08/02/2013 - 10:51

لجوء / ربيع عيد

لم تؤلمها القذيفة التي تسببت ببتر قدميها في حلب بقدر ما آلمها وجودها اللحظي الآن.. جالسة على كرسي متحرك بين جمهور الأشقاء من المحيط الى الخليج في مدينة اللجوء الأولى بأوروبا مالمو تشاهد ابن السويداء يُغني أمامها "يا حيف".

لجوء / ربيع عيد

1

الشارع الرئيسي الطويل الممتد نحو محطة القطار المركزية في بروكسل.

- مرحبا خالتي
- أهلا يا خالتي
- من وين أنت يا خالتي؟
- من اليرموك

تتأكد ظنونك سريعا.. المرأة الجالسة على الرصيف وتغطي نصفها بحرام يقي من برد الخريف من فلسطين.

- أذكر حيفا مثلما أراك الآن
- كم كان عُمرك يومها؟
- عشر سنوات!
- لماذا تركتِ المخيم؟
- لم يعد لنا خبز في المخيم
- كيف كان لجوؤك الثاني؟
- تهريب أنا وأبناء ولدي
- اين ولدك؟
-استشهد مع فتح في لبنان
- وهل تكفيكِ النقود القليلة التي تجنيها في يومك القارس؟
- أُعيلُ الأطفال نحو مستقبلٍ خالٍ من أوهام أوسلو

تحتار في قرارك باعطائها النقود: هل جعلنا أوسلو شحاذين على قارعة الطرق في أوروبا؟
ترفض أوسلو وتمضي حاملا سلامها وحلم عودة إلى حيفا.

 

2

تدخل المقهى الشعبي في "شارع العرب" كما يُسمى ببرلين، بعد أن جذبك المحل وشكل التزيين: علم ألمانيا إلى جانب علم فلسطين.

يستقبلك أحمد قادما أو هاربا من عين الحلوة إلى مجهول أفضل من حالة اللاواقع في واقعه، حتى لو قاده نحو العمل في أيامه الأولى هنا بالمخدرات، فعامان بالسجن كانا كفيلين بتحويله من لاجئ غير شرعي إلى لاجئ شرعي ينتظر أوراقا ما تجعله أكثر شرعية في بلاد الفرنجة.

ثم يأتي أبو عبد الله نازحا من الرشيدية خلال حرب المخيمات، يجلس معك على نفس الطاولة ويطلب لك القهوة على حسابه.

- كي تدرك حجم التآمر الحقيقي على فلسطين عليك أن تكون مقاتلا في حرب المخيمات.

مع حديث أبو عبدالله عن حرب المخيمات يُصبح للقهوة طعم كالدم.. لكنك تطلب فنجانا آخر.

 

3

في قطار تحت أرضي في باريس.

تحب قراءة عيون الداخلين للمقصورة وملامح الوجوه، يُلفت انتباهك شاربٌ عربي فتنظر في وجه صاحبه ويبادلك.

- من أين؟
- طولكرم
- ما أتى بك الى باريس؟
-اتفاقية باريس الاقتصادية!

فتفهم خلال دقائق سريعة أن لباريس وجها متوحشا آخر غير الوجه الرومانسي الذي عرفته منذ سنوات المراهقة حتى اليوم.

 

4

عُمر الذي لم يبلغ الثامنة عشر بعد، كان فرحا جدا لمقتل السفير الأمريكي في بلده ليبيا بعد الفيلم المُسيء أو الرديء.

- شفت كيف ربيناهن ولاد القحبة؟

لم ينتبه عُمر أثناء حديثه الحماسي أن بلوزته يتوسطها علم الولايات المتحدة.

يُنهي من تغسيل يديه ويغيب من أمامك وأصدقاؤه في ليل كوبنهاجن الصاخب بالسهر والخدر.

أما أنت، فتُدخن سيجارتك بعد الطعام وعبث الكلام.

 

5

لم تؤلمها القذيفة التي تسببت ببتر قدميها في حلب بقدر ما آلمها وجودها اللحظي الآن.. جالسة على كرسي متحرك بين جمهور الأشقاء من المحيط الى الخليج في مدينة اللجوء الأولى بأوروبا مالمو تشاهد ابن السويداء يُغني أمامها "يا حيف".

يبدأ سميح بالغناء وتبدأ هي بالبكاء.. أما أنت فتقع أرضا.

 

6

تنهض عن طاولة المقهى الخارجية بعد أن دفعت فاتورة الفطور في بلدٍ ما، فيأتيك متسول هرم، يحمل في يده كأسا بلاستيكية فيها بعض النقود، مُستغلا غياب النادل الذي دخل الى المقهى.

يسبقك فضولك وتسأل:

- من أين أنت؟
- أفغانستان.. وأنت؟
- فلسطين
- أوووه.. فلسطين!!!

يُسلم عليك بحرارة مع ابتسامة نادرة اعتلت وجهه الملتحي بؤسا، ومتمتما لغة لا تعرفها ويمضي دون طلب النقود.

تتأكد حينها أن فلسطين بوصلة الشعوب.

التعليقات