28/12/2015 - 23:15

روضة اللغة والهوية../ نزار السهلي

في مثل هذه الأيام قبل عامين، رحلت عن عالمنا روضة عطا الله بشارة، بعد أن أكملت وضع لبنات أولى تحرس مع شريكها إلياس عطا الله سياج اللغة العربية من الأسرلة والتهويد

روضة اللغة والهوية../ نزار السهلي

د.روضة عطا الله (من الأرشيف)

الكتابة عن د.روضة بعد عامين من الرحيل، لا تفصلنا عن محاكاة ضوء أشع في الناصرة وغفا للمرة الاخيرة في إقرث، ترك لنا حلمها عن حيفا والناصرة والقدس وترشيحا وإقرث وكل قرية في الجليل والمثلث ما يفيض وضوحاً بين أبنائها ورفاقها وشريك حلمها، إلياس عطا الله، بلغته المتقنة وكبريائه وإخلاصه الذي شاركته به روضة لينتشر وهجا على امتداد الأُفق في حيفا والناصرة، متخطيا جغرافيا فلسطين إلى مخيم اليرموك هناك حيث لامستُ من معرفة إلياس وروضة  ذلك الضياء الواصل إليَ كلاجئ يتلمس المعرفة عن جذره في "وتبقى الجذور" التي تواجه الظلام بالمعرفة، وتتصدى للأسرلة باللغة التي ترتقي إلى فعل المقاومة ضد تطبيع العقل والثقافة، وهو ما شدني إلى أشياءٌ صعب التحرر من متابعتها، وكانت سبباً في تقصير المسافة بين الجذر في الأرض والفرع في منفى اللجوء والشتات، تجربة حملت لنا أملاً وحبا يستظل به من عايشها، ويفخر بها من قرأها إنساناً يُنجز قوته الخلاقة المرتكزة على وعي وقوة إرادة ونضال، سطرت مسيرتها الفاضلة والنقية التي واكبتها بالمعرفة والعلم  لنشر الثقافة وأهمية الهوية والقيم لاستعادة الوطن المفقود.

في مثل هذه الأيام قبل عامين، رحلت عن عالمنا روضة عطا الله بشارة، بعد أن أكملت وضع لبنات أولى تحرس مع شريكها إلياس عطا الله سياج اللغة العربية من الأسرلة والتهويد. كانت واحدة من الذين أحدثوا مدماك حماية الثقافة العربية في الداخل الفلسطيني، فكان الجهد والمثابرة والعمل الدؤوب الذي اتصفت به مسيرتها، تجعل من جمعية الثقافة العربية في حيفا تأخذ المكانة المرموقة في وعي جيل الأبناء والرفاق الذين تعلموا وعرفوا عن قرب معنى استعادة العربية كهوية وثقافة ولغة  كُللت بمخيم الهوية الصيفي الذي أنشأته جمعية الثقافة العربية برعايتها ليُبرز القيمة الفعلية للإنسان الذي استهدفته نضالات الدكتورة روضة في مسيرتها الكفاحية، بأن جعلت من الشباب مشروعا ثقافياً بوجه العنصرية الصهيونية، فكانت مسيرتها تعبير عن فكر إنساني وطني نضالي سواء ما كان متعلقا بعضويتها في حزب التجمع الوطني الذي شغلت فيه منصبا أم في إنشاء معسكر الهوية أو الدفع المستمر للشباب نحو التحصيل العلمي مع العمل على رفع أعمدة اللغة العربية، وإرساء قواعد الإيمان بها أو بالمشاريع المختلفة التي أسهمت في إحداثها وتطويرها خدمة لأبناء مجتمعها.

وفي رصد للقيم الإبداعية والنضالية في مسيرة الراحلة روضة، استيعاب عميق لامتزاج الثقافة والهوية الوطنية لأصحاب البلاد الأصليين، وهو ما أدركته دروبها المتعددة في مسار النضال المنفتح على وعي الشباب الفلسطيني في الداخل، لهذا سعت باجتهاد كبير إلى الأخذ بصيغ متعددة تَكشفتْ في أشكال العمل في صفوف حزب التجمع، إلى جمعية الثقافة العربية بحزمة كاملة من الوضوح المستمد لدلالته من مفهوم أساسي هو: الحفاظ على الهوية والانتماء وتطويرهما كسلاح فعال لمواجهة سياسة الطمس والإذابة للهوية العربية، وهما بعدان عميقان في شخصية الدكتورة روضة وعملها وإرثها المتروك بين صفوف الشباب شاهداً مع إنتاجها الباقي الذي يليق بالمهام التي أُوكلت لها أو التي أخذتها على عاتقها باستعادة ما فقده المنكوبون فوق أرضهم والعودة من جديد إلى إضاءة شعلة الثقافة واللغة والعلم بعد محاولات العبرنة للثقافة لإظلامها وطمسها.

لم يكن إيمان الراحلة د. روضة، منفصلا عن إيمان الشباب الفلسطيني، الذي أملى عليها صياغة مشروعها النضالي لبناء الضامن الفعلي لاستمرار وجوده فوق أرضه التاريخية، فكانت كلمة السر معبرة عن تلك الثقافة والهوية كما يجب أن تكون في مجال العلم الذي تعاملت معه كبنية مهمة في إطار البناء الإنساني للحفاظ على الانتماء.

نذكر الدكتورة روضة ونحن نتأمل هذا الانبثاق البهيج من أبنائها، ومحبيها في معسكر الهوية وفي جمعية الثقافة العربية وفي حزب التجمع، وهو ما يعزينا ويعزيهم النثر العالي لبذور العلم والمعرفة والنضال الذي بذرته تجربتها يحصدهُ محبيها بمزيد من الأمل والعمل الذي يخفف مصاب الرحيل..

تطل ذكرى رحيل روضة وجمعية الثقافة العربية وجمهور معسكر الهوية واللغة، ماضون في تحقيق حلمها، وإذا كان محبوها في حاجة لها اليوم فهو بتأكيد العزم على مجابهة الظروف التي تحيط بمجتمع اهل البلاد الأصليين، وأن يكون ما خطته وعملت به روضة سبيلا للوصول لفكر ولغة وعلم يوحدان ويساعدان على صمود أهلنا، وإذا كان هناك من عبرة في ذكرى روضة نحاول أن نتلمسها في العام الثاني للرحيل هي الثقة بالأفكار التي عبرت عنها والأهداف التي أوصلت محبيها إليها بعزم وقوة ومحبة كرست وجودها وحضورها ببشارات متعددة.

التعليقات