13/07/2015 - 23:17

ما بين الله وحبيبي/ ميساء منصور

لا أعرف، لكن يبدو أن الله قد كثّف المشاكل في هذا الشهر لأكون على أتمّ الاستعداد لأنشق عن بيت العائلة وأستقلّ وحدي، أساسًا اخوتي الأصغر مني قد استقلّوا قبلي بسنوات، ربما ذلك يرجع لكونهم يدرسون في الجامعات ويقيمون في مساكن الطلّاب، أمّا أنا

ما بين الله وحبيبي/ ميساء منصور

اللّيالي الأخيرة من رمضان، في الحقيقة كنتُ أنتظر عودة هذا الشهر منذُ انتهائه العام الماضي، أردته أن يكون مميّزًا، مختلفًا، أن أعود لأمتلك قلبًا يطفح بالإيمان والتسليم التام، دون حتى أن يخطر على بالي تساؤلٌ واحدٌ ممّا يخطر على بالي هذه الأيام، لكن رمضان هذا العام زادني بُعدًا عن نفسي بشكلٍ لا يُصدق، هل لذلك علاقةٌ بالمشاكل الّتي لا تنتهي في حياتي؟

لا أعرف، لكن يبدو أن الله قد كثّف المشاكل في هذا الشهر لأكون على أتمّ الاستعداد لأنشق عن بيت العائلة وأستقلّ وحدي، أساسًا اخوتي الأصغر مني قد استقلّوا قبلي بسنوات، ربما ذلك يرجع لكونهم يدرسون في الجامعات ويقيمون في مساكن الطلّاب، أمّا أنا فبحكم أن البلد الّتي أدرس بها قريبة، لم يكن يستدعي الأمر أن أتخذ لنفسي سكنًا آخر.

ربما كنت أوّد لو أتحدث عن رمضان أكثر، رمضان الّذي تعلّمت طوال سنواتٍ كثيرة كيف أختمُ به القرآن، وكيف أصلّي الصلوات دون تأخيرٍ أو ملل، كيف أدعو الله في جوف اللّيل وفي ليلة القدر، وكيف سيستجيب الله دعواتي لأني مؤمنة، وسيلقى الآخر عقابه لأنه ظالم.

أيّ سذاجةٍ تلك الّتي كنت بها عندما صدقت أن كلّ ما أدعو به سيتحقق؟

لم أحصل على الأشياء الّتي أحببتها مُذ كنت طفلة، البعض يقول لي ' الخيرة فيما اختاره الله '، لمَ لا تكون الخيرةُ مرّةً واحدة فيما أختاره أنا، مثلًا؛ أمسك يد حبيبي وأسير معه مطوّلًا على شاطئ حيفا، دون أن يعترضني أحدهم ليقول لي أن ما أقوم به حرام، أدري أنه في تعاليم ديننا الإسلامي لا يجوز ذلك، لكنه أقرب إليَّ من حبل الوريد، لم لا يقتربُ مني حتى أنسى للحظةٍ كلّ شيءٍ وأتوقف عند تفاصيل يديه.

كف يده كبيرةٌ نسبيًا، أحبّها هكذا، عندما يضع كفه على وجهي أشعر بوجهي يغوص فيها، يمسكني بيدٍ واحدة ويضمني إليها عندما أحزن، ويمسح باليد الأخرى دمعةً من فرط ما حبستها صارت سخية، يرفع حاجبه الأيمن وينظر إليَّ ضاحكًا قائلًا إن وجهي مثل طفلةٍ فقدت دميتها أيام عيد الفطر على ساحة العين في البلدة، أغضب منه وأتوقف عن البكاء وأبدأ بمشاجرته، فيما بعد أقول له أنه كان محقًا، يبدو أن الطفلة في داخلي ترفضُ أن تكبر وتستوعب مدى الأذى الموجود في الكوكب.

في ليلة القدر العام الماضي، لم أُصلِّ، ولم أدعُ الله، تخليتُ عن إيماني بكلّ الأشياء دفعةً واحدة، لكني الآن لدي رغبةٌ في الذهاب سيرًا على الأقدام إلى مسجد الهجرة الواقع في الطرف الغربي من القرية، وليكُن ذلك بعد منتصف اللّيل، حين يكفّ الأطفال عن الضجيج واللّعب في شوارع القرية وفي ساحة العين، لأسير وحدي تمامًا في جوف اللّيل، دون الخوف أن يطلّ الناس رؤوسهم من النوافذ ويشيروا إليَّ بأصابع الاتهام بأني أمشي لوحدي في وقتٍ متأخر، وإن كان هذا يدلّ على شيءٍ فلا يدلّ سوى على قلّة وعيٍ وتربيّة.

أنا أريد الذهاب إلى بيت الله، أريد أن أخبره بكلّ الأشياء الّتي تؤرق قلبي وتمنع عيني عن النوم، عن أولئك الّذين خدشوا بسكينٍ على جسدي، ونهبوا مني ما نهبوا وغادروا، عن الأحلام الّتي لا تتحقق على هذه الأرض، عن أن محمود درويش قد كذب علينا حين قال إن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، عن أن الّذين نحبّهم يغادرون إلى حيث لا تصلُ طائرتنا...

أريد الذهاب إلى الله، دون أن يراودني حلم العودة إلى حضن حبيبي ليحميني من كلّ شيء!

التعليقات