02/12/2015 - 23:52

حطّات ومحطات../ تغريد جهشان

المحطة الرابعة، الطيرة، تعج بالناس وكانت دهشتي كبيرة فقد سمعت اللغة العبرية من كل حدب وصوب،

حطّات ومحطات../ تغريد جهشان

هذا السبت، وككل سبت نخرج به أنا وزوجي نجوب أنحاء الوطن. وكان قرارنا الذهاب بالأساس إلى منطقة الطيرة والطيبة لقربها من مدينتنا يافا، ولأسباب أخرى تمتاز بها هاتان المدينتان، ولأنه تربطنا بهذه المنطقة كغيرها لغة الضاد وروابط صداقة وأخرى نحن أبناء الشعب الواحد. بعدها سننهي يومنا على شاطئ مدينة قيسارية لنعود إلى يافا.

وبشكل عفوي، وبدون تصميم مسبق واع لبست حطة ملونة ما بين الليلكي والأبيض والأسود، منسوجة بخيوط فضية لامعة كنت قد اشتريتها من أحد المتاجر المعروفة في مدينة تل أبيب. وعند لبسها شعرت أنني بأمان، وعلى استعداد تام للخروج لأماكن صراع قد يكون منها الأبيض والأسود أو ربما لن يكون.

ولأنني أعلم أن أول محطة لنا هي سوق السبت في مدينة الطيرة، وبسبب الأوضاع القائمة، فسوف نتمتع بجزء من يومنا تكون به لغتنا رفيقتنا الوحيدة في هذا الصباح، فمن غير المتوقع أن يحضر 'أولاد عمنا' إلى سوق في بلد عربي في هذه الأيام خوفا من سكين أو حتى من حديث باللغة العربية... لحظة... ومن يضمن أماننا في هذا السوق العربي الشقيق... وكيف يمكن تمييز أننا من ابناء هذا الشعب...الحل هو بتغيير هذه الحطة بحطة عربية سوداء بيضاء، بحثت عنها فوجدتها واستبدلت بها الحطة العبرية.

ولكن مهلا... فالطريق لهناك تمر من مناطق يهودية، وأول محطة هي الكازية... فمن سيحمينا من صرخة مهووس 'مخربون' و'سكين' ومن طلقات رصاص قد تخترق صدورنا أو ظهورنا، وتمنعنا من الوصول إلى غايتنا والاستمرار في رحلتنا؟

 حسنا.. لا بأس. سوف أبقى مع هذه الحطّة حتى نمر بأول محطة، الكازية ثم المحطة الثانية تل – أبيب فالثالثة كفر سابا، وهكذا حتى نصل المحطة الرابعة الطيرة والسوق، وعندها سأقوم بتغيير الحطّة، وبعدها تغييرها في المحطة الخامسة قيسارية وانتهاءا بمحطة بيتنا يافا.

المحطة الرابعة، الطيرة، تعج بالناس وكانت دهشتي كبيرة فقد سمعت اللغة العبرية من كل حدب وصوب، وقابلت أشخاصا يخرجون من السوق يتكلمون العبرية بكل ارتياح وهدوء. طبعا إنهم من القلائل الذين لم ترهبهم وسائل الإعلام العبرية أو القادة المحرضين كما فعلوا بي أنا ابنة هذا الشعب.

حسنا ماذا يمنعني من الانخراط بين هذه الجموع مع كل الهويات المختبئة داخل الحطّات: كفلسطينية عربية من إسرائيل. لا بأس بذلك. ولكن هل أستطيع متابعة مسيرتنا إلى المحطة التالية قيسارية مع كل هذه الحطّات التنكرية؟ وهل يا ترى سنسمع اللغة العربية هناك؟ أستطيع أن أنفي ذلك مسبقا.

 لا تقولوا إنني جبنت عندما قصدت تضليل هوية فلسطين في المحطات الأولى أو 'هوية إسرائيل' في المحطة التالية، ولكن على الأقل شعرت بالثقة، واستعدت توازني السياسي عندما وفرت على نفسي عناء المحطة الخامسة بعد أن تخبطت بذلك إذ قررنا العودة إلى البيت.

في هذا الزمن الأغبر في المحطات عليك القيام بعملية تضليل وتظليل لهذه الهويات بواسطة هذه الحطّات، فإمّا الحفاظ على هذه الحطّات لمعارك في المحطات وإمّا التنازل عن الحطات والمحطات والبقاء في البيت.

البيت دافئ وجميل وحميم ولكن علي المسير والمسير تلبسني الحطات إلى مئات المحطات.

 

التعليقات