23/12/2012 - 11:04

إيلي صعب... والعروبة الفائضة! / شيخة حليوى

هل هناك عربيٌّ أكثر من اللازم وآخر أقلُّ من اللازم؟ متى يُباهي أحدنا بعروبة تتعدّى نسبة 100% وتُعابُ على آخر عروبة بنسبة منقوصة؟ تصعب الإجابة عن هذا السؤال في غياب معيار يقيس نسبة عروبتنا...هل هو لون بشرتنا أم بريق عيوننا؟ أم رائحة الصحراء التي تفوح من مسام تاريخنا؟! ومتى تخضع عروبتنا للقياس وفقًا لحساب النسب كحرارة نخوتنا مثلًا أو كنبض نزقنا؟

إيلي صعب... والعروبة الفائضة! / شيخة حليوى

هل هناك عربيٌّ أكثر من اللازم وآخر أقلُّ من اللازم؟ متى يُباهي أحدنا بعروبة تتعدّى نسبة 100% وتُعابُ على آخر عروبة بنسبة منقوصة؟ تصعب الإجابة عن هذا السؤال في غياب معيار يقيس نسبة عروبتنا...هل هو لون بشرتنا أم بريق عيوننا؟ أم رائحة الصحراء التي تفوح من مسام تاريخنا؟! ومتى تخضع عروبتنا للقياس وفقًا لحساب النسب كحرارة نخوتنا مثلًا أو كنبض نزقنا؟

لم أتوقع أن يتحوّل اقتناء فستان لحفل زفاف عائليّ إلى مسألة ذات أبعاد قوميّة وسياسيّة، وأنّ خلافًا حول عدد الأحجار الفضّيّة التي ترصّع أكمام الفستان سوف يكشف أنّ مصطلحات "المساحة"، و"النّسبة"، و"الحدود"، ليست مقصورةً على أروقة المفاوضات السفسطائيّة، بل ألقت بظلالها حتّى على عالم الأزياء!

في دكان جانبيّ صغير في شارعٍ نشِطٍ في تل أبيب، تصمم خيّاطة يهوديّة من أصول مغربيّة فساتين سهرة بأسعار معقولة، ويبدو أنّ لغتها ذات النكهة الشرقيّة كانت سببًا مباشرًا في اختياري لها دون غيرها من الخيّاطات؛ كلّ جملة تطعّمها بـ "اسم الله" و"ما شا الله"، وتتعمّد (لأسباب تسويقيّة صرفة...) أن تنطق الحاء حاءً والعين عينًا.

اتّفقنا على لون الفستان ونوع قماشه وتصميمه، الأسود لون راقٍ، الأسود لون لا يختلف فيه اثنان ولا عليه...حتّى مساعدها الرجل الذي دخل إلى الصورة فجأة لم يخفِ إعجابه بالأسود، شعرتُ بحرجٍ ما، لكنّه سرعان ما أقنعني بمهنيّته... فاختفت معها رجولته وحرجي!

اتّفقنا على اللون ولكنّنا اختلفنا على عدد الأحجار الفضيّة التي تزيّن الفستان الأسود ومساحتها، خلافٌ على النّسب... رجّحتُ أنّ "اتّساع رقعة" الأحجار الفضّيّة سوف "يكسر" سواد الفستان، ولكنّ مساعد الخيّاطة اعتبر أنّ سنتيمًا واحدًا آخر سيصبح "تو مَتْش..."، قالها وهو "يلوي بوزه" بسخريّة مبطّنة.

غلت عروبتي في دمي، وقفز من اللّاوعي هاجس قوميّ دفين...لا يهمّني منظر الفستان، أريد حقّي في الأحجار الفضيّة ولن تحرمني حقّي.

لم أقتنع، قلتُ: "لا..أنا أريد هنا المزيد من الأحجار وهنا أيضًا على الخصر."

أصرّ على موقفه: "لا... سيبدو ذلك أكثر من اللّازم عربيًّا، أكثر من اللّازم... יותר מדיי ערבי."

قلت بحدّة: "ماذا قلتَ؟ وهل أبدو لك غير ذلك؟"، تدارك الأمر واعتذر: "لم أقصد إهانتك، إنّه مجرّد تعبير!"، زادت حدّتي: "لن أشعر بالإهانة إلاّ إذا اتّفقنا أنّ أنفك يهوديٌّ أكثر من اللّازم، هو مجرّد تعبير أيضًا"، ابتسم مرتبكًا: "تعرفين أنا أقصد الذّوق العام عند العرب الفلاّحين وليس عندكم."

تصنيف آخر يتفرّع من تصنيف أكبر... سألت: "ما الفرق؟ كلّنا عربٌ... بالقدر نفسه والنسبة نفسها"، تدخّلت الخياطة وهي توشك أن تخسر زبونة مؤكّدة: "ماذا تقول؟ هل تعرف إيلي صعب؟ إنّه لبنانيّ وهو أهمّ مصمّمي الأزياء في العالم!".

أجابَ بلهفة مصطنعة: "نعم، نعم أنا أتابعه بشكل دائم، طبعًا أفضل مصمّمي الأزياء في العالم هم لبنانيّون"، قاطعته: "أفضل مصمّمي الأزياء في العالم عرب، أكثر من اللازم عرب."

لم يلوِ بوزه هذه المرّة...

"انتصرتُ" في النسب والمساحة، وكسبت خطًّا آخر من الأحجار الفضيّة. كنت سعيدة وأنا أبدو عربيّة... أكثر من اللازم عربيّة! 

(تحيّة لإيلي صعب..).

التعليقات