - 20:49

نتوء في حجر / راجي بطحيش*

ولدت قبل ساعات لا أعرف عددها، على هذا الحجر الكلسي الذي اخترق المرج وأصبح نتوءا، وقسم الأرض، وزرع على منحدراتها صنوبرة غريبة، لا تكفي لإطعام عصافير ولدت من لا شيء سوى من لعنة عشق الرب لهذه السماء..

نتوء في حجر / راجي بطحيش*

1

ولدت ها هنا على هذا النتوء المستريح بين سوء الفهم واللا - جدوى.

2

بين طوابير الحجارة المقدسية، أو النابلسية، أو حجارة قباطية، من أجل الدقة، التي تنتظر دورها كي يتم دقها وتهشيمها إلى سكاكين.

3

ما أبيض هذه الحجارة، ما أثقل بياضها.

4

قد تستل أنت سكينا حجريا حادا.. وتقطع شريانا يوصل بين ما أنت عليه وما تراه عبر مرآة مكسوة بالفطريات.

5

ولدت ها هنا على هذا النتوء.. الكلسي.. المتعرج بين الصحراء وبين ما ينبعث من البحر من رائحة مرض.

6

عندما رتب جدي تلك الحجارة المقدسية، أو النابلسية، أو حجارة قباطية، من أجل الدقة، لي، لم يقم بحساب المسافات البينية بمهارة.

7

ما أبيض هذه الحجارة، ما أثقل بياضها.

8

لم يضع جدي الذي أحمل اسمه عنوة حسابا لما سيحدث وراء الأفق الممتد خلف كأس العرق الزحلاوي، الذي تم تهريبه بوعي كامل موغل في عناده، عبر حدود ستوصد إلى الأبد...

9

وهذه اللوزة الخضراء وزرة الملح.. وشريحة الليمون وقلب الشومرة.

10

وها أنا كالنتوء، تفرزني الرطوبة على حجارة نابلس في كل يوم مشمس بالحرج من جديد.

11

أسقط من حجر ويتلقفني حجر آخر لم يثبته جدي بتراتب هندسي... برؤية طويلة الأمد..

12

لم يضع جدي الذي أحمل اسمه عنوة حسابا لما يخبئه الدهر من لعنات ما بعد الحقول الممتدة وراء كركرة مياه الأرجيلة، التي تم تسريب تنباكها  بتخطيط لا ينثني عنقه، عبر حدود وهمية بين الأمل والسخرية..

13

لا يخفى على أحد ممن ماتوا جميعا بأن كل ما تم تخطيطه بليونة قاتلة قد احتله الخلل.. خلل لم يعد أحد قادر  حتى على حصره.. ولا حتى أنا..

14

ولا حتى أنا.. أنا الذي كنت أطرز أيامي الباقية على ثوب فلسطيني مفبرك.. كل يوم من الواحدة ليلا وحتى السابعة صباحا.

15

بين طوابير الحجارة المقدسية، أو النابلسية، أو حجارة قباطية، من أجل الدقة، التي تنتظر دورها كي يتم دقها وتهشيمها إلى سكاكين تحيل ظلي  إلى أشلاء من الجان اللحوحة

16

قد تستل أنت سيفا مصنوعا من هشيم أحجار مقدسية أصبحت هي بيتي، وتغرسه في صدر كشف  نفسه عن قصد، وتقسمه ليصبح ما أنت عليه من حقيقة، وما ستظهر عليه جثتك بعد نسيانها في قاع سفينة هاربة من نزهة عائلية مربكة.

17

ولدت قبل ساعات لا أعرف عددها، على هذا الحجر الكلسي الذي اخترق المرج وأصبح نتوءا، وقسم الأرض، وزرع على منحدراتها صنوبرة غريبة، لا تكفي لإطعام عصافير ولدت من لا شيء سوى من لعنة عشق الرب لهذه السماء..

18

ثمة من أفرزني على مسطح رطب يمتلئ بطحالب لا بحر لها، سوى ظل جسدي العاري، أتحسس شعري المسترسل حتى كتفي والشعيرات الناعمة العشبية التي تمتد من حلماتي نحو عانتي ، أصنع دوائر حول صرتي، أتحسس الشعر الذي يستريح الآن عند استدارات أفخاذي، نحو ركبتي ..

19

هذا أنا... هذا أنفي، هذه جفوني، هذا فمي، هكذا تبدو أصابعي.. رجولية وناعمة في آن، هذا حاجبي الكث  وذاك ما يلعق أسفل أذني، هذه خاصرتي ومن هنا تسيل الدموع ويسيل المني إليها ، هذا قضيبي وخصيتي الأولى.. هذا شرجي وخصيتي الثانية، هذا هو اللعاب السائل نحو المسطح الكلسي الأملس.. هذه لحيتي الخفيفة.. سأحلقها بسكين الحجر المقدسي.. فقد تتحقق نبوءة أكوام الحجارة المتراكمة بيني وبين السكينة..

20

عندما رتب جدي الذي أحمل اسمه عنوة ، تلك الأحجار المقدسية البيضاء أو النابلسية.. حجارة قباطية من أجل الدقة (يا لبياض هذه الحجارة، ما أثقل بياضها)، أغفل حساب الفراغات الدقيقة بين حجر وآخر، ولم يخفَ على أحد ممن ماتوا جميعا بخفة ملفتة  بأن كل ما تم تخطيطه بليونة قاتلة قد احتله الخلل.. خلل لم يعد أحد قادر  حتى على حصره.. ولا حتى ما كنته أنا..

21

ولا حتى ما كنته أنا قبل الأربعين.. أنا الذي كنت أطرز أيامي الباقية على ثوب فلسطيني مفبرك.. كل يوم من الواحدة ليلا وحتى السابعة صباحا. على ضوء سيجارة...

 

الناصرة-أبريل 2011




* كاتِبٌ من فلسطين

التعليقات