11/05/2016 - 14:38

ماذا يعني أن تكون في أرض فلسطين وتعيش في مخيم؟

أعتقد أنها قالت "اليهودية" مجازا، مخاطبة من يسكن دار فؤاد أبو الغيداء، ظانّة أنني لم أفهم أنها قصدت ذلك بالمعنى والكلمة.

ماذا يعني أن تكون في أرض فلسطين وتعيش في مخيم؟

الروائية الفلسطينية، سلوى جراح

يعني أنت 'اليهودية' اللي ساكنة في بيت فؤاد أبو الغيداء؟ قلت لها نعم. 

فأعادت السؤال مرة أخرى، أنت 'اليهودية' التي تسكن في دار أبو غيدا؟

أعتقد أنها قالت 'اليهودية' مجازا، مخاطبة من يسكن دار فؤاد أبو الغيداء، ظانة أنني لم أفهم أنها قصدت ذلك بالمعنى والكلمة.

باختصار، هذه قصة بيتي في حيفا الذي أعيش فيه، هو أصلا لعائلة أحمد أبو غيداء الفلسطينية التي تهجرت عام النكبة.

كان حوارا سريعا مع الروائية سلوى جراح، المولودة في حيفا عام 1946، وهجرت منها عام 1948، إذ يعود أصل العائلة إلى مدينة عكا، ليبدأ مشوار الخروج من فلسطين إلى العراق وإلى بريطانيا.

عادت سلوى للمرة الأولى منذ الشتات إلى فلسطين، قبل بضعة أيام، للمشاركة في معرض 'فلسطين للكتاب الدولي العاشر' في رام الله، لإلقاء ندوة حول الهوية والمكان، برفقة الروائي مازن معروف.

تتحدث سلوى عن التجربة الفلسطينية، والبحث عن أدوات ليعود الفلسطيني لوطنه، وقالت 'أنا فلسطينية وهذا لا يتغير، حتى لو أنني أعيش اليوم في بريطانيا، دخلت هذه المرة إلى فلسطين بجواز سفر بريطاني، بريطانيا هي التي ساهمت بغربتنا نحن الفلسطينيين، بعد وعد بلفور، هي نفسها التي أتاحت لي اليوم أن أدخل إلى فلسطين من جديد، يا للمفارقة! هم من أدخلني إلى وطني”.

وأضافت أن 'بريطانيا بالنسبة لي هي 'Home' هي السكن، الطمأنينة، الاستقرار، سهولة الحركة، معرفة الأشياء، والحياة منذ ٣٩ عاما، لكنني لا أستطيع أن أسميها وطنا، أحب رؤيتها من الطائرة أسلم عليها وأقول 'هلو hello'، اشتاق لبيتي وأهلي وأريكتي وأشيائي الصغيرة لكنها ليست وطنا'.

وتابعت سلوى بصوت منهك عميق، 'آه، حب فلسطين متعب!  يتغلل فيك، لا تتخلص منه أبدا، ويظل يعيش بك وتورثه لأبنائك دون أن تدري وتتساءل كل يوم من أين جاؤوا بـ'فلسطينيتهم'! وعندما تصل إلى البلد يبدأ مشوار البحث عن الوطن، تأتي إلى وطنك وترى أنك ما زلت غريبا”، وتكمِل: 'أنا لا أشعر بالغربة حين آتي إلى فلسطين'.

بعدها تحدث مازن معروف، الذي يعود أصلة لقرية 'دير القاسي' بالجليل، المولود عام ١٩٧٨، في مخيم 'تل الزعتر' ، وفي عام ١٩٨٢، تشرد أهالي تل الزعتر مجددا في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي.

يقول مازن  الذي لم يتحاوز عمره الأربعة أعوام، أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان: ”هربوا أهلي من تل الزعتر، أذكر قوة الفزع، ضرب المدفعية والغارات. كان الإسرائيليون يلاحقون ياسر عرفات، من عمارة إلى أخرى، وكنا نتشرب المشهد، 'مش فاهمين' مصدر الأصوات، أسئلة الغربة هي تفاصيل الحياة، التي مازالت تحيط بي كطفل'.

 يقول مازن إن 'جزءا من الحرب الأهلية، تركت جوا بين النقمة على الفلسطيني والتعاطف معه'، ويضيف أن 'لحياة الفلسطيني، كل تفصيل بها له بعدا رمزيا يتعلق بالغربة'.

 أول أمس زار مازن مخيم بلاطة في نابلس وكان هذا المشهد الأكثر قسوة بالنسبة له، حيث قال 'أن تعيش في مخيم بلبنان وأن ترى فلسطين بـ'الأفق' ولا تصلها بسبب الجغرافيا هو شيء! ولكن أن تكون في مخيم بلاطة وترى مدينتك أو قريتك التي هجرت منها ولا تستطيع الوصول إليها غربة مضاعفة، غربتنا أي في لبنان تحميها وتصونها الجغرافيا'.

وتساءل مازن ماذا يعني أن تكون في فلسطين وأن تعيش في مخيم؟ وإذا عاد الفلسطيني إلى أراضي ١٩٤٨ سيكون 'هجين' ثقافات أخرى، كالشتات والمنفى وغيره.  يتحدث مازن عن ذاكرته التي هي ذاكرة لبنانية وليست فلسطينية، وهذا ما تحدث عنه في كتابه 'نكات المسلحين”.

ربما الكتابة بالنسبة له هي تصفية حساب مع الطفل المأزوم الذي في داخله والذي له علاقة بالمخيلة، وكأنه يقوم بعلاج نفسي ذاتي من خلال الكتابة عن هذه التجربة، تحدث عن المنفى المزدوج يعني أن تعيش في لبنان لأبوين فلسطينيين تهجروا عام ١٩٤٨، والآن تختار منفاك، أن تعيش في آيسلندا حيث يقيم الآن ويترجم بعضًا من أعماله من الآيسلندية إلى العربية، الشيء الذي ساعد بمنحه الجنسية الآيسلندية التي سمحت له الدخول إلى فلسطين.

نعم هي ممارسة لحق العودة، شعرنا بذلك أم لم نشعر، هذه المرة يأتي مازن وسلوى لأسبوع والمرة القادمة لأشهر. هذا إنجاز رائع من انجازات معرض 'الكتاب الدولي العاشر'، هذا العدد من الأدباء والروائيين والشعراء من العالم العربي، أكثر من مئة شخص عادوا إلى فلسطين ولو لحين، التحايل على الموقف رغم 'أنف' الجغرافيا التي وإن أرادت أن تقسمنا فنحن هنا.

إن الجهد الذي قامت به وزارة الثقافة، كي تحتفي بقامات فلسطينية عالية من الداخل الفلسطيني المحتل أمثال 'توفيق زياد، سميح القاسم، سلمان ناطور، جوني منصور، عبد عابد، إميل حبيبي' يعبر عن رؤيا لديها في إعادة الاعتبار لهذه الشخصيات الفلسطينية، بالإضافة إلى حضور الأدباء والشعراء من قطاع غزة، هذا عمل تستحق عليه الوزارة كل الشكر حتى يكتمل المشهد الثقافي الفلسطيني.

التعليقات