أُمِّي العزيزة؛
أنا أعرف جيّدًا أنَّكِ تخافين عليَّ كثيرًا، أنّ الكثيرَ من الأشياء تشغلُ بالكِ حين تُفكرين بمستقبلي، أنَّكِ لا تثقين تمامًا بخياراتي، أنا الكبيرةُ لديكِ، الطفلة الّتي قضت أربعةً وعشرين عامًا تحت كفيّكِ.
اليوم أنا كبرت، كبرتُ كثيرًا، فوق الحدّ الَّذِي تتخيلينهُ، تعلّمتُ خلال نصف العام هذا، الَّذِي قضيتهُ بعيدةً عن البيت، أضعاف ما تعلَّمت حين كنت بين يديكِ، لا أنكر، إطلاقًا، كلّ ما فعلتهِ من أجلي، أعرفُ أن يديكِ تعبتا من كثرةِ العمل من أجلنا، وأن جسدكِ لم يَعُد يحتمل الثقل الَّذِي يحملهُ، وأنا آملُ أنّ راتبي سيتحسّن، العامَ القادمَ، وستظلّين أنتِ جالسة، فقد اكتفيتِ مما قدمتهِ حتّى الآن.
الَّذِي أريدُ منك معرفتهُ أَنِّي لن أقوم بِشَيْءٍ يحزنكِ، يعني في النهايّة يظلّ تعبكِ عليَّ يلاحقني مهما حييت، لكني أقوم الآن بكلّ الَّذِي لم أستطع القيام بهِ سابقًا، أنا ليس طموحي في هذه اللّحظة أن أتزوج ذاك الطبيب الَّذِي يملك مركزًا مرموقًا في المجتمع، ولا ذاك الَّذِي جاء إليكِ قائلًا إنِّي جميلة وإنّه يريدني، ولا ذاك الَّذِي نظرَ إليَّ بعدما كنت قد كففتُ عن النظر إليه، أنا فقط في حاجة إلى الأمان، الأمان الَّذِي افتقدتهُ طول العمر، كسبته في لحظةٍ غير متوقعة، ثمّ عاد فغادرني في اللّحظة الّتي لم أحسب لها حسابًا.
عزيزتي أمي، أريد منك أن تعرفي أني الآن مختلفة، يعني كلّ الأشياء الّتي لم أتوقع حدوثها.. حدثت. حتّى الثقة الكبيرة الّتي منحتها للآخرين سُحبت من يديَّ، كما كان زميلي من المدرسة الابتدائيّة يسرق مني طعامي، أمّا عنّي، فقد كبرتُ إلى الحدّ الملاصقِ للسماء، بتُّ أنظرُ من علٍ وأتساءل عمّا يمكن أن يحدث بعد كلّ هذه الأشياء السيئة الّتي حدثت، أنا أريد فقط الآن أن أعيش الحياة الّتي تأملتها دائمًا.
عليكِ أن تعرفي، أَنِّي حين أسقطُ من علٍ سقطةً مدويّة، تصدر صوتًا داخليًّا صارخًا، سأكون على عتبةِ بيتكِ لتلملمي شتاتي، لا غنًى للبنتِ عن أمّها، وأنا في النهايةِ لا غنى لي عنكِ برغم كلّ الحبّ الَّذِي أرغب بعيشهِ.
اقرأ/ي أيضًا | كارولين هيرشيل.. المرأة التي طالت السماء
التعليقات