22/04/2012 - 04:39

جفرا/ إياد برغوثي

تقول النساء إن جفرا كانت جميلة حقًا لكن ما ميّزها أكثر هو شخصيتها القوية والساحرة، لقد زارتهم بقرية أبو سنان في السبعينيات، وابنتها اليوم تعيش هناك بينهم، وإنها عملت في الخياطة وكانت ماهرة مثل أمها، وإن احمد عزيز بقي يحبها وطلب رؤيتها قبل وفاته في أحد مخيمات لبنان طالبًا منها السماح.

جفرا/ إياد برغوثي


طالما كنت أتساءل عن كَتَبة الأغاني التراثية، التي أضحت ملكًا للشعب يردّدها في مناسباته المختلفة، عن ذلك المبدع المجهول، لكن في حالة أغنية "جفرا ويا هالربع" لم تكن الحيرة في هوية المبدع الأول إنما في القصة من وراء الأغنية، وبعد لقاءاتي الأخيرة مع نساء من الكويكات، تعقّدت الأمور أكثر.


من المعروف أنّ من كتب كلمات الأغنية هو الشاعر أحمد عزيز من قرية الكويكات، التي سنسير إليها الخميس القادم، كتبها في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي . إحدى الروايات تقول إنّ الشاعر بكى في هذه القصيدة على حاله، لأنّ جفرا ابنة خاله الصبية اليانعة رفضت زواجه لأنه قريبها أو لأنها طمعت بالزواج ب "ابن الذوات والحسب والنسب" فجنّ جنونه وترك البلد، ومع التهجير أضحيا لاجئَين بعيدًا عن الكويكات (مثال على هذه الرواية قصيدة لعصام ميعاري من عرابة).


في المقابل، تصف رواية سمعتها من نساء كوكانيات حالة أخرى مناقضة تمامًا، فالشاعر أحمد عزيز هو ابن عم أبي جفرا التي كانت صبية مدللة وحيدة والديها، تزوجّها عزيز لكنه في ليلة الدخلة أراد أن يخيفها ويثبت لها رجولته فضربها ضربًا مبرحًا، فهربت من بيته مستجيرة بأبيها وأهلها الذين فرضوا عليه تطليقها، وبعد فترة وجيزة تزوجت من ابن خالتها، وما القصيدة إلا تعبير عن شعور عميق بالندم والمرارة من قبل الشاعر الذي كتب "دفترًا" لأبيات شعره الزجلية التي أنشدها وانتشرت في رحاب الجليل ثم نشرها اللاجئون منه في بلاد الشام "جفرا يا هالربع ريتك تقبرينــي وتدعسي على قبري يطلع ميرامية".


تقول النساء إن جفرا كانت جميلة حقًا لكن ما ميّزها أكثر هو شخصيتها القوية والساحرة، لقد زارتهم بقرية أبو سنان في السبعينيات، وابنتها اليوم تعيش هناك بينهم، وإنها عملت في الخياطة وكانت ماهرة مثل أمها، وإن احمد عزيز بقي يحبها وطلب رؤيتها قبل وفاته في أحد مخيمات لبنان طالبًا منها السماح.
ما أثارني هو تلك الفجوة بين رواية النساء ورواية الرجال للقصة نفسها، وتفسيرهما المتباين لذات النص، كيف تحولت ضحية العنف غير المبرر إلى فتاة طماعة تتحمّل مسؤولية جنون الشاعر الحسّاس!

 

التعليقات