19/10/2015 - 08:44

زيت الزعرورة الفاتر...إلى إياد عواودة/ طارق عسراوي

نعم، لقد جرّد إياد و أصحابه الشهداء قاموس حبّنا للحياة من مفردات الموت العادي، و أعادوا لكلمات الإقدام، الشجاعة، التضحية و الحب حد الإنفجار كبركان، نضارتها و ألقها الفتّان، وغيّروا نوع الاشتباك وأثبتوا أن الشفاء من ورم الاحتلال يكون

زيت الزعرورة الفاتر...إلى إياد عواودة/ طارق عسراوي

على غصنِ زيتونةٍ علّقت قلبي، منذورًا لشمسٍ مترددة الوهجِ ، تصبغُ وجهي على مهلها بالحناء و الحنطة...

أصغي خاشعا لتراتيل حبات الزيتون المنهمرة على مداد موسم القطاف، عمّا قليل، ستغدو زيتا حالك المعنى يسيل في عروق البلاد و يمسد فجيعة الأمهات بأبنائهن العائدين على الأكفّ و الرايات،  و في الجوار غناء خافت لأوراق شجرة بلوط تشيع الخضرة في الوديان.

في ركن صخرةٍ أتوسد تراب الزعرورة، المسماة نسبة لشجر الزعرور النابت في انحدارات المكان القاسية،  فلهذه الأرض فطرتها، و للزيتون فيها لغة لامعة برّاقة، و له أيضاً مفردات الوداع الجارحة، هذا ما قالته أم الشهيد لوليدها قبل أن يمضي:  

-سأراك يا ولدي بعد القطاف، فنغمسُ قلبينا بالزيت اللاذع، إلا أن رصاصة القاتل المسعورة امتدت لقلبه قبل أن تمسس يدها لآلئ الغرس فاختلط الدم بالزيت!

كان نهارًا واضح المعنى، لا يقبل التأويل، جلس فيه إياد عواودة على رفّاعِ قلوبنا، علّقناهُ سراجاً يضيءُ لنا ظلمة يأسنا الحالكةِ، و مددناهُ بما أوتينا من خير القطاف ليرتوي،  فبلّل أفئدتنا بصورةٍ لن ننساها، تلكَ صورتنا التي نستندها لننهض من حطامنا، و علمنا حكاية إضافية نحدثها لابنائنا في ليالي الشتاء القريبة، فنغرس فيهم قيم الشجاعة الوضّاءة ليكبروا ويتفرّعوا أشجارا مباركة . 

نعم، لقد جرّد إياد و أصحابه الشهداء قاموس حبّنا للحياة من مفردات الموت العادي، و أعادوا لكلمات الإقدام، الشجاعة، التضحية و الحب حد الإنفجار كبركان، نضارتها و ألقها الفتّان، وغيّروا نوع الاشتباك وأثبتوا أن الشفاء من  ورم الاحتلال يكون بإستئصاله لا اعتياده، فما رأيناه في صورة إياد الأخيرة، كان مشهد لحقيقة الصراع، صراع الحب و الحياة، لصورة غزال يطارد وحشا، وسجين يُقفل أبواب الزنزانة على سجّانه ويلقي بمفتاح القفل خارج الأسوار، عاشق للحياة يُقصي قاتله خارِجَ أناقته، ورذاذ عطر يحسِرُ قنبلة الغاز عن نَفَسِ القصيدة. 

شمسُ الزعرورة في ذلك النهار، إتكأت على قبضة إياد العالية، المرفوعة كمنارة ترشدنا الى شاطئ الحرية.

أسمع أصواتهم تنسرب في أوراق بلوط الوديان تغني للبلاد و شمسها، فهذي بلادنا التي نهوى، نمشي صوبها على نصل صراتها، و نقطفُ من أجلها أرواحنا،و نمسّد ألامها بدمنا الفاتر كما تدلّك الجدّات أحفادهنّ بزيتِ المباركة البِكر لتضيء العافية أيامهم ..

التعليقات