12/07/2016 - 23:14

"أيها الموت؛ حتى أنت لم تكن عادلًا"

هو أسعد الطيّب، المحبّ، الذي تفرحه الحياة، تارةً بأن تكون بقرته حلوبًا، وتارة أخرى بأن يكون الوحيد في سورية الذي يملك أكثر من كليتين، لكنّ واقع حياته، في خارج مسلسله الأشهر "ضيعة ضايعة"، كان مغايرًا تمامًا للواقع، فنضال سيجري.

"أيها الموت؛ حتى أنت لم تكن عادلًا"

نضال سيجري في أحد أدواره (تصوير شاشة)

هو أسعد الطيّب، المحبّ، الذي تفرحه الحياة، تارةً بأن تكون بقرته حلوبًا، وتارة أخرى بأن يكون الوحيد في سورية الذي يملك أكثر من كليتين، لكنّ واقع حياته، في خارج مسلسله الأشهر 'ضيعة ضايعة'، كان مغايرًا تمامًا للواقع، فنضال سيجري، الذي حلّت، بالأمس، الذكرى الثالثة لرحيله، عانى مطوّلًا جدًا قبل رحيله.

قيل في نضال سيجري ورفيقه، باسم ياخور، إنهما الثنائي الكوميدي الأهم في سورية والوطن العربيّ بعد الثنائي دريد لحّام ونهاد قلعي، لكنّ القدر، يأبى إلّا أن يكرّر نفسه، بأن يتوفى أحدهما وأن يبقى الآخر ليحصد نجاحه ونجاح صديقه المتوفّى، في الأولى غادر قلعي وبالأمس القريب، غادر سيجري.

وأسوأ ما حدث لسيجري ليس أنه توفّي، فذلك لا يوجعه هو، بل أنه فقد حنجرته قبل وفاته، فقد كان عليه أن يودّع كل أدواره التي قام بها، أن يمرّ على تلك السيناريوهات الواحدة تلو الأخرى، يردّدها بقلبه، أو عبر افتعال تعابيرَ في وجهه تدلل عمّا ينوي قوله، أمّا أن يردّدها بأعلى صوته، فلا.

كما أجاد أدواره الكوميديّة، في ضيعة ضايعة وبقعة ضوء، أجاد سيجري التأقلم مع البحّة في صوته التي خفتت أكثر فأكثر إلى أن تلاشت البتّة، فابتكر، في أعماله الأخيرة طريقة بسيطة للتعبير عن رأيه: لوح صغير وقلم، يحملهما أينما حل، وكلّما اشتد به الحال، كما في مسلسل الخربة، يرفع دواءَه بيديه، ملوحًا به: سيعود صوتي لي.

قيل إنهما الثنائي الكوميدي الأبرز سوريًا بعد نهاد القلعي ودريد لحام
قيل إنهما الثنائي الكوميدي الأبرز سوريًا بعد نهاد القلعي ودريد لحام

آمن أسعد الطيّب بمقولة ستانسلافسكي: 'ليس هنالك دور كبير أو دور صغير، إنما هنالك ممثّل كبير وآخر صغير'، فمن بطولة مطلقة لافتة في 'ضيعة ضايعة' بجزأيه، ارتضى أن يعود بدور لصٍ هاربٍ غير قادر على الكلام في 'الخربة'، لم يشكّل ذلك مفاجأة لرفاق سيجري، كما لم يكن رحيله مفاجئًا، فهو لم يتهرّب من المرض ولم ينكفئ عن العالم المسرحي والدرامي، إنما استمر في تأدية أدواره، حتّى النهاية.

عاش حياته على قصرها متمرّدًا، متمردًّا على مسلسلات بلاده، التي كان يهجرها دومًا عائدًا إلى المكان الأوّل الذي جاء منه، خشبة المسرح، لكنّه، حين عُيّن مديرًا للمسرح القومي في سورية، وقّع استقالته منذ اليوم الأول، متمرّدًا، أيضًا، على البيروقراطية والفساد الإداري.

وكان صوت ضميره، على عكس صوت فمه في آخر سنيّ عمره، عاليًا جدًا، من أدواره الاجتماعيّة اللافتة في 'الانتظار' و 'أبناء القهر' و'عصر الجنون' و'غزلان في غابة الذئاب'، إلى ما روي أنه قاله في القصر الجمهوريّ بعيد اندلاع الثورة للأسد: 'الإصلاح لا يكفي'.

اقرأ/ي أيضًا | لقب بـ "تشارلي شابلن العرب": رحيل الفنان السوري نضال سيرجي

أمّا آخر ما نقل عن سيجري، بعد استفحال سرطان الحنجرة، فقد كان رسالة للموت، كتبها على صفحته: «أيها الموت… حتى أنت لم تكن عادلًا… لم تأت إلاّ على الفقراء في وطني. الذين استشهدوا في بلدي من عسكريين ومدنيين هم فقط من الفقراء، الفقراء يقتلون في بلدي والأغنياء يتشاطرون بالعدّ والإحصاء والتحريض» ومن أقواله أيضًا: «لو صار السلاح في كل الأيدي… فأنا لن أحمله ولن أوجهه نحو أي سوري… لا للسلاح… ولا للموت… نعم للتعايش والاختلاف… نريد عقولًا مفتوحة على العقول… نريد أرواحًا تتسع للأرواح… سورية أمنا العظيمة تتسع للكل وبحاجة للكل».

التعليقات