25/07/2015 - 20:27

حينَ صرخَ الجنوب.. استجابَ الجليل/ ميساء منصور

كنتُ في المطبخ، على ما أذكر في السّاعة الواحدة ظهرًا، أقوم بتنظيف الأواني من طعام الغداء، أمي تستلقي في غرفة أخي، أختي تجلسُ في غرفتها تدرس بسيخومتري ؛ امتحان القبول للجامعات في الداخل، أبي وأخي في الطابق السُفليّ يتبادلون الحديث

حينَ صرخَ الجنوب.. استجابَ الجليل/ ميساء منصور

قرية مجد الكروم في جليل فلسطين

كنتُ في المطبخ، على ما أذكر في السّاعة الواحدة ظهرًا، أقوم بتنظيف الأواني من طعام الغداء، أمي تستلقي في غرفة أخي، أختي تجلسُ في غرفتها تدرس ' بسيخومتري '؛ امتحان القبول للجامعات في الداخل، أبي وأخي في الطابق السُفليّ يتبادلون الحديث المُعتاد مع خال والدي منصور الّذي يسكن بجوارنا، على ما أعتقد كانوا يتحدثون بشأن زواج أحد من العائلة، الشّمس حارةٌ جدًا، في الثاني من تموز عام 2006، الجو هادئٌ بعض الشيء، والذباب يحوم فوق الأواني القذرة الّتي لا أدري من أين أبدأ بتنظيفها.

على حين غفلةٍ من انشغالي بكلّ الأشياء من حولي، أيقظني صوتُ انفجارٍ كبير، لم أدرك مصدره، قفزتُ على الكرسيّ أنظر من نافذة المطبخ إلى أنابيب الغاز خلف البيت، لفكرةٍ في رأسي أنها ستنفجر ذات يوم، لم يكن هناك إشارات .. لم ألحظ دخانًا يتصاعد، ولا حريقًا يأكل الجبل خلفنا.

خلال بضع ثوانٍ كنت قد وقفت عند البوابة، بوابة البيت، رأيتُ الدخان يتصاعد من عدّة أماكنٍ في البلدة، إحدى أعمدة الدخان كانت ترتفع من بيت ' محمود العطوة ' جارنا منذ عشرين عامًا، الجار الّذي لم يؤذِ أحدًا في أيّ يوم.

لستُ أدري متى صعد والدي وأخي وخال والدي إلى الساحة أمام الطابق الثاني من البيت، لكني انتبهت لهم حين كانوا يصرخون ويقولون: ' حسن نصر الله ظَرَب '!

بيني وبين الطفلة الّتي كانت في داخلي آنذاك، من حسن نصر الله؟ وما هو الشيء الّذي قذفه على بلدتنا؟

بقيتُ واقفة دون حراك، أستمع إلى قناة الجزيرة وهي تنقل الأخبار المتلاحقة؛ ' حزب الله يخطف جنديين إسرائيليين '، ' حزب الله يردّ على قصف الجنوب اللّبنانيّ بإطلاق مجموعة من صواريخ الكاتيوشا على شمال فلسطين المحتلّة '، ' مواجهات على الحدود اللبنانية-الاسرائيليّة '.

إذن، الصوت الّذي سمعته لم يكن سوى صوت صاروخٍ قادمٍ من الجنوب اللّبنانيّ، من حزب الله بالّذات.

بدأت الحرب .. الحرب الوحيدة الّتي عشتها، والأولى الّتي منذ هزيمة 67 الّتي تشكل نوعًا من تهديد الأمن للاحتلال.

في البداية، لم يكُن خوفنا خوفًا حقيقيًا من الصواريخ الّتي كانت تتساقط على البلدة بشكلٍ دائم، كنا نجتمع حول الصاروخ كأنه لعبةٌ ما، أداةٌ عادية بين أيدينا، الأيام التي مرّت ثقيلةً على الجنوب اللّبنانيّ، مرّت علينا بدايةً سهلة ودون خطرٍ حقيقيّ.

صباح مجزرة قانا الثانية، كنت برفقة أختي نلعب في أرضٍ مجاورةٍ للبيت، وجدنا قطةً صغيرة لا تقدر على الحركة، حاولت أختي الإمساك بها واطعامها، لكنها ماتت بين يديها، أختي بكَت بحرقة، قالت لي أن القطة حزنت على الأطفال الّذين استشهدوا في المجزرة.

كنا ننتظر خروج نصر الله ليعلن إيقاف الحرب، حين سقط على البلدة مجموعةٌ كبيرةٌ من الصواريخ، كنا نختبئ جميعًا في ' الملجأ '، وصوت الصواريخ تخترقنا، كانت الأصوات تخترق قلبي وتحشرني في مكانٍ ضيّقٍ لا سبيل للخروج منه.

بعد دقائقٍ من انقشاع الغبار عن الأماكن الّتي سقطت بها الصواريخ، وجدنا شهيدين أمام مدرسة عمر بن الخطاب الابتدائيّة، حالة الهيستريا الّتي شهدتها البلدة لم نشهد مثلها في تاريخنا، البكاء والصراخ والعويل وهتافاتٌ أخرى تصرخ ' فدى المقاومة '، كرمال المقاومة '، ' شهداء.. شهداء..'.

لم أكن أعرف بهاء ولا محمد، أولاد الخالِ والعمّة، لم ألتقِ بأيٍّ منهما يومًا في شوارع المجد، لكن ظلّت ذكراهما عالقة في رأسي كلّما مرّ شهر تموز وآب على التوالي، شُيّدت مقبرةٌ في طرف البلدة باسم ' مقبرة الشهداء '، لتظلّ الذكرى في عقولنا مهما كبرنا.

قرية مجد الكروم في جليل فلسطين

التعليقات