31/01/2012 - 02:32

دَفْع (قصّة) / علي نصوح مواسي

الحاجةُ تدفعه إلى أعلى الطّلعةِ، فيدفعُ العربةَ بذراعينِ سلبَ الطّراوةَ منهما وسخُ الشّوارع.. يغرسُ قدميهِ عميقًا في صوّانِ الحجرِ المرصوفِ مُذْ سليمانَ القانونيّ، ويدفعْ.. يعضُّ شفتَهُ السّفلى مستخلصًا عصارةَ طاقتِهْ، يصبّها في كفّيهِ فتنتقلُ إلى جسدِ العربةِ المهترِئِ.. ويدفعْ..

دَفْع (قصّة) / علي نصوح مواسي

- علي نصوح مواسي - 

(لأطفال القدس...)

 

الحاجةُ تدفعه إلى أعلى الطّلعةِ، فيدفعُ العربةَ بذراعينِ سلبَ الطّراوةَ منهما وسخُ الشّوارع.. يغرسُ قدميهِ عميقًا في صوّانِ الحجرِ المرصوفِ مُذْ سليمانَ القانونيِّ، ويدفعْ.. يعضُّ شفتَهُ السّفلى مستخلصًا عصارةَ طاقتِهِ، يصبّها في كفّيهِ فتنتقلُ إلى جسدِ العربةِ المهترِئِ..

ويدفعْ..

العربةُ متخمةٌ بتفاصيل تسوّقِ امرأةٍ تتحدّثُ بلكنةٍ غيرِ لكنةِ عالمِهِ العتيقِ الّذي يقصدُهُ دائمًا أناسٌ كلامهم غيرُ كلامِهِ، وأشكالهم غير...

الحملُ ثقيلٌ جدًّا هذِهِ المرّة، أثقلُ مِنْ أيّ مرّة.. الجلدُ ينفخُ الحرارةَ عرقًا..

شو يا بنيي، لوينتَ بدّك ايّاني أستنّى يعني، هسّة الشّمس بتغيب، قدّامي مشوار طويل، ما تستعجلْ!

- والله فشختين ومنوصلْ يا حجّة.. طولي بالِكْ.. 

 - الله يجيبِكْ يا طولْةِ البالْ!

يدفَعْ..

....................

عدتُ للتّوِّ من بلادِ البياضْ.. أنا هُنا الآنَ..

وهنا، حيثُ أنا، رمتني الطّفولةُ بعينينِ مؤنّبتينِ خرجتا فجأةً مِنْ زمانِ العُرْيِ والعَوَز.. ساقَ ذهنيَ السّارحُ قدميَّ إلى جهةٍ ما.. اندسستُ في تلاطمِ الصّيحاتِ والهتافاتِ وخلطةٍ من أغاني تامر حسني وتجويد مشير العفاسي.. اقتحمتُ مجالا مكتظًّا بروائح النّاسِ والتّوابل، وكرنفالٍ مِنَ الألوانِ، وسحبِ غبارٍ تظهر ذرّاتُها في خطوطِ الضّوءِ المتسلّلةِ عبر شقوقِ العرائش. 

شمّرَتْ أصابعي كُمَّيّْ جارزتي الـ "لاكوست" برفق.. اقتربتُ مِنْ توأَمِ الدّافِعِ والمدفوعِ السّياميّ.. احتكَّ شيءٌ من جسمي بخشبٍ وحديدٍ سائرينْ.. 

- هييييييييي.. إنتِ عزيزي  المفَتِّحْ.. حابِبْ حدا يعورَكْ عهالمَسا مَتَلًا!!

- ..... إنُّه قلتْ لحالي بوخِذْ هالعربايْ عنّكْ؟ بَساعْدَكْ لفوقْ..

- بتستخوتْ يعني؟! توكّل على الله..

غرقتُ في نفسي، دونَ أيِّ كلامٍ أو انفعال.. وبعثتُ عينايَ ترعيانِ الصّعود.

عندَ حافّةِ الوصولِ، زَلِقَتْ قدمٌ شبهُ حافيةٍ ترنّحَ فوقَها جسمٌ لاهِثْ.. هوت العربة، اندفَعَتْ نحوَ البدايةِ في عشرِ عشرِ زمنِ الدّفعِ إلى الأعلى، أخلى لها مارّةٌ مُرَوَّعونَ دربَ السّقوطِ، صارتْ إلى القاعِ،

لكنّهُ ظلَّ فوق..

ظلَّ فوق.. 

التعليقات