02/11/2011 - 12:12

لا تَعُد يا بلفور / علي عبيدات*

بالأمس كنت أبحث عن بلفور، في وجوه الناس، في لوحاتِ الاعلانات، في ضجيجِ الطرقات، في ثنايا قفزاتِ شرطيّ المنارة، في صيحات بائعات ورق العِنَب، في تسديدات طفلٍ يلهو بكرةٍ، في ملعبٍ على أطراف حاره، في وجه شرطيٍّ يبحث عن ترقيةٍ على عتبات وزارة، ومُصلٍّ قصد جامعًا في الظّهيرة، بعد يومٍ حافلٍ بالخطايا، يبحث عن طهارة.

لا تَعُد يا بلفور / علي عبيدات*

 

- علي عبيدات -

بالأمس كنت أبحث عن بلفور، في وجوه الناس، في لوحاتِ الاعلانات، في ضجيجِ الطرقات، في ثنايا قفزاتِ شرطيّ المنارة، في صيحات بائعات ورق العِنَب، في تسديدات طفلٍ يلهو بكرةٍ، في ملعبٍ على أطراف حاره، في وجه شرطيٍّ يبحث عن ترقيةٍ على عتبات وزارة، ومُصلٍّ قصد جامعًا في الظّهيرة، بعد يومٍ حافلٍ بالخطايا، يبحث عن طهارة.

بالأمسِ كنتُ أبحث عن بلفور لأسئلهُ، هو ومن أيَّدَهُ من مجلس شيوخ بلاد الشّمس، عن جريمةٍ اقترفها، وعن وعدٍ أعطاه، وعن أوراقه التي تثبتُ ملكيَّتَهُ أو أبيه، خالته أو عمَّته، شعبهُ أو أمَّتهُ، في وطني كي يعطيه.

لأسئله إن كان لمليكتِهِ العجوز في قصرها هناك في عاصمة الضّبابِ، حصّةٌ في مرج ابن عامرَ، أو عِنَبِ الخليل، في جرزيمَ وعيبال، أو شجرةِ برتقالٍ في الجليل، أو إن كانت قد عزفت موسيقاها الغربية، لعناق مأذنة جامعٍ وجرس كنيسةٍ، في وطني كي تُهديه.

فلتسألوا لي بلفور إن كانت بيانات شجب السّادة المسؤولين في الذّكرى، وتصريحاتُ التّنديدِ المبثوثةِ عبر كلّ الأقنية، الواحدة تلوَ الأُخرى، وخطبةُ تنديدٍ لجمهورِ صُمٍّ، ولوحةُ بكاءٍ رسمت لأعمى، تغضبه أم ترضيه.

بلفور في كل عام يطلُّ عليهم في تشرين ككابوسٍ يفيق امرءً من رحلة أحلام، يطلّ عليهم مُشمرًّا ومُذكّرًا كشرطيٍّ بزغ لسائقٍ تجاوزَ الخطَّ الأصفرَ، على حاجزٍ نُصب في وسط زحام، ليفسد على مليكٍ حفلته الرّاقصة، ويعكّرَ على مسؤولٍ حفلَ تتويجه بدكتوراه فخرية من "أكسفورد" أو "كامبريدج"، ولأميرٍ أشهرَ شاربيه عند سماع قصّة جدّه عنترَ من إحدى جواريه.

بالأمسِ كنتُ في رام الله، تضجُّ بالنّاس كعادتها وتبتسم، أخوةٌ يجوبون الشّوارع، وجدلٌ يجوبُ الشوارعَ أيضا يبحثُ عن رفاق، وطلبةٌ يبحثون عن وظائف، وآخرون يلعبون دور العشّاق، وامرأةٌ بثوبٍ مطرّزٍ تنادي على الزّيتون في زقاق، وآخرُ يتصفّحُ جريدتهُ مُحملقًا بحثًا عن شعبٍ في ذكرًى، كانت سببًا في مآسيه.

آخرونَ في طوابقَ عُلويّة، بالعادةِ لا أقصدها ولا تطلُبَن، يصوغون بيانات الشّجب، وصحفيّون هائمون على وجوههم، يبحثون عن مُسِنٍّ أو مُسنّةٍ، ليُلعَنَ بلفور واليوم الّذي جاء فيه، صحفيّون آخرون أيضًا في غرف التّحرير، يُكَبّرون صغار الأخبار، ويُصغّرون الكبير، مالّين من أخبار الاقتتال، مشكّكين بنجاح الحوارِ، منهمكين في تجميع بيانات الشّجب، وإعادة صياغتها، قُبيل طباعتها، كي تتماشى وقانون النّشرِ المُبهَمِ، أو تُحاكيه.

أربعة وتسعون عامًا، لا تَعُد مجدّدًا يا بلفور، ابقَ مكانك هناك في الجنةِ أو في النار، أروي ما فعلت لمن سبقوك، من مجوسٍ وهكسوس، وزنجٍ وافرنج، وعربٍ وعجم، ومرتدّين ومشكّكين، ابق أنتَ هناك، مع أهل اليمين كنت، أو مع أهل اليسار، فقومي اليومَ قد ملّوا من التّذكار، منشغلين بتقسيم غنيمةٍ لم تحقّق بعد، ومصابين بحمّى الحوار، فسامِعُك اليوم أصمّ، فلا تناديه، أيّ حقٍّ لك يا بلفور في أرضي، كي تُعطيه؟!

 

* كاتب وصحفيّ من القدس المحتلّة.

التعليقات