26/06/2021 - 13:46

الزواج المختلط وحيرة الأهل

هذا يتصادم  مع حق الفرد في تصميم نمط وشكل حياته، هذا ما يسمى تعصب والذي يتصادم مع إرادة وحرية الفرد.

الزواج المختلط وحيرة الأهل

ماذا نعني حين نقول زواجا مختلطا؟

الزواج المختلط: هو زواج واختلاط  من دين مختلف أو عقائد مختلفة أو قومية مختلفة أو أي انتماء مختلف  آخر بين الأزواج.

نشهد اليوم في مجتمعنا اليوم  والمجتمعات الأخرى، تزايدا بأنواع الزواج المختلط وأشكاله، وخاصة من ديانات مختلفة،وهذه الأكثر حساسية، هذه الظاهرة باتت موجودة في مجتمعنا العربي ككل، وعلى الصعيد المحلي الفلسطيني.

هذه الارتباطات وبشكل كبير تقاوَم عادة بين الناس وعند الأهل وبشدة، هنالك المعارضين لها بل المحاربين وبقوة وتزمت، وهنالك من يتقبلها بشكل عقلاني ومنطقي وبكثير من التفهم والمصالحة.

حول هذا السؤال سألنا أزواجا عدة خاضوا هذه التجربة، سألناهم عن سيرورة العلاقة كيف بدأت وأين هم اليوم بعد الزواج..

البعض أجاب بانفتاح ودون تردد عن الموضوع، أما القسم الآخر فأجاب بامتعاض وبطلب من عدم ذكر الأسماء مطلقا، طبعا نحن نتفهم هذا الحرص، إذ هو  يمس كل أفراد العائلة وليس الأمر شخصيا.

تزوجا منذ أكثر من 40 عاما :

المرأة: تعرفنا أثناء دراستنا وعملنا في الجامعة، أحببنا بعضنا البعض حبا جما، هو مسلم وأنا مسيحية، واجهنا الأهل بالحقيقة والعلاقة بيننا، فما كان من الأهل إلا أن رفضوا رفضا قاطعا ودون أي محاولة للتفاوض. كان الغضب والسخط و"العار"، على حد قولهم حليفا لنا.

ما كان منا إلا أن تزوجنا بالخفية والسر، وبعد مواجهتهم بالواقع أعلنوا قطيعتي، ولا زلت لليوم لا أراهم ولا يتقبلونني إطلاقا، أنجبنا أولادا رائعين، وصرنا أجدادا ولنا أحفاد، ولكن لليوم نحن محظورون من الاقتراب لبيت أهلي.

أهل زوجي تقبلوا وجودنا بينهم لاحقا، ولكن نحن نعيش بمصالحة في البيت، نعيد كل الأعياد معا المسيحية والمسلمة، ربينا أولادنا على ذلك، واليوم نعيش بسلام، وما زالت علاقتنا كزوج، أنا وزوجي، على أتم ما يرام كأي زوج من نفس الديانة، بل عذرا للجميع، أحيانا أفضل بكثير.

زوج آخر مضى على زواجهما 30 عاما

يعيشون في بلد الزوج هو مسلم وهي مسيحية، علاقتهم بدأت في فترة الجامعة، استمرت 6 سنوات في الخفاء،لم يستطيعوا مواجهة الأهل بها، حين قرروا الارتباط نهائيا، واجهوا الأهل فكان الرفض والمنع والزجر على أشده، قرروا الارتباط خارج البلاد. سافرا وتزوجا زواجا مدنيا، وحين العودة فوجؤوا بقرار الأهل بحبس الفتاة في البيت، ومنع الزوج من مشاهدتها والاجتماع بها. إلى أن خرجت بعد ضغط وتدخل الشرطة، لتدخل الفتاة لملاجئ النساء المعنفات، وبعدها تم الشرط أن يتكللا في الكنيسة ليتم موافقة أهلها، حصل هذا وتعمد الشاب قبل الإكليل، لكن ذلك لم يجدِ نفعا مع الأهل. عاشا معا وكونا أسرة في بيتهما في بلدة الشاب وبين أهله الذين تقبلوا الفكرة، بعد أن خضعوا للأمر الواقع.

أولادهم ناجحين في المدارس والجامعات، انتماءاتهم الدينية كل حسب اختياره بدون ضغط ولا إكراه حسب وعيهم ومعتقداتهم وإيمانهم.

الزوج مسيحي متزوج من مسلمة سألنا الرجل:

لو تعود بك السنوات للخلف لبضع عشرات السنين هل كنت لتقوم بنفس الخطوة؟

طبعا بالمطلق، كونها بادئ ذي بدء خطوة تمت عن قناعة كاملة، ولذا فما من أي داع يستلزم إعادة النظر فيها لجهة التراجع عنها أو التشكيك فيها.

للعلم فقط، صحيح أن أيامنا الراهنة شهدت، مقارنة بالفترة التي حدث فيها زواجنا المختلط، تزمتا أكثر من ناحية التزمت الطائفي، لأسباب كثيرة يضيق المجال لذكرها، فإن المعارضة للزواج المختلط في تلك الفترة كانت موجودة وليست على نطاق ضيق، وبالرغم من ذلك لم تؤثر في القرار النهائي، لأن ما دفع لاتخاذه كانت أسبابا وجيهة لا ينتهي مفعولها بمرور الوقت.

ما العقبات التي واجهتها جراء الخطوة هذه وما الإيجابيات فيها؟

أعتقد أن أهم العقبات كانت موقف الأهل. وهو موقف نابع من أفكار تقليدية متوارثة. وقد آلينا على نفسينا أنا وشريكة حياتي أن نذلل هذه العقبة الأهم من خلال الإقناع. ونجحنا في ذلك. كان النجاح حليفنا بسبب الدعم الذي تلقيناه من محيطنا القريب، ولا سيما محيط الأسرة. وبرأيي أن تذليل عقبة الأهل، أقصد إقناعهم بعدم معارضة الخطوة، تمهد الطريق لتحقيقها. أقول هذا الكلام من خلال ما هو قائم في الواقع منذ ذلك الوقت إلى الآن، فحيث كان الأهل واقفين وراء هذه الخطوة نجحت وانطلقت. وهذا مرجح لأن ينسحب على المستقبل أيضا.

ما هي انتماءات الأبناء اليوم الدينية هل هي خيارات خاصة بهم؟

بالضبط هكذا:  هذه خيارات خاصة بهم وحدهم، وتُحترم من طرفنا. وإلى أن وصلنا إلى صيرورة كهذه، اجتهدنا لنربيهم بداية على احترام كل الأديان والانتماء إلى الأفكار الإنسانية، وإلى القيم النبيلة مثل المساواة، بغض النظر عن أي انتماء والعدالة. طبعا أنا لا أرغب بأن أؤمثل الواقع (جعله مثاليا)، فالواقع العام حافل بما يمكن أن يناقض مثل هذه التربية في الشارع بل وحتى في المدرسة أحيانا، ولكن هذا يجب ألا يمنع المحاولة والمثابرة.

رأي الباحث الاجتماعي بروفيسور أمل جمّال:

بروفيسور أمل جمّال

توجهنا للبروفيسور أمل جمال أكاديمي وباحث اجتماعي في جامعة تل أبيب سألناه عن موضوع الزواج المختلط فقال: 

أجيب عن الموضوع للزواج المختلط من منطلقين:

 

 

 

- المستوى الفكري

- المستوى الاجتماعي

- ولا يوجد بشكل فرضي أي تطابق بينهما.

1- التحليل الفلسفي الفكري يرتكز على أن أبناء البشر مختلفين على مدار البشرية منذ آلاف السنين،  ودائما كانت محاولات على إبقاء المجموعات البشرية بأنواعها، ودائما كان هناك التوق الإنساني للتعرف على مجموعات أخرى من أنواع أخرى مختلفة، من هنا جاء السفر والتزاوج والاختلاط، من ناحية مبدئية هو شيء طبيعي وجيّد ويشمل حرية الفرد على تصميم نمط حياته أو شكل حياته/ا،  هنالك استقلالية ذاتية في اختيار شريك الحياة من ناحية حرة ومستقلة، وهذه من أهم الأمور الشخصية للفرد، ولا يحق لأي شخص آخر التدخل بها وحتى الأهل.

- هذا الاختيار هو تعريف لقضية من أنا؟ وكيف أنظر للآخر، للعالم ولنفسي؟ بأي عالم سأعيش؟ تعددي منفتح، قادر أن يستوعب أنماط مختلفة من أشكال الحياة، فمجرد الاختلاط بالمجموعات الأخرى المختلفة هو بحد ذاته كسر للحواجز والتقسيمات الغير طبيعية، تقسيمات تتعلق بأنماط سلوكية نشأت مع الوقت، وهي ليست مقدسة، ومنها الدينية.

- هذا الأمر هو صنيعة الإنسان، ديني، طائفي، قومي وعنصري RACE  مثل أفريقيين مع امريكيين وغيرها، هذه التقسيمات هي تقسيمات تاريخية، لها جانب ثقافي مثل الدين والعادات والتقاليد، فكل مجموعة موجودة نتيجة إرادة المجموعات بالحفاظ على نفسها، فأنشأت ثقافة خاصة لها، من ناحية، ومن ناحية أخرى وضعت حواجز على سلوك الأفراد فيها تجاهأفراد آخرين من مجموعات أخرى.

 - هذا يتصادم  مع حق الفرد في تصميم نمط وشكل حياته، هذا ما يسمى تعصب والذي يتصادم مع  إرادة وحرية الفرد في تحقيق ذاته وأحلامه وأفكاره، وليس فقط وإنما التزاوج مع من يريد، وهذا الشأن هو الأكثر خاصية لكل فرد. وبالتالي من له الحق أن يقرر للفرد مع من يكون.

2- على الصعيد الاجتماعي، بسبب الاختلافات والعقائد المختلفة هذا يخلق تحديات اجتماعية مباشرة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وقت التفكير بالأمر وخالفة القاعدة المتفق عليها، فتجاوز الحدود كان به دائما تحد، وخاصة في موضوع الزواج المختلط حيث يعني أن دقع  الثمن سيكون تجاه المجموعتين، وفي الأساس وضع الأولاد مستقبلا في مكان غير اعتيادي أو غير طبيعي، لأن عادة انتماءات الأهل لها انعكاسات وتأثير على حياة الأولاد وإسقاطات أيضا

- على المستوى الليبيرالي، حق الأهل الأفراد الزواج بمن يريدون، ولكن هذا الزواج به تناقض مع الأجيال القادمة، تضع الأولاد في مكان تصادم وتخبط وحيرة، لمن يتبعون؟ ولأي دين؟ وحقهم في العيش بدون تصادمات بنيوية أساسية تتعلق بقرارات الأهل، نحن ننجب أولادا مع هذه المعضلة والصراع من يوم ولادتهم، هنالك تحديات أخرى جمة وكبيرة في الحياة، ونحن نجلب لهم تحدٍ إضافي هو صعب وليس سهلا

- هؤلاء الأهل لو قرروا العيش في مكان منفتح أكثر وخرجوا من مجتمعهم الأصل بعد الزواج، المجتمع المحافظ والمقسوم، ممكن، على العكس، أن يكون مثريا للأجيال القادمة، فيه التسامح والتعددية الفكرية والثقافية Tolerance، والعيش بتصالح وسلام مع الجهتين.

-  على مستوي اخر فيه تقوية وتعزيز وبناء الشخصية الأوسع، اختلافات الثقافات يخلق وعيا أكثر، نحن طوائف وأقرب للطوائف من شعب، كشعب فلسطيني يعيش تحت الاحتلال، وفي حال الزواج المختلط لدى الأفراد أصعب عليهم السكن في الأماكن المحافظة المغلقة من لو عاشوا في أوروبا مثلا سيكون أهون، هذا يعود ويرجع للجو العام الموجود في الحيز، هؤلاء الأهل يجب أن تكون لديهم القدرة لتعاملهم مع أولادهم ومع الموضوع، لأن ردود الفعل دائما ستكون صعبة، وخاصة أن هذه المجموعات لا زالت ضئيلة جدا في المجتمع.

- هنالك تفاوت في داخل  مجتمعنا بردود الفعل نحو الزيجات المختلطة، وهنالك مجتمعات أصعب من مجتمعات ومتشددة أكثر، على سبيل المقثال فرق وتفاوت بين ردود الفعل في المجتمع الدرزي أو المسلمي أو المسيحي.

- في المجتعات التي لا تعرف الناس بعضها، المجتمع الكبير، أهون  للأنواع المركبة العيش والانغماس فيها، وأن تمارس حياتها بشكل اعتيادي، فيكون المجتمع مغذي أكثر، هنالك عدة أمثلة على أزواج اختاروا الزواج المختلط ولكن عاشوا في الخارج، لديهم أولاد رائعون بكل ما في الكلمة من معنى "أنقياء" من كل الشوائب المشوهة، بينما لو عاشوا في مجتمعاتهم سوف يقاومون.

- جانب أضافي في هذا المجال أن إسرائيل دولة محافظة جدا في هذا المضمار، المأساة هي ليس فقط  احتلالنا كشعب، إنما رؤية اليهود لذواتهم أسقط على باقي العرب هنا، اليهود متزمتون لهويتهم فهم عززوا التزمت هذا الهوياتي عند المجموعات الأخرى، الأقلية التي تعيش في المجتمع الغلسطيتي، قبل  20 سنة لم تكن الطائفية مستفحلة بهذا الشكل، عندنا تعزز الفصل وتعززت الأمور في الفصل بين كل مركبات الطوائف في المجتمع الفلسطيني، الدروز والمسيحيين والإسلام، تولد تعصب بين هؤلاء أيضا وانعكس الأمر عليهم، الأمر الذي يصعب الزواج المختلط  ويجعله شائكا في إسرائيل أكثر من أي دولة أوروبية.

في الدول العربية ينظر له من ناحية إرث والحق في الميراث ما رأيك؟

في أسرائيل لا يوجد زواج مدني إنما يتم الزواج خارج البلاد، والميراث اذا كان الزواج مدنيا الأمور تكون محلولة ومتفق عليها قانونيا، ولكن من يقحم على الزواج يجب ألا يكون هذا الحساب للميراث لديهم،  هم مستقلون ماديا وفي الروح والسلوك، وهذا لا يأتي في الحسبان، والزواج المدني يضمن حقوق متساوية للزوجين.

- يجب أن يكونوا مستعدين لدفع الثمن مستقلين ويتخطون الجدل المادي.

- لذلك هناك على السبيل الفكري تحد للأمور الاجتماعية، ويجب الفصل بين المستويين الفكري والاجدتماعي.

- الأثمان يجب أن ندفعها وواعين لها ليس لأن المجتمع معه الحق، لأن المجتمع أقوى من الفرد في كثير من الحالات ويفرض على الفرد العيش بنمط معين.

دور الأهل:

وظيفة الأهل ليس أن يقرروا لأولادهم من يتزوج أو تتزوج ومع من يعيش،  لكن تنويرهم حول الأثمان التي ستولد نتيجة هذا القرار وتوجيههم، دورهم ليس منع وحبس، وليس رفع اليدين بشكل كامل، وليس البت في الموضوع، وظيفنهم التنوير النابع من الظرف الاجتماعي الذي نعيش فيه وليس تخويفهم، بل تعزيز إرادتهم لأخذ القرار بشكل سليم.

أثبت أن الموضوع قائم منذ سنوات عديدة، كثيرون تزوجوا زيجات مختلطة وأداروا حياتهم بأقضل شكل وأولادهم يعيشون بسلام ويوجد أزواجا قد انفصلوا ولم ينجحوا..

 

 

 


 

التعليقات