13/04/2016 - 22:29

ألم يكن هذا حلمك يا جوليانو؟

"يمضي مسرح الحرّيّة في درب المقاومة الثّقافيّة، كونه يحمل مشاعل النّور والتّقدّم... فبعد 10 سنوات من الانطلاق، و5 سنوات على اغتيال جوليانو، و14 سنة على الاجتياح، ما زال الأمل والتّفاؤل والاندفاع نحو الأمام موجودًا."

ألم يكن هذا حلمك يا جوليانو؟

مسرح الحرّيّة في سبسطية | عدسة Bryan MacCormack

'ونستمرّ في خلق الحلم، نستمرّ في زرع الأمل... نمضي على درب الحياة في بناء المقاومة الثّقافيّة من خلال مسرح الحرّيّة. على قواعد العدالة والمساواة نخطو نحو مستقبل الحرّيّة القادمة... ألم يكن هذا حلمك يا جوليانو؟' 

بهذه الكلمات أنهى مسرح الحرّيّة في مخيّم جنين احتفاليّته العاشرة، الّتي استمرّت ستّة أيّام، من 4 حتّى 9 نيسان 2016، تحت شعار 'عشر سنين حرّيّة'، افْتُتِحَتْ بتخليد ذكرى رحيل مؤسّس المسرح، الفنّان جوليانو مير - خميس.

جاءت فعاليّات الاحتفاليّة غنيّة جدًّا ومتنوّعة، وقد قسمت إلى محورين؛ المهرجان المسرحيّ ومنتدى الثّقافة الوطنيّ. نتناول في هذا التّقرير الفعاليّات والأنشطة الفنّيّة الّتي تضمّنها برنامج الاحتفاليّة.

على الخشبة... في السّاحة

'مسرحيّة الحصار، هي أكثر أعمال مسرح الحرّيّة تأثيرًا في المشاهدين، خلال جولاتها في مسارح العالم،' هذا ما قاله ممثّلا المسرحيّة، فيصل أبو الهيجا وأحمد الرّخّ، ومخرجها نبيل الرّاعي، فلماذا كانت الأكثر تأثيرًا في العالم من وجهة نظرهم؟

تسرد مسرحيّة 'الحصار' قصّة مجموعة مقاومين حوصروا داخل كنيسة المهد، واحدة من أقدس الأماكن في العالم، مدّة 39 يومًا، يعيشون خلالها صراعًا محتدمًا لإيجاد منفذ لهذا الحصار، فإمّا أن يخرجوا ويستسلموا ويقتلوا، وإمّا أن يبقوا مدّة طويلة في ظلّ نقص المؤن والمعونات، فيأتي الحلّ أخيرًا مع صرخة أمّ 'من المحاصرين'، تطالبهم عبر سماعة الهاتف بتسليم أنفسهم لأنّ حياة ابنها في خطر، فيسلّمون أنفسهم ليصبحوا مغتربين في دول عديدة، إذ كانت جميع الحلول تقضي بترك عائلاتهم ووطنهم إلى الأبد. وتمكث في غربتهم جميع الأوجاع الّتي ما زالوا يعانون منها حتّى اليوم.

عرض 'عودة'

ومن غربة إلى غربة، ينتقل المسرح إلى عرض مسرحيّ بعنوان 'البحث عن حنظلة،' حنظلة الّذي يدير ظهره للعالم منذ هُجّر من دياره، حيث تبحث فاطمة عنه... تبحث عن لسانها الّذي أخرسوه مثل حنظلة تمامًا. وخلال رحلة البحث، تُعرض رسوم كاريكاتوريّة لناجي العلي على شكل فيديو، حيث جسّد الوطن بأسوأ وأجمل حالاتهن ويعلّمنا كيف نحبّ الوطن كما في كاريكاتير يكتب فيه: 'وطني حبيبي الأكبر،' عنوانًا لدرس محو الأمّيّة.

مسرحيّة 'البحث عن حنظلة' من تأليف غنّام غنّام وإخراج محمّد الطّيطي، وتمثيل كلّ من خليل نصّار، وعبد المهدي الطّرايرة، وديانة السّويطي، وإنتاج مسرح 'نعم' في الخليل.

ومن وحي مسرح الأقنعة الإيطاليّة التّقليديّ، المعروف بكوميديا ديل لارتي، وبالشّراكة مع شركاء المسرح في 'الهوتيل كوراج' من هولندا، قدّم الفنّانان علاء شحادة وصابر شريم، وهما خرّيجا مدرسة مسرح الحرّيّة، عرضًا بعنوان 'عودة'، اعتمد على الحوار الارتجاليّ الكوميديّ، الّذي تناول قضايا متنوّعة لها علاقة بالمسرح والاحتفاليّة وغيرها، وذلك وسط تفاعل كبير من الجمهور.

أمّا عرض 'مش زابطة'، فيتناول قصّة أربعة شبّان فلسطينيّين يلمؤهم الأمل والطّموح بعد عودتهم من الخارج، حاملين شهاداتهم الجامعيّة، ويواجهون سلسلة من العقبات والمعيقات في بحثهم عن وظيفة، حيث فوضى الأنظمة الصّحّيّة والتّعليميّة والقانونيّة، والّتي تحتاج إلى الكثير من التّفكير والتّعديل.

العمل مزيج من الرّؤية المسرحيّة والسّيرك والإيقاع الجسديّ، ويقوم على حسّ الفكاهة والمفارقات، وهو من إخراج محمّد عيد، وأداء أحمد أبو طالب، ومحمّد أبو طالب، ونور أبو الرّبّ، ومحمّد أبو سخا.

مونودراما

جلست الأمّ أمام 'أبونا' الشّيخ، تحاوره وتعترف له بذنبها بعد حرقها ابنها، لأنّه أدمن المخدّرات بعد خيبات انضمامه للتّنظيم، وما بعد السّتار يجلس الأب الرّوحيّ صامتًا، وما بعد الموت، 'الحياة البرزخيّة'، تتمنّى الأمّ أن تعيش مع ولدها، وما بعد العرض يصفّق الجمهور للنّهاية المأساويّة!

مونودراما 'طه'

جاء ذلك في مونودراما 'اعتراف'، الّتي قدّمتها الفلسطينيّة ياسمين همّار في مسرح الحرّيّة، ضمن احتفاليّته العاشرة، تحت شعار '10 سنين حرّيّة'؛ استعرضت من خلالها كوميديا نسائيّة من إخراج كامل باشا وإنتاج 'القدس آرت' في القدس.

كما شمل برنامج الاحتفاليّة مونودراما 'طه'، والّتي عادت بالمشاهدين إلى تهجير الفلسطينيّين القسريّ عام 1948، وهي عمل روت حكاية الشّاعر طه محمّد علي من صفّورية. ظهر الممثّل فيها حاملًا حقيبته طيلة العرض، مستعرضًا نكباته، في خسارته لبيته ودكّانه وسخوله وحبيبته في صفّورية، حتّى صعوده منبر الشّعر، وانتصار ذاته الشّعريّة على 'الآخر' المحتلّ الّذي سرق منه المكان والزّمان، لكنّه لم يسرق منه ذاكرته ولا لسانه.

أدّى مونودراما 'طه' الفنّان عامر حليحل، وهي من إنتاج مسرح مرايا، ومؤسّسة قدّيتا للثّقافة والفنون، وبدعم من مؤسّسة عبد المحسن قطّان، وقد أخرجها يوسف أبو وردة.

وفي مونودراما '15 ثانية من غزّة'، تنوّعت أساليب العرض، حيث وظّف الفيديو واستخدمت الدّمى، لعرض حياة عائلة في غزّة خلال العدوان عليها، من وجهة نظر الأدوات المنزليّة والحيوانات. أدّى العرض باللّغة الإنجليزيّة الفنّان مؤمن سويطات، وهو من إنتاج مسرح الحرّيّة.

على الشّاشة... في الإطار

أمّا على شاشات العرض، فقد قُدّم فيلم 'مقاتل من أجل الحرّيّة'، حول الفنّان الرّاحل ربيع تركمان، راصدًا تجربته النّضاليّة في أزقّة المخيّم ودهاليزه، ثمّ على خشبة المسرح. وعرض الفيلم قصّته وهو في الـ 16 عامًا من عمره، حيث عاش حياة المقاومين في صفوف كتائب شهداء الأقصى مدّة 4 سنوات، وقد استُشْهِدَتْ أخته أثناء محاولة الإسرائيليّين اعتقاله. بعدها بات ربيع ممثّلًا على مسارح عالميّة عدّة، في برلين وفنلنده ونيو يورك وغيرها، يُسمع صوته للعالم بالتّمثيل بعدما أسمعه لهم برصاص بنقديّته.

الرّاحل ربيع تركمان

الفيلم من إخراج محمّد معاوية، مسؤول قسم الملتميديا في مسرح الحرّيّة، وقد طرح تساؤلات عديدة، أهمّها عن كيفيّة انتقال المقاوم من أرض المعركة إلى الخشبة؟ وهل المقاومة الثّقافيّة تعدّ سلاحًا من غير سلاح؟

ومن تجربة ربيع تركمان إلى تجربة طلّاب مسرح الحرّيّة في الهند، حيث صوّر فيلم 'هامشيا الصّامدة' تجربتهم مع مسرح جانم هناك، والّتي استغرقت ثلاثة شهور. ويحمل الفيلم اسم المسرحيّة الّتي أُنْتِجَت وأُخْرِجَت بصورة مشتركة بين المسرحين، الفلسطينيّ والهنديّ.

وكان تصفيق المشاهدين من أبناء المخيّم حارًّا بعد عرض فيلم 'اعزف فقط'، الّذي وثّق ولادة مؤسّسة الكمنجاتيّ وعملها منذ عام 2002، حيث يتعلّم الطّلّاب الموسيقى ضمن برامج تعليميّة متعدّدة، أهمّها برنامج موسيقيّ مخصّص لمخيّمات اللّاجئين الفلسطينيّين من لبنان حتّى قطاع عزّة، ينضمّ فيها الموسيقيّون الصّغار إلى فرق موسيقيّة مهمّة في العالم، بلغة تحاكي معاناتهم، يفهمها كلّ العالم وبكلّ اللّغات. وقد امتزجت أجواء الفيلم مع أداء غنائيّ من إنتاج الكمنجاتيّ لأغنية 'يا هالعالم'، وأغنية أخرى بعنوان 'باسم النّساء'.

ولم تغب الفنون البصريّة عن الاحتفاليّة، إذ عُرِضَتْ صور بورتريه من تصوير طلّاب قسم الملتميديا في المسرح، لوجوه فلسطينيّة استثنائيّة، بحزنها وفرحها، بنظافتها واتّساخها، بصباها وشيخوختها الّتي تعبّر عن كمّ هائل من الصّدق.

أماكن

جولات عديدة تضمّنها برنامج الاحتفاليّة، زار في إحداها المشاركون والمتضامنون مخيّم جنين، حيث تعرّفوا على مقبرة الشّهداء الجماعيّة، والّتي تضمّ جثامين شهداء اجتياح المخيّم عام 2002، الّذين لم يجدوا من يدفنهم لأيّام عديدة، ثمّ حُملوا إليها في 'تراكتور يدويّ'، فوق بعضهم البعض، ودُفنوا فيها. وقد جاءت الجولة في المخيّم متزامنة مع ذكرى الاجتياح في نيسان، واقترح خلالها أبناء المخيّم عدّة مقترحات لتوثيق المجازر وعمليّات التّدمير والتّهجير في التّاريخ الفلسطينيّ.

وفي جولة أخرى، توجّه المشاركون إلى سبسطية، عاصمة الرّومان، غرب مدينة نابلس، حيث آثار المدرّج الرّومانيّن وقد شملت الجولة عرضًا أدائيًّا ووصلة موسيقيّة في موقع المدرّج.

فرقة النّاصرة للفنون الشّعبيّة

موسيقى... رقص

'راجعلك، راجعلك لو بالسّرقة، لو لحظة بسرعة برق، لو بالسّرعة، انسى واسرق أوجاعك، راجعلك.'

هذا ما تغنّى به 30 راقصًا وراقصة من فرقة النّاصرة للفنون الشّعبيّة، في العرض الختاميّ للاحتفاليّة، حيث قدّموا عرضًا فولكلوريًّا ارتدوا فيه الكوفيّات والأزياء التّراثية، وقدّموا لوحات راقصة على ألحان الأغاني الشّعبيّة، بإشراف مدرّب الفرقة، الفنّان جمال حبيب الله.

كما قدّم الفنّانان شادي زقطان ونور الرّاعي، في العرض الختاميّ أيضًا، فقرة موسيقيّة، كانت حاضرة فيها قصيدة 'ريتا' للشّاعر محمود درويش، بألحان الموسيقيّ مارسيل خليفة.

تفاعل

عمل المسرح خلال احتفاليّته على تنظيم ورشات فنّيّة للجمهور، متماشيًا في ذلك مع كونه مدرسة لتعليم فنّ التّمثيل، وقد بدؤوا بورشة حول ثورة بريخت ضدّ المسرح الكلاسيكيّ الأرسطيّ، دعا فيها الممثّلون الجمهور إلى إثارة قضايا تهمّهم، والمشاركة والتّفاعل كما فعل بريخت.

وفي ورشة أخرى، قُدّمت تقنيّات المسرح الهنديّ، متمثّلًا بفرقة جانام المشاركة في أعمال الاحتفاليّة، وهي فرقة تتميّز بمسرح الشّارع، وتعتمد على التّمويل الذّاتيّ من خلال عروض بسيطة وقريبة من النّاس الهند.

جولة مخيّم جنين

وتضمّن برنامج الاحتفاليّة ورشة حول تقنيّات مسرح الحرّيّة، متعدّدة المدارس، والّتي تجمع بين الفنّيّات العالميّة في المسرح، والحفاظ على خصوصيّة ممثّلي وفنّيّي المسرح، خصوصّية تاريخهم ومعاناتهم ونضالهم من أجل الحرّيّة والمساواة، ومن خلال تقديمهم قصصًا حيّة تمثّلهم أمام العالم.

كما شاركت طالبات مسرح الحرّيّة في ورشة تفاعليّة، نُظّمت في المركز النّسويّ بجنين، مثّلن خلالها قصص نساء روينها لهنّ مباشرة.

مستمرّون

'يمضي مسرح الحرّيّة في درب المقاومة الثّقافيّة، كونه يحمل مشاعل النّور والتّقدّم... فبعد 10 سنوات من الانطلاق، و5 سنوات على اغتيال جوليانو، و14 سنة على الاجتياح، ما زال الأمل والتّفاؤل والاندفاع نحو الأمام موجودًا، رغم التّناقضات وأجواء التّشاؤم والإحباط، أحيانًا، والمسرح مستمرّ في مكانه بمخيّم جنين، وسيبقى أرضيّة عمل مشتركة لكلّ أشكال المقاومة ضدّ الاحتلالات المختلفة. لقد جاءت هذه الاحتفاليّة بعنوان المقاومة الثّقافيّة لتطرح أسئلة وتثير جدلًا حيويًّا في الحراك الثّقافيّ الفلسطينيّ، ولتحاول طرح بعض الإجابات.'

هذا ما قاله منسّق الاحتفاليّة، مصطفى شتا، في كلمته الختاميّة لأعمال الاحتفاليّة، وقد التُقِطت صورة جماعيّة للقائمين عليها وعدد من ضيوفها، إلى جانب رسمة الفنّان الهنديّ أورجيت سين، Orijit Sen، والّتي أنجزها خلال أيّام الاحتفاليّة، على أحد الجدران الخارجيّة في موقع المسرح.

شادي زقطان ونور الرّاعي
عرض 'عائد إلى حيفا' خلال جولة مخيّم جنين
مونودراما '15 ثانية من غزّة'
مسرحيّة 'البحث عن حنظلة'
عرض 'مش زابطة'
مونودراما 'اعتراف'
إحدى ورشات الاحتفاليّة
الهنديّ أورجيت سين مع جداريّته
معرض صور 'وجوه فلسطينيّة'
في سبسطية
جانب من وفد الهند - مسرح جانم

 

التعليقات