27/12/2011 - 01:26

أولى القطرات مصيبة! / محمد خالد*

فصل الشتاء وقعٌ خاص في نفوس الناس، فمنهم من يحب المشي تحت قطرات المطر المتساقطة كي يغسلوا هموم وجوههم الشاحبة، ومنهم من يحب الجلوس أمام المدفأة ليكتب شعرا رومانسيا عن الحب والمطر، فيه الكثير من المشاعر الجياشة، أو يقرأ رواية فيها الكثير من الأشواق الدافئة، أو يشاهد فيلما رومانسيا، أما الأطفال فيجتمعون حول بيوتهم مستمتعين بصوت الرعد وقطرات المطر.

أولى القطرات مصيبة! / محمد خالد*

 

فصل الشتاء وقعٌ خاص في نفوس الناس، فمنهم من يحب المشي تحت قطرات المطر المتساقطة كي يغسلوا هموم وجوههم الشاحبة، ومنهم من يحب الجلوس أمام المدفأة ليكتب شعرا رومانسيا عن الحب والمطر، فيه الكثير من المشاعر الجياشة، أو يقرأ رواية فيها الكثير من الأشواق الدافئة، أو يشاهد فيلما رومانسيا، أما الأطفال فيجتمعون حول بيوتهم مستمتعين بصوت الرعد وقطرات المطر.

لكن للشتاء في المخيم طابعٌ مختلف، فكل فصول السنة شتاء، ففي الصيف هناك مطر المزاريب ترافقه أشعة الشمس الحارة، أما فصل الشتاء فنشعر به من خلال البرد، وصوت الرعد، وضوء البرق، وطوفان المجاري.

وقد يكون الشتاء نعمة عند البعض، لكنه عند الفلسطينيين القابعين بين أزقة المخيمات نقمة في معظم الأحيان، فما أن يهطل المطر، حتى تتحول الزواريب إلى أنهار؛ فيختلط بمياه المجاري نتيجة عدم استيعاب قنوات الصرف الصحي لها واهترائها، حيث أكل الدهر عليها وشرب، ونظرا لضعف بنية الصرف الصحي وإهمالِ صيانة شبكات المياه والمجاري، فتفيض المجاري وتختلط بمياه الشتاء، وتدخل كضيف ثقيل إلى البيوت دون استئذان، وتجرف معها معظم محتويات البيت المتواضعة التي بالكاد استطاعوا تأمينها، فيضطر سكان المخيم إلى وضع جسور خشبية ليتنقلوا من زاروب  إلى آخر، وفي طبيعة الحال، هم بحاجة إلى لياقة بدنية أو بعض المهارات البهلوانية تجنبا للسقوط المحتمل في أي خطوة؛ وعيون ثاقبة ترى النملة على بعد ميل، كي لا (يتزحلقوا) بشيء ما، مما يحرم الأطفال الوصول إلى مدارسهم.

وإن أردت المشي في فصل الشتاء، فبحذر، كي لا يتسخ حذاؤك، فمعظم السكان يلبسون أحذيتهم بأكياس النايلون، والبعض الآخر يلبس حذاءً قديمًا، ويضع الجديد في كيس، حتى يبلغ شاطئ الأمان، فيقوم باستبداله ويمضي.

في المخيم لا يمكنك أن تستخدم المظلة، فضيق الطرقات والممرات وكثرة الأزقة لا تسمح لك بذلك، فعليك الرجوع إلى المثل المشهور: الحاجة أم الاختراع؛ فالبعض يضع الكوفية الفلسطينية فوق رأسه، والبعض الآخر يضع علبة من الكرتون كي تقيه من مياه الأمطار، والبعض يضع ما يشتريه على رأسه، لأن هناك احتمال وجود شريط كهربائي قد يصطدم بطرف المظلة أو رأسه، فيقع الضحية.

في المخيم، لا يمكنك أن تر الشمس أو حتى أشعتها، ولا يمكنك أن تر حتى السماء لكثرة أسلاك الكهرباء المتعانقة كحبيبين يغمران بعضهما البعض باشتياق.

في المخيم في فصل الشتاء، أنت لست بحاجة إلى مدفأة، فانقطاع الكهرباء باستمرار لا يساعد المدفأة على أن تعمل بشكل جيد، وسعر الغاز بارتفاع متزايد، لكن تلاصق البيوت، وتزاحم أفراد المنزل في غرفة واحدة، هو المصدر الوحيد للتدفئة.

نحب الشتاء، ونحب أن نعيش تحت رذاذه، لكن هناك من يقف أمام هذا الحب، شريطٌ كهربائي قد يقتلنا بصعقاته المفاجئة، أبنية متعانقة، طرقات ضيقة ومحفورة قد نقع فيها في أي وقت.

 

* لبنان - فلسطين

التعليقات